رئيس التحرير
عصام كامل

"الحركة الإسلامية".. تنظيم إخواني في "الحكومة الإسرائيلية".. خرجت من رحم جماعة "البنا".. ومؤسسها بدأ رحلته شيوعيا

منصور عباس ممثل الإخوان
منصور عباس ممثل الإخوان في الحكومة الإسرائيلية
 «الحركة الإسلامية فى الحكومة الإسرائيلية».. من الوهلة الأولى سيكون من الصعب القبول بهذه المعادلة، غير أن جماعة الإخوان الإرهابية، وبقية الحركات التى خرجت من عباءتها جعلتها معادلة «ممكنة»، ليس هذا فحسب، لكنها تحاول بشتى الطرق إثبات شرعيتها.


حكومة إسرائيل
أما الحركة الإسلامية، التى انضم أحد عناصرها، منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة، لرئيس حزب «هناك مستقبل» يائير لابيد ليتمكن من تشكيل حكومة إسرائيلية، فهى حركة استقت أفكارها ومبادئها من جماعة الإخوان الإر هابية، ورغم إصدار الجماعة بيان تنفى انتماء «منصور» لها، إلا أن علاقة الجماعة تاريخيا بالحركة التى تلقى مؤسسها أفكاره من حسن البنا، لا تخف على أحد.

منصور عباس درس فى كلية طب الأسنان فى الجامعة العبرية فى القدس، وخلال دراسته بدأ نشاطه الطلابى ضمن لجنة الطلاب العرب حيث انتخب لرئاستها مرتين، وانتخب عام 2007 أمينًا عامًا للحركة الإسلامية فى الداخل، وفى 2019 تولى قيادة القائمة العربية الموحدة وهى الهيئة السياسية التى تخوض الحركة الإسلامية الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية تحت رايتها.

وانتخب نائبا فى الكنيست الإسرائيلى لأول مرة فى انتخابات أبريل 2019، ضمن قائمة جمعت الحركة والتجمع الوطنى الديمقراطى، وانتخب للمرة الثانية خلال الانتخابات المبكرة ذات العام فى سبتمبر 2019، بعد عودة تشكل القائمة المشتركة.

مؤسس إخوان إسرائيل
وتعود أصول الحركة الإسلامية فى إسرائيل، إلى الشيخ عبد الله نمر درويش، الذى ولد فى سنة 1948، بقرية كفر قاسم، وعايش فى طفولته الجرائم التى نفذها الإسرائيليون فى قريته بالتزامن مع الوقت الذى شهد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وكان خلال مرحلة شبابه من أعضاء الحزب الشيوعى الإسرائيلى المسمى «راكح»، لكنه انفصل عن الحزب فى عام 1966، وشن هجوما عنيفا على زملائه.

وقال إن «رفاقه ملحدون لا يؤمنون بالله»، ثم فى أعقاب حرب عام 1967 انتسب «درويش» إلى المعهد الإسلامى فى نابلس، وتحول بعد تخرجه إلى داعية بالمساجد واستلهم معظم أفكار من فكر الإخوان المسلمين، ومن مفكرين أمثال جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده والشيخ عمر التلمسانى، ثم بدأ فى كتابة بعض الكتيبات يتحدث فيها عن العودة إلى الإسلام باعتباره «عقيدة وشريعة ونظام حياة»، ليؤسس بعدها نواة الحركة الإسلامية بكفر قاسم، والتى انتشرت أفكارها كالنار فى الهشيم داخل القرى المجاورة.

وظلت الحركة فى بداياتها شبيهة ببداية الإخوان تزعم أنها تهدف إلى نشر الدعوة، وحث الناس على التقوى فقط، ولم يظهر وقتها أي مؤشرات على نمو حركة سياسية تابعة لها.




الكفاح المسلح
ومع انتشار المد الإسلامى خلال فترة السبعينيات، والثورة الإسلامية الإيرانية، بدأ بعض أفراد الحركة الإسلامية فى الدعوة إلى رفع السلاح ومواجهة إسرائيل عبر تشكيل تنظيمات مسلحة، وقاد المجموعة شخص يدعى فريد أبو مخ، بعد أن كان عاملا فقيرا يعمل فى تل أبيب لكسب قوته، وعاش معظم حياته فى شرب الخمور ومرافقة النساء.

لكن تغيرت حياته بعد أن نصحه أحد المشايخ بالتقرب إلى الله ليحقق دعاءه بإنجاب طفل ذكر بعد فترة من إنجاب البنات فقط، وبالفعل تحولت أفكاره واقترب من الدين أكثر والتقى بالشيخ عبد الله نمر وتأثر بأفكاره، وانضم للحركة الإسلامية، ثم بعدها كون تنظيم «أسرة الجهاد» المنبثق عن الحركة، والتى ركزت أهدافها على شن هجمات متفرقة ضد المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية وعرقلة حركتها، ولقيت أنشطتها قبول بين عرب إسرائيل، مما يعنى أن البيئة كانت ممهدة لاستقبال الأطروحات السياسية الإسلامية.

لقى تنظيم «أبو مخ» رواجا خاصة بين مجموعة من الأشخاص الذين تحولت أفكارهم نحو التشدد الدينى، وبالفعل بدأت أعمال تخريبية منظمة للمنشآت والمواقع الحيوية الخاصة بدولة الاحتلال، وأشعلوا النيران فى الغابات، واقتلعوا العديد من الأشجار واشتروا السلاح من الجنود الإسرائيليين، حيث نفذوا أكثر من أربعين عملية.

لكن سلطات الاحتلال تمكنت من كشف جميع أعضاء التنظيم ومؤيديه بعد أشهر على تلك العمليات، وذلك بسبب خلافات بين فريد أبو مخ وأحد مساعديه، واعتقل الإسرائيليون مائة شخص، على رأسهم قائد التنظيم فريد أبو مخ، وحكموا عليه بالسجن 15 عاما، بالإضافة إلى اعتقال الشيخ درويش وتوجيه تهمة التستر إليه على التنظيم السرى بصفته الزعيم الروحى للحركة الإسلامية فى إسرائيل بكل فروعها، وصدر عليه حكم بالسجن الفعلى ثلاث سنوات، ومثلها مع وقف التنفيذ.

تطبيع مجاني
«سقوط التنظيم» كان بمثابة نقطة فارقة فى تاريخ الحركة الإسلامية بإسرائيل، وبدأت تظهر دعوات لتبنى طرق أكثر هدوءا فى التعامل مع الكيان الصهيونى، وعبروا عن رغبتهم فى المشاركة بالحياة السياسية الإسرائيلية رغم سنوات مقاطعتها.

وبالفعل تشكل توجها سياسيا جديدا للحركة ضم أيضا العناصر التى قضت فترة العقوبة داخل السجون الإسرائيلية، وقرروا العمل فى إطار القانون الذى ينظمه مشرعى الاحتلال، وبجانب ذلك العمل على نشر الدعوة والحفاظ على الهوية الفلسطينية عبر تأسيس عشرات الجمعيات والروابط الإسلامية تقدم المساعدات المالية للمواطنين.

وإقامة الحضانات للأطفال والعيادات والمكتبات والمساجد، ومخيمات صيفية ودورى لكرة القدم، وظهر أن «الحركة الإسلامية» الجديدة أصبحت مستعدة للحلول محل الإدارة المحلية والبلديات الإسرائيلية على أكثر من صعيد.

وجاءت تسعينيات القرن الماضى، لتشهد تصاعد دور الحركة الإسلامية وذاع صيتها وتمكنت من خوض الانتخابات البلدية وحققت مكاسب مقبولة، ثم قررت الحركة خوض انتخابات الكنيست، لكن الأمر أحدث فرقة فى الرأى بين أبناء الحركة، والتى انقسمت إلى توجهين، توجه معتدل يقوده الشيخ درويش ودعمه الشيخ عاطف خطيب، وهو تيار مؤيد لخوض الانتخابات.

والتوجه الآخر قاده الشيخ رائد صلاح الذى كان يشغل منصب رئيس بلدية أم الفحم، وهو يرفض المشاركة فى انتخابات الكنيست مدعوما من الشيخ كمال الخطيب، ما أدى إلى إثارة الشكوك حوله وملاحقة شرطة الاحتلال لأفراده واعتقال الشيخ رائد صلاح، بسبب تقاربه آنذاك مع حماس بشدة.

من جانبه، قال سامح عيد، الباحث فى الحركات الإسلامية، إن «منصور عباس أصبح رقم واحد فى الحركة الإسلامية، وأصبح لحزبه دور بعد عدم تحقيق أغلبية والاتجاه لتشكيل ائتلاف يضم الأصوات العربية، ومنصور عباس معروف بموقفه من المقاومة التى يتهم أفرادها بالمتطرفين وحماس تهاجمه فى المقابل». 

استغلال الدين
وأضاف الباحث فى الحركات الإسلامية، أن «جماعة الإخوان معروفة بتوظيف الدين سياسيا فى مختلف الدول لخدمة أغراضها، وكما رأينا فإن المغرب قامت بالتطبيع تحت رئاسة حكومة إخوانية، وقالوا إن الظروف تتغير، مما يوضح مدى تلاعبهم بالأفكار الدينية لخدمة أهدافهم السياسية».

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية