رئيس التحرير
عصام كامل

حكايتي مع كورونا!

لم أكن أنتوي مشاركة إصابتي بفيروس كورونا نهائيا، فلست من هواة مشاركة مثل هذه الأخبار علي صفحات التواصل الاجتماعي، خاصة وأنا مقيم في الولايات المتحدة بعيدا عن الوطن والأهل والأحباب، لكن ما أراه اليوم من تفشي الفيروس بشكل كبير وتخطى أثاره المرضية حدود الأعراض المتوقعة إلى حدود الموت، فإن الأمر قد بات جد خطير، يستدعي مشاركة كل خبرة بأمانة وإسهاب!!


وحكايتي مع هذا الفيروس الخبيث بدأت ونحن على أعتاب عام ٢٠٢١ و بالتحديد يوم ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٠، حيث شعرت بآلام شديدة في العضلات و وهن شديد في كل أجزاء جسمي، ثم كحة و عطس و فقد للطاقة والقدرة والحيوية، و على الرغم من ذلك لم أشك لحظة أن كورونا قد اختار جهازي التنفسي المصاب بربو مزمن ليبث أثاره الخبيثة فيه، فلم أكن من الملتزمين بشكل جاد بالإجراءات الاحترازية!

تأكدت الإصابة
لم أبالي بهذه الأعراض التي دائما ما تصيبني بين الحين والأخر، وخرجت مع إبنتي لشراء طلبات للمنزل في اليوم الثاني، ورغم زيادة شعوري بالتعب و زيادة معدل الكحة، إلا انني كنت مطمئن لعدم إصابتي بكورونا، خاصة أنني لم أعاني من إرتفاع درجة الحرارة، علي العلم أني طبيب، وأعلم تماما أن أعراض أي مرض ليست بالضرورة أن تأتي مكتملة للجزم بالإصابة به!

يوم ٢٥ ديسمبر كان ابني في طريقه للمنزل بعد غياب أسبوع عائدا من كامب مع أصدقائه، و إتصلت عليه لشراء ترمومتر طبي لقياس الحرارة، و قدرا جاءت نوبة كحة شديدة أثناء المكالمة، الأمر الذي أثار قلقه، وطلب مني الذهاب إلي المستشفي، وأنه لن يعود إلي المنزل خوفا من إصابته، إذ من المرجح أن أكون قد أصيبت بكورونا، ولكني رفضت ذلك الأمر وطلبت منه العودة إلي المنزل ووعدته بالذهاب إلي المستشفي في الصباح!

يوم ٢٦ ديسمبر ذهبت إلي المستشفي بصحبة زوجتي و أجريت اختبار كوفيد غير السريع  qPCR، و كانت المفاجاءة غير المتوقعة و التي هزت قلبي في اليوم التالي، بعد قراءة بريد الكتروني من المستشفي يفيد بإيجابية الاختبار وتأكيد إصابتي بكورونا، وضرورة العزل المنزلي لمدة ١٤ يوم، و في حالة وجود أي من أعراض تم ذكرها لابد من الاتصال بالرقم الموحد للنجدة الأمريكية (٩١١)، وهنا زادت دقات قلبي واضطربت كل مشاعري، فأنا مريض ربو و أعاني من ضعف المناعة، ومع بداية تمكن الفيروس من أجهزة جسمي، شعرت أنها النهاية وقد اقتربت!

إصابة الأسرة
و لم يكن قلق اقتراب النهاية هو من كسر عظامي، فلكل أجل كتاب، ولكن قلقي علي زوجتي المريضة أصلا، و التي لم تفارقني لحظة، وابنتي التي كانت مختلطة بي حتي أخر لحظة، وإبني الذي رفضت طلبه بعدم العودة إلي المنزل خشية انتقال العدوي إليه، كل ذلك زادني وهن علي وهن، ومرض علي مرض!

وعلي الرغم أنني دخلت في العزل مباشرةً، وتم عزل كل أفراد الأسرة كلا في غرفة بمفرده، إلا أن الأعراض قد بدأت في الظهور علي إبنتي، ثم زوجتي، وتأكدت إصابتهم بكورونا، وبعد نحو إسبوع، تأكدت إصابة إبني بكورونا هو الأخر، لتصبح الأسرة بالكامل مصابة بكورونا، مع تدهور حالتي وحالة زوجتي وتطور شدة الأعراض ونقص الأكسجين وألام بالصدر تحتم دخولنا المستشفي فورًا، ولكن مع انهيار الحالة النفسية، بعد مطالعة القنوات التلفزيونية في كل الولايات، وزيادة معدل الوفيات في مستشفيات العزل والعناية المركزة بشكل مُرعب.

وهنا قررت تحويل منزلي إلى مستشفي عزل خاص وعدم الذهاب إلي مستشفي، وبالفعل إشتريت كل المستلزمات الطبية اللازمة عن طريق امازون بريم، و بدأت رحلة عزل طبي رفيع المستوى داخل منزلي بفضل الله!

تجاوز المحنة

زوجتي كانت البطلة الحقيقة في هذه المأساة الإنسانية، فعلي الرغم من مرضها  كانت هي من تقوم بخدمتنا جميعا، أسمع صوت صدرها وهي تنهج و تكح بألم شديد، نتيجة صعودها و نزولها السلم الداخلي للمنزل، حيث يوجد المطبخ و غرفة إبني بالطابق الأول، و نحن جميعا نسكن الطابق الثاني، ولكنها كانت صبورة محتسبة تتجه بالدعاء إلي الله بالساعات قبل الفجر وحتي الشروق.

و رغم زوال الأعراض عن إبنتي وإبني، إلا أن المرض قد تملك مني أنا وزوجتي بشكل كبير، وإرتبطت أعراضه كاملة بنا لفترة طويلة، من عدم القدرة علي التنفس وألام الصدر وإرتفاع الحرارة وفقد الشم والتذوق وتكسير في كل الجسم وتيبس العضلات نتيجة العزل في الغرفة لقرابة الشهر، لدرجة أننا فعلا رأينا الموت حرفيا، وكلما قرأنا الشهادة ودعونا الله أن يتقبلنا في رحمته، كلما تملكت منا مشاعر القلق علي ابنائنا بعد وفاتنا في بلد غريب!

وبعيدا عن أحداث كثيرة بها ألام وتفاصيل لم ولن تتسع لها مقالات عديدة، كتب الله لنا السلامة من هذا الفيروس الخبيث، وأراها معجزة بمعني الكلمة، وفضل من الله كبير، أدعو الله أن نكون أهلا له!

الدرس المستفاد
واليوم و بعد مرور ثلاثة شهور من تمام الشفاء وعلي الرغم أنني كنت من أوائل الحاصلين علي لقاح فايزر فور توفره لمن يعملون في الخدمات الصحية والطبية، إلا أنني مازلت أشعر بكثير من الأعراض غير الطبيعية والمستمرة معي إلي الآن، فلم تعود حاستي الشم والتذوق كحالهم قبل كورونا، والحقيقة حاستي الشم والتذوق، نعمة كبيرة تائهة في خضم النعم التي أنعم الله بها علينا والتي لا تقدر بثمن، لم أستطيع وصف قيمتهم الثمينة، وحجم الألم النفسي الناتج عن فقدهم أبدا، حيث فقدهم مأساة حقيقية، يصعب علي من لم يمر بها أن يستوعب أثارها!

ليس هذا وفقط، بل أصبح خفقان القلب وعدم انتظام ضرباته عرض متكرر بشكل منتظم يوميا، وهذا أمر هام من الناحية الطبية ويعد عامل خطر كبير ويجب التعامل معه بجدية شديدة!

الشاهد من حكايتي مع كورونا، أنني علي الرغم من كوني طبيب، ولكني لم أتعامل بالجدية المطلوبة لتفادي الإصابة من هذا الفيروس اللعين، فأثبت لي هذا الفيروس أنه ليس فنكوش، أو تهويل إعلامي لتحقيق مصلحة أو وقوع ضرر، أو مبارزة سياسية بيولوجية، أو شيء عابر يمكن التغلب عليه بالشلولو والبصل المصري والكرومنيوم الهندي، إنما هو واقع باثولوجي خطير يجب إحترامه، فليست القضية فقط في الإصابة والتعافي، ولكن القضية تكمن في كم من شخص عزيز وغالي، أو حتي شخص لا تعرفه، أصبحت أنت، نعم أنت سببا في إصابته أوموته في بعض الأحيان!
عزيزي القاريء، إن لم تنتبه فأنت مجرم قاتل!
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية