رئيس التحرير
عصام كامل

الاقتصاد غير الرسمي.. كلاكيت 100 مرة

عندما ندقق في مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2022/2021 نجد العجز الصارخ بين الإيرادات والمصروفات، فنجد إجمال المصروفات تبلغ نحو 1.8 تريليون جنيه مقابل إيرادات بنحو 1.3 تريليون جنيه. ووفقًا لمشروع الموازنة فإن العجز النقدي يبلغ نحو 472.5 مليار جنيه ترتفع إلى 475.5 مليار جنيه حال إضافة صافي حيازة الأصول المالية المقدر بنحو 2.9 مليار جنيه. ويشكل العجز الكلي نحو 6.7% من الناتج المحلي المتوقع للعام المالي الجديد. ومن المعروف أن إيرادات الدولة تأتى في غالبيتها من الضرائب التي تشكل 75% منها، والباقى إيرادات قناة السويس وأرباح شركات القطاع العام وبعض الموارد الأخرى.


 وبغض النظر عن أنه ليس من المعقول أن ترتكن ميزانية الدولة على الضرائب في الأساس؛ لتكون هذه الضرائب هي المورد الرئيسي للموازنة والإرادات؛ لأن الضرائب أسهل حل للحكومة لزيادة الإيرادات، فما أن يحدث عجز أو تحتاج الحكومة إلى أموال حتى تسارع في رفع شرائح الضرائب، أو فرض ضرائب جديدة دون أن تتجه إلى تعظيم موارد الدولة من خلال المشروعات التنموية والاستثمارية التي تعود على المواطن بالخير والنماء، بدلا من الضرائب التي تزيد من سوء حالة المواطن اقتصاديا..

زيادة موارد الدولة
فبغض النظر عن كل ذلك، نجد أن هناك حل لتخفيض العجز المالي في الموازنة، وقد سبق كثيرا مناقشته ولم تفلح الدولة في تنفيذه، وهو الإقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي المتمثل في كل مشروع صغير ومتناهي الصغر لا يدخل تحت إشراف الدولة، مثل الباعة الجائلين والأسواق المختلفة والمقاهي الصغيرة ومصانع بئر السلم والكيانات البسيطة حيث توجد أكثر من 3.6 مليون منشأة غير رسمية، و3.3 مليون منشأة متناهية الصغر، و200 الف منشأة صغيرة، و200 الف منشأة متوسطة، ويقدر عدد المشتغلين فى المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة 10 ملايين عامل، ويبلغ اجمالى أجورهم 120 مليار جنيه سنويا، فى حين يبلغ حجم المنتجات التى تخرج من هذه المنشآت غير الرسمية 1.2 تريليون جنيه، والقيمة المضافة المقدمة من هذا القطاع 800 مليار جنيه تقريبا.

وتشير أحدث إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء إلى أن الإقتصاد غير الرسمى فى مصر يقدر بحوالى 50% من حجم الإقتصاد الكلى، ويصل حجمه إلى 3 تريليون جنيه. ويرى البعض في ذلك الإقتصاد طوق نجاة ضروري لزيادة موارد الدولة، وتقدّر دراسة اتحاد الصناعات، الإقتصاد غير الرسمى فى مجال الصناعة بنحو 100 ألف مصنع غير قانونى، تمارس نشاطها فى أماكن غير مرخص بها، أو تعمل فى إطار بعيد عن إجراءات الأمن الصناعى أو شروط السلامة والصحة.

غلق المنشآت المخالفة
وقد حاولت الدولة في عام 2013 دمج ذلك الاقتصاد بأن قامت الحكومة بالإعلان عن البرنامج القومى لضم القطاع غير الرسمى، وهو البرنامج الذى تضمّن إجراءات، من بينها تيسير إجراءات تأسيس الشركات، وسرعة إصدار تراخيص مزاولة الأعمال، والأهم من ذلك إقرار عدد من الإعفاءات والتيسيرات الضريبية والإجرائية لأصحاب الأعمال فى القطاع غير الرسمى.

وكل تلك الإجراءات لم تؤتي ثمارها، وظل الإقتصاد غير الرسمي بعيدا عن المتناول الرسمي إلى الآن؛ مما يعني أن دمج ذلك الإقتصاد في حاجة الى تشريعات وحوافز وإعفاءات لإغراء العاملين بهذا القطاع للانضمام والعمل تحت المظلة الرسمية، ولا يجب على الدولة الانتظار إلى أن يسعى العاملون بالإقتصاد غير الرسمي اليها للانضمام ولكن يجب ان تسعى هى إليهم، ففلسفة تطبيق القانون هى المعيار.

ولكن ما يتم الآن على أرض الواقع أنه يتم الإغلاق للمنشآت المخالفة لأنه ليس لديهما تراخيص وهذا ينطبق على المقاهى والكافيهات والورش والكافتيريات والبقالة والمحلات التجارية ومصانع بير السلم، وبعدها بأيام يتم دفع غرامة أو رشوة وتعود الأمور كما كانت.

تدريب ودراسات جدوى   والحل العملى هو قرار الضم للإقتصاد الرسمى مباشرة من الدولة وليس من ناحية الأفراد مجانا وللمرة الأولى بشكل مؤقت لحين توفيق الأوضاع، أما عن العوائد الاقتصادية من هذا القرار فهى زيادة حجم الناتج المحلى الى 9 تريليون جنيه، ونتيجة هذا الضم تخفيض عجز الموازنة لأنه مرتبط بالناتج المحلى والإقتصاد الرسمى للدولة إضافة الى تخفيض معدلات التضخم والبطالة الذى سينعكس على تعديل جميع المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بإقتصاد الدولة، وتغيير نظرة المؤسسات الدولية لها..

وعلى مستوى الأفراد سيتاح له الحصول على فرص التعامل مع البنوك بشكل رسمى، وستستطيع البنوك التوسع فى منح القروض والتمويل للأنشطة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بطريقة آمنة، ومن خلال التوسع فى منافذ جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى كل مدن ومراكز وقرى مصر، وبالتالى تغيير تلك المفاهيم لدى الشباب وتوفير فرص مجانية للتدريب وتوفير دراسات الجدوى ودراسات السوق والتسويق.

فمثلا بقرار واحد يمكن أن تنتهى ظاهرة فوضى انتشار التكاتك في مصر ودمجها تحت مظلة الاقتصاد الرسمي إذا ما قررت منح ترخيص مجاني لمالك التوكتوك بإدارات المرور للمرة الأولى، ويكون لدينا حصر كامل، وبعدها نعرف مع من نتعامل وكيف نقننه ونواجه أى مخالفات قانونية لظاهرة منتشرة في كل مدن مصر وقراها منذ أكثر من 15 عاما.
الجريدة الرسمية