رئيس التحرير
عصام كامل

نكات من زمن فات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية



يعتقد البعض أن النكتة حديثة الصنعة، ولكن المتمعن في تراثنا العربي القديم، يجد نماذج من الطرائف والهزليات، وقد فطن كبار علماء العربية قديما إلى ما للفكاهة ورواية الأخبار والطرائف التي تقترب من مستوى النكتة العصرية من أهمية وأنها أكثر أنواع الكلام الذي يرغب الإنسان في سماعه وقراءته.

وكان الجاحظ يقول في مقدمة كتابه "البخلاء": جمعت نوادر البخلاء واحتجاج الأشحاء وما يجوز من ذلك في باب الهزل وما يجوز منه في باب الجد لأجعل الهزل مستراحا والراحة جماما فإن للجد كدا يمنع من معاودته".

وصنف علماء العربية العديد من الكتب في الطرائف التي تصل إلى حد النكات، ومن ذلك مثلا كتاب: تصنيف حيل لصوص النهار، وتفصيل حيل سراق الليل، والمستطرف من كل فن مستظرف، والبخلاء للجاحظ، وغير ذلك كثير.

ومن الفكاهات التي رواها الجاحظ قوله إن" رجلا بلغ في البخل غايته، وأنه كان إذا صار في يده درهم خاطبه وناجاه، وكان يقول له: كم من أرض قطعت وكم من كيس قد فارقت، وكم من خامل قد رفعت، لك عندي ألا تضحى ولا تعرى، ثم يلقيه في كيسه ويقول له اسكن على اسم الله في مكان لا يزعجك أحد فيه".

وقيل إن هذا الكيس لم يدخل فيه درهم وأخرجه ذلك البخيل قط، فكان أهل هذا الرجل منه في بلاء شديد، وكانوا يتمنون موته والحياة بدونه، فلما مات اعتقدوا أنهم ارتاحوا منه، فقدم ابنه من سفر واستولى على مال أبيه وداره، ثم قال: ماذا كان يأكل أبي؟ فإن أكثر التدبير إنما يكون في الطعام، فقالوا: كان يأكل بقطعة جبن عنده، فقال: أريد رؤيتها، فجاءوا بها، فإذا بها خدش نتيجة مسح اللقمة عليها، فقال الولد لأهله: ماهذا الخدش، فقالوا: كان أبوك لا يقتطع من الجبن وإنما كان يمسح على ظهره باللقمة، ثم قالوا: كيف تريد أن تصنع، فقال الابن: أضع قطعة الجبن عن بعد وأشير إليها بلقمة الخبز، حتى لا أكون مبذرا كوالدي!!

ومن الشخصيات التي اشتهرت في العصور الوسطى بالفكاهة وإطلاق النكات الشاعر العباسي "أبو نواس" الذي كان في زمن الخليفة هارون الرشيد، ويروى أن أبا نواس أراد يوما أن يتوسط لبخيل في شراء دار، فذهب معه ليتفقدا الدار التي وقع عليها الاختيار، فأعجب الرجل بالدار، وحديقتها وبجو المنطقة التي بنيت فيها، ووقف الاثنان خارج الدار برهة فمر سائل وطلب المعونة من البخيل، فرد عليه: الله يعطيك، وبعده مر سائل آخر فجاوب عليه البخيل بنفس الإجابة، فقال الرجل لأبي نواس: يا أبا نواس هذه دار جميلة وموقعها أجمل ولكن يعيبها شىء واحد، وهو كثرة الشحاذين بالمنطقة، فرد عليه أبو نواس بقوله، وما يضرك أنت منهم طالما أنك تحفظ عبارة: الله يعطيك، فخجل الرجل وانصرف ولم يشتر الدار.

ومن ذلك أيضا ما يروى عن الخليفة هارون الرشيد من أنه جمع مجموعة من خاصته، وطلب لكل واحد منهم بيضة، وقال لهم عندما يدخل أبو النواس يقول أحدكم كلمة أغضب منها غضبا شديدا، وأقسم على الجميع أن من لا يبيض بيضة سأقطع رأسه، ففعل الجميع ما أراد الخليفة.

ودخل أبو نواس على الخليفة، وبعد التحية، قال أحد الحضور كلمة أغضبت الرشيد، فقال الخليفة: عقابا لكم سأقطع رأس كل من لا يستطيع بيض بيضة، ففعل الجميع كما تفعل الفراخ وقت المبيض، وأخرج كل منهم بيضة، ونظر الخليفة لأبي نواس، فإذا به يقف وسط الجميع ويفعل كما يفعل الديك، فقال له الخليفة ماذا تفعل يا أبا نواس، فقال له: يا مولاي طلبت البيض وهؤلاء فراخك، وأنا ديكهم ولا تبيض الفراخ دون ديك، فضحك الجميع وأمر الخليفة بعطية لأبي نواس.

>> المصادر: 
كتاب البخلاء 
ديوان أبى نواس مجموع وغير محقق 
مجلة العربي، العدد 663 ربيع الآخر 1435 – فبراير 2014
الجريدة الرسمية