رئيس التحرير
عصام كامل

انتهى الدرس يا غبي!!

18 حجم الخط

والغبي هو كل طاغية فاسد ومستبد عفن طال جلوسه على كرسي السلطة، حتى أنتنت رائحته وأزكمت كل الأنوف، وهو مشغول عن كل هذا بما يعتقد ويظن من أن هذا الكرسي صنع له وحده، وعلى مقياس مؤخرته، ولا يخطر على باله لحظة أنه قد يغادر السلطة يوما ما، ولا يريد أن يفعل ذلك. بل هو يبحث في ذريته وبين أولاده عن طاغية صغير، أو مستبد مبتدئ يصلح لوراثة الكرسي، حتى لا تغادر السلطة عائلته، ولا تخرج عن دائرة معارفه وأصدقائه وأقاربه، وشلة المنافقين التي تحيط به، وتتجمع مع من حوله.


ومثال لهذا الغباء ما يتردد على مسامعنا من قصة فرعون وموسى؛ التي تكررت في عدة مواضع من القرآن العظيم، عندما جاء موسى إلى فرعون بآياته التي تمثلت في عصاه التي انقلبت إلى حية تسعى، ويده التي ما إن يضمها إلى جناحه حتى تصير بيضاء من غير سوء وكان أسمر اللون، وكان أول من آمن به السحرة الذين علموا أن ما جاء به موسى ليس سحرا، فهم أدرى الناس بالسحر. فما كان من فرعون الغبي إلا أن بادر واتهم موسى بأنه كبير السحرة الذي علمهم السحر، ولم يكن موسى قد رآهم من قبل، وكان من غبائه أنه سبق وأن أعرض عن قوة بيان موسى في عرض حجته، وقال لولا ألقى عليه اسورة من ذهب. ومن شدة غبائه أنه لم يؤمن إلا بعد أن شارف على الغرق، وقبل أن يغرق.

مثال ثان للغباء ما فعله النمرود مع إبراهيم عليه السلام؛ عندما سأله عن ربه الذي يدعو للإيمان به فقال ربي يحيي ويميت، فأتى النمرود برجلين فقتل أحدهما وعفا عن الآخر ليبقى حيا، وقال أنا أحيي وأميت. فقال إبراهيم فإن ربى يأتي بالشمس من المشرق فأتى بها من المغرب، فبهت الغبي الذي كفر. هذا عن أمثلة الأغبياء في العصور القديمة.

ولكن أمثلة الأغبياء في العصور الحديثة لا تعد ولا تحصى؛ وخذ عندك الغبي نابليون الذي فشل في كل مشروعات الحروب التي خاض فيها وكانت النتيجة في المحصلة دائما صفرا، والغبي أتاتورك الذي أضاع ميراث الخلافة العثمانية، والغبي العربي الشريف حسين الذي وقع في حبائل بريطانيا التي خدعته بعد أن حرضته على الثورة على الدولة التركية، والغبي هتلر الذي تسبب في تقسيم ألمانيا واحتلالها بعد أن حصدت الحروب التي أشعلها الملايين من القتلى، وصديقه الغبي موسوليني. أحدث الأغبياء في عصرنا الغبي شاوشيسكو رئيس رومانيا الأسبق الذي قتل على أيدي شعبه بعد الثورة التي قامت عليه وزوجته، وكذلك زملاؤه من الأغبياء الذين كانوا يحكمون دول أوربا الشرقية.

وقياسا عليهم الغبي العربي معمر القذافي رئيس ليبيا الأسبق، وكان زين العابدين رئيس تونس الأسبق أقل غباء منه عندما سارع بالهروب في بدايات الثورة التونسية، أما الرئيس المصري المخلوع مبارك فقد كان الأشد غباء من الإثنين، ولولا مسارعة الجيش إلى خلعه لأغرق البلاد في حمامات دم لا أول لها ولا آخر. أما الرئيس مرسي فهو الغبي المسكين الذي لم يتمكن من الحفاظ على السلطة إلا لعام واحد فقط لا غير، فما لبثت أن لاحقته نار الثورة سواء كان ذلك عن تدبير المدبرين وتحريض المحرضين أم لا.

ما زال الأغبياء يعيشون بيننا على طول العالم العربي وعرضه في دول الربيع العربي، وفي غيرها من الدول. يكررون نفس الأخطاء، ويعيدون تكرار نفس الخطايا، لا يتعلمون من روايات التاريخ، ولا من أحداث العصر، فكل منهم يظن أنه مثال وحده، لا شبيه له، ولا مثيل، وأن ما جرى مع غيره من الأغبياء من أحداث لن يتكرر معه، لأنه الأكثر ذكاء ممن سبقوه، والأشد بصيرة منهم، وقد احتاط لكل شيء وحسب لكل أمر حسابه، وأن التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه.

ونسى هؤلاء الأغبياء أن التاريخ ليس إلا قصص متكررة، وأن ما حدث في أقصى الشرق يمكن أن يتكرر حدوثه في أقصى الغرب، وليس كما قال الأغبياء في مصر بعد ثورة تونس للمخلوع حينذاك: إن مصر تختلف عن تونس، وهو نفس ما قيل في ليبيا، وكذلك في اليمن، وهذا هو ما يقال أيضا في كل الدول العربية والأجنبية التي تعيش تحت لواء النظم الدكتاتورية وسيطرة الاستبداد والطغيان.

وعلى من لا يصدقني أن يقرأ كتاب طبائع الاستبداد للسيد المجاهد عبد الرحمن الكواكبي، الذي مات مقتولا على أيدي صنائع المستبدين وعملاء الطغيان، حتى يعرف كم الغباء الذي يتمتع به المستبدون والطغاة. اللهم زدهم من ذاك الداء، ولا تحرمهم من دوام الغباء، آمين يا رب العالمين.
الجريدة الرسمية