رئيس التحرير
عصام كامل

المنافقون في مأزق... متحيرون ولكن لا يتغيرون

18 حجم الخط

كان المنافقون في راحة يحسدون عليها ولزمن طويل، بداية من يوليو 1952، وحتى نهاية حكم مبارك في فبراير من عام 2011، فقد تنقلوا بسهولة شديدة من تنظيم لآخر خلال عهود العسكر من عهد عبد الناصر مرورا بعهد السادات وصولا إلى عهد المخلوع مبارك، دون التوقف عندهم أو تركيز الأضواء عليهم كثيرا، باعتبار أن العهود الثلاثة ترتبط ببعضها برباط وثيق حتى وإن اختلفت التوجهات السياسية عموما.


كانت الوجوه التي تصدرت المشهد السياسي إبان حكم عبد الناصر هي نفسها التي تتصدر المشهد السياسي أيضا إبان عهد السادات، مع بعض الاستثناءات من الرموز التي كانت تنظر إلى السادات باحتقار ولا تراه جديرا بالميراث الناصري، والتي سقطت فيما بعد أثناء ما سمى كذبا ثورة مايو، كما كانت الوجوه التي تصدرت المشهد السياسي إبان عهد السادات هي نفسها التي تصدرت المشهد السياسي إبان عهد مبارك ودون استثناءات تقريبا.

وإن نسينا لا يمكن لنا أن ننسى قيادات التنظيم الطليعي الذين تربوا في عهد عبد الناصر، وكانوا من نخبة قيادات الاتحاد الاشتراكي، والذين أصبحوا فيما بعد نجوم المشهد السياسي في العهدين التاليين للعهد الناصري، أما الفضيحة الكبرى فقد جاءت في زمن السادات؛ حين قام الرئيس السادات بإنشاء الحزب الوطني وأهمل حزب مصر، والذي سبق وتم إنشاؤه على رفات منبر الوسط ممثلا للطبقة التي تحكم مصر.

وكان من جملة المنابر الثلاثة التي قام بإنشائها السادات على أنقاض الاتحاد الاشتراكي، وفي لحظة فارقة كانت الاستقالة الجماعية لأعضاء حزب مصر جميعا مع قليل من الاستثناءات، وانتقالهم بالتالي إلى صفوف الحزب الوطني "حزب الرئيس"، وكان أمرا مثيرا للسخرية والضحك أن يتخلى أعضاء حزب مصر في ثانية واحدة، أي كل واحد منهم، عن انتمائهم السياسي وينتقلون جميعا إلى حزب الرئيس.

والحقيقة أنه ليس لهم أي انتماءات سياسية حقيقية غير الانتماء إلى السلطة، والتي من وراءها جلب المنفعة والوصول إلى المناصب الكبيرة، وهذا ليس دليلا على إخلاص الحب للرئيس، ولكنه الإخلاص للذات والأنا الشيطانية. وقد قام النظام السابق للمخلوع بدهاء شديد وبمكر بالغ بتجربة هؤلاء المنافقين في مواقف كثيرة، لاختبار ولائهم للنظام، وقد نجحوا جميعا في كل الاختبارات، وكان نجاحهم باهرا وشديد الفجور في إبداء الإخلاص للنظام، وهم في الحقيقة يكنون له الاحتقار والازدراء والكراهية.

وقد انقسموا حينها إلى قسمين: القسم الأول ويشمل المنافقين القدامى فيما يسمى بالحرس القديم، وكلهم من أعضاء الحزب الوطني من بقايا الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي، وكان منهم رئيس الوزراء والوزراء والسفراء والقيادات الكبرى في كل المجالات بما فيها وزارة الإعلام والصحافة الحكومية وأعضاء مجلسي الشعب والشورى وغير ذلك كثير من الأتباع وأتباع الأتباع وأتباعهم.

أما القسم الثاني فهو يشمل المنافقين الجدد وهم أغلب أعضاء لجنة السياسات من أتباع جمال مبارك فيما يسمى الحرس الجديد وأتباعهم، والذين أخذوا في الحلول محل الحرس القديم في أغلب المناصب تدريجيا، وكان من المفترض استبدالهم بالقدامى كليا، ذلك لو شاء الله وطال العمر بالمخلوع على كرسي الحكم، ولو لم تشتعل نار ونور ثورة يناير العظيمة.

كانت أكبر التجارب والمحن التي تعرض لها المنافقون حينذاك تجربة الثمانية عشر يوما من بداية ثورة يناير وحتى سقوط مبارك، كما كانت أيضا أكبر الفضائح التي أصابتهم وفي القلب خاصة نجوم الإعلام منهم. وبعد ثورة يناير العظيمة جاء المأزق الكبير للمنافقين، أو من بقى منهم وهم كثر بعد سقوط القيادات الكبرى، ولأنه إذا لم تستح فافعل ما شئت، ولأنهم في جبلتهم التي خلقوا عليها لا يستحون ولا يقدرون على أن يصطنعوا الحياء، أصبحوا فجأة من أكبر مناصري ثورة يناير.

ليس هذا فقط بل من أكبر الداعين إليها، ولكنهم كانوا يكيدون لها سرا وبعيدا عن الأنظار. أما المأزق الكبير الثاني لهم، فقد جاء مع تولى المجلس العسكري للحكم في مصر، وبطبيعتهم الباردة وجبلتهم الثقيلة فقد كانوا من أكبر المناصرين له، خصوصا في محاولته الفاشلة للالتفاف على الثورة والانقلاب عليها.

وجاء المأزق الكبير الثالث لهم، بعد الموجة الثانية للثورة التي عجلت بانتخابات الرئاسة المصرية، ومع نجاح محمد مرسي العياط مرشح الإخوان الفائز في سباق الرئاسة الأول، حيث أصبح المنافقون فجأة من أنصار الديمقراطية التي جاءت بالإخوان، وعاد الحديث المعتدل عن الإخوان والفرصة المتاحة لهم بعد سنوات العذاب الطويلة في سجون مبارك، ولكنهم كانوا يحرضون على الرئيس مرسي سرا وعلانية وعند أقل غلطة، وكم كانت غلطات الإخوان كثيرة وكذلك سهواتهم وسقطاتهم.

المأزق الأخير للمنافقين جاء بعد الموجة الثالثة للثورة في يونيو، حيث ألقوا حبال نفاقهم على وزير الدفاع السيسي يزينون له الباطل ويدفعونه دفعا إلى كرسي الرئاسة على اعتبار أنه منهم، ويقدسون قادة العسكر على اعتبار أنهم الممثل الرسمي للجيش المصري، ولكنهم في الحقيقة يكنون لهم جميعا البغضاء والكراهية، والتي بدت على سيماهم وعلانية بعد تصريح السيسي عن عدم السماح بعودة الفلول إلى الحياة السياسية، وعلى رأى المثل: يكاد المريب أن يقول خذوني. فهل يستطيع النظام الجديد أن ينجو منهم، وينحاز للشعب الذي سبق وأن انحاز إليه في يونيو، وهل حان لنا أن نقول وبالقلب المليان: انتهى الدرس يا غبي؟ لا أظن ذلك.. والله أعلم...
الجريدة الرسمية