رئيس التحرير
عصام كامل

حلم ليلة ٢٥ يناير

18 حجم الخط

وكأن ليلة يوم الخامس والعشرون من يناير من كل عام أصبحت هى الموعد المخصص لحدوث المعجزة.
معجزة تجلى مصر المحروسة فى سماء الوطن ففى تلك الليلة من كل عام ومع تباشير الصباح تتمثل للناظرين فى هيئة امرأة جميلة بريئة الملامح مغطاة الشعر يحيطها هالة نورانية كثيفة ويحيط بها النجوم من كل جانب وصوب تلك الليلة التى أصبح ينتظرها الملايين من المصريين وغير المصريين أيضاً فى جميع أنحاء العالم ليروا المعجزة ظهور وطن لأبنائه معجزة لا تحدث إلا فى مصر ولا يراها رؤى العين إلا فى كل مصرى صميم ففى تلك الليلة ومع تلك اللحظة التى يرحل فيها اليوم السابق لحظة منتصف الليل تتجه أعين جميع المصريين صوب السماء بحثاً عن المحروسة.

تبحث الأعين وتبتهل الأيدى وتنطلق الألسنة بالدعاء إلى الله بأن تظهر المحروسة كعادتها يدعون وعيونهم تذرف دمعاً ودماً لما أصابهم من عناء عام منقضى يدعون وقلوبهم تخفق من رهبة الحدث المنتظر ويمر الوقت بطيئاً بطيئاً على الناظرين ومع اقتراب الفجر وقبل آن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود يظهر وميض من الضوء معلناً عن اقتراب حدوث المعجزة، وشيئاً فشيئاً تبدأ المحروسة فى التجلى والظهور تظهر مبتسمة برغم ما أصابها من حزن ووقورة برغم أحزانها على ما أصاب أبنائها رافعة الرأس برغم من انكسارها لامعة العيينين برغم بحور الدمع والدم التى تسبح فيهما حزناً على ما آلت إليه قوية برغم الضعف الذى أصابها ثم تحرك شفتيها وتبدأ الحديث ويصمت الجميع ليستمع إلى الخطاب الذى انتظروه طويلاً انتظروه عاماً كاملاً من يناير السابق إنه الخطاب الثالث للمحروسه منذ أن حدثت المعجزة لأول مرة فى ٢٥ يناير ٢٠١١ حينما تجلت وخطبت خطبتها الخالدة والتى يحفظها عن ظهر قلب كل مصرى صميم والتى دعت فيها أبناءها للثورة على الرئيس السابق حسنى مبارك ونظامه وأن يكون شعارهم عيش -حرية- عدالة اجتماعية ثم كان ظهورها الثانى فى الـ ٢٥يناير ٢٠١٢ والتى طلبت فيه من أبنائها المطالبة برحيل المجلس العسكرى والدعوة لانتخابات الرئاسة وهاهم الجموع فى انتظار الظهور الثالث وها هو وميض الضوء يزداد وضوحاً وها هى المحروسة تظهر شيئاً فشيئاً فشيئاً وها هى الجموع يصرخون من شدة الفرح وتبداء الهتافات والتهليلات والزعاريت و و و و وأخيراً تظهر المحروسة ظهوراً كاملاً وتصبح واضحة تماماً للناظرين إنها الآن تحيى محبيها تحبيهم وتتساقط دموعها على هيئة مطر وكأنها تطيب بتلك الدموع وطناً وشعباً امتلائا بالألام والأوجاع أنها تستعد للحديث الجميع يصمت فمصر ستتحدث وعندما تتحدث مصر يصمت الجميع وتبدأ الحديث بسم الله، الله الواحد، اله كل البشر، اله آدم، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، السلام عليكم أبنائى أقباطاً، ومسلمين رجالاً، ونساء، أطفالاً وشيوخا، أما بعد فقد انقضى العام الثانى من ثورتنا الخالدة ثورة الخامس والعشرين من يناير تلك الثورة التى وحدت وقت حدوثها ملايين من المصريين فكنتم كالجسد الواحد الذى يحمل بداخله ملايين الأرواح والقلوب وفى العام السابق ومع انقضاء العام الأول للثورة حينما أتيت إليكم كنتم كما عهدتكم فى مطلع الثورة كالجسد الواحد الذى يحمل كما ذكرت بداخله ملايين الأوراح والقلوب لكن مع اختلاف بسيط هو أنكم أصبحتم جسداً له العديد من الألسنة أما فاليوم فإنكم تفرقتم وأصبحتم فى صورة لا أحب أن أركم بها أبداً وأصبح الشئ الوحيد الذى يجمعكم هو أنكم جميعا مصريون ليس أكثر (تصمت المحروسة للحظات وتتساقط من عيناها الدموع كالمطر ثم تتماسك شيئاً فشيئاً وتتحدث بصوت مرتفع) أعرف أنكم تنتظرون منى الكلمة كلمة الفصل ولكنى لن أتكلم هذه المرة فقد تكلمت فى المرتين السابقتين ولم تدركوا من الكلام سوى ظاهرة، ففى المرة الأولى طالبتكم بأن تتحدوا وتتخلصوا من خوفكم وتسقطوا النظام وأن يكون شعاركم الجديد عيش- حرية- عدالة اجتماعية والنتيجة أنكم أسقطتم فقط رموز النظام ولم تسقطوا النظام هل تحقق العيش أو الحرية أو العدالة الاجتماعية؟! وفى ظهورى الثانى لكم منذ عام أعدت على مسامعكم أسقطوا النظام واجعلوا شعاركم واقع فهل أسقطم النظام حقاً إن ما أسقطتموه أيها البلهاء هم رموز النظام وقتها من العسكر هل أصبح شعاركم واقع؟! ماذا تنتظرون منى هذه المرة أتنتظرون أن أقولها ثالثة أسقطوا النظام واجعلوا شعاركم حقيقة ملموسة لا لن أقولها مرة أخرى سأترككم هذه المرة وأنتم أدرى بحالكم لقد أصبحتم فرقاء بعد أن كنتم يداً واحدة وأصبحتم فقراء بعد أن كنتم تعيشون على حافة الستر ومازال يتساقط منكم الشهداء كل يوم وأصبحتم كفاراً فى نظر من آمنتم لهم وأسقطت دولة القانون وأنتم تنظرون أهذا دستور يليق بى وبكم؟! اهذا رئيس مصر بعد الثورة؟! اهذه حكومة قادرة على رفعة شأنكم؟! أهذه مصركم التى تمنيتموها وبذلتم لها الدماء؟! لا يا أحبائى فالكلمة كلمتكم هذه المرة وأما أنا فإما أن أتى لكم العام القادم للاحتفال معكم بنجاح ثورتنا باعتبارها لم تحقق النجاح حتى الآن أو تعلنوا للعالم كله وفاة ثورتكم وتكون هذه هى إطلالتى الأخيرة عليكم أحبائى أترككم الآن وليوفقكم الله ويسدد خطاكم انتهت المحروسة من كلمتها وبدأت فى الاحتفاء رويداً رويداً وفى هذه الأثناء اشتبكت أيادى الجموع وأخذ الجميع يردد الهتاف الشهير الشعب يريد إسقاط النظام

الجريدة الرسمية