اليونسكو.. الأزمات تتوالى على المنظمة الدولية بعد انسحاب الولايات المتحدة من أجل إسرائيل.. والمؤسسة العالمية تواصل مشاريعها العملاقة
أثار إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، حالة من الجدل في العالم، حيث اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار الانسحاب، الذى سيدخل حيز التنفيذ نهاية شهر ديسمبر 2026، خاصة أن قرار ترامب سيؤثر على المجتمعات المحلية الأمريكية، التي تسعى إلى إدراج مواقع في قائمة التراث العالمي، وفي وضع “المدن المبدعة” والكراسي الجامعية.
يؤكد خبراء الأمم المتحدة أن انسحاب أي دولة من اليونسكو، يعني أن تلك الدولة قررت رسميًا إنهاء عضويتها، والتوقف عن الالتزام بأنشطتها وبرامجها وتمويلها، وهذا الإجراء قد يكون له عدة دلالات، منها الدلالات السياسية أو الدبلوماسية، فغالبًا ما يكون الانسحاب رسالة سياسية احتجاجية ضد قرارات أو مواقف تتخذها اليونسكو، مثل ما حدث مع الولايات المتحدة وإسرائيل في سنوات سابقة. ويُستخدم الانسحاب من اليونسكو، أحيانًا، كأداة ضغط أو رفض لسياسات المنظمة أو مواقفها المتعلقة بقضايا دولية. تتوقف الدولة المنسحبة عن دفع مساهماتها المالية في ميزانية اليونسكو، الأمر الذى يؤثر على التمويل العام للمنظمة، إذا كانت الدولة المنسحبة من كبار الممولين، كما حدث عند انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو عام 2018.
إذا كان انسحاب أى دولة من اليونسكو يعفيها من دفع مساهماتها المالية في المنظمة، فهو يفقدها حق التصويت في القرارات المتعلقة بالثقافة والتعليم والعلوم، وتُحرم من دعم البرامج والمشاريع التي تقدمها اليونسكو في مجالات مثل حماية التراث، تطوير التعليم، ودعم البحث العلمي.
ويؤكد المتخصصون في السياسة الدولية أن انسحاب أي دولة من منظمة اليونسكو يمنع هذه الدولة من التقدم للحصول على صفة مواقع التراث العالمي، بينما تظل المواقع المدرجة سابقًا على القائمة محتفظة بوضعها، كما يُعتبر الانسحاب من اليونسكو، إشارة إلى تراجع التعاون الثقافي والعلمي لتلك الدولة على المستوى الدولي.
وتشير دراسة تقييم الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم (National Academies Press 1984) إلى قرار الانسحاب الأمريكي من اليونسكو، حيث يُفهم على أنه نوع من إضعاف دور اليونسكو في دعم الحوار الثقافي العالمي، فانسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل من اليونسكو لا يعني بالضرورة خراب المنظمة أو فقدانها لدورها بالكامل، لكنه يُعتبر ضربة قوية لها، خاصة على المستويين المالي والسياسي.
أما التأثير المالي لانسحاب الولايات المتحدة، فقد فنده مقال بعنوان “الولايات المتحدة تُعلن انسحابها من اليونسكو، مُستشهدة بالتحيز ضد إسرائيل” ونشر في (المجلة الأمريكية للقانون الدولى 2018)، وذكر أن أمريكا كانت أكبر ممول لليونسكو حيث كانت تحول 22% من ميزانيتها لليونسكو قبل انسحابها عام 2018، ما سبب أزمة مالية كبيرة للمنظمة بعد انسحابها. واضطرت منظمة اليونسكو إلى تخفيض بعض برامجها وتقليص أنشطتها، لكن دولًا أخرى زادت مساهماتها جزئيًا لتعويض النقص، ورغم الصعوبات، فاليونسكو لم تتوقف عن العمل.
وأشارت دراسة بعنوان “عواقب انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو (لا تيرسيرا، تشيلي، 2017) إلى التأثير السياسي لانسحاب أي دولة من منظمة اليونسكو، واصفًا انسحاب دول قوية مثل أمريكا وإسرائيل بأنه يقلل من الوزن السياسى للقرارات، التي تصدر عن اليونسكو، خاصة فيما يتعلق بقضايا حساسة مثل قرارات التراث الفلسطيني أو المواقع في القدس، لكنه لا يلغي دور المنظمة، لأن أغلبية دول العالم لا تزال أعضاء فيها (193) دولة.
وأكد الخبراء الأمميون أنه من النادر أن يدفع انسحاب دولة من اليونسكو، الدول الأخرى للانسحاب من المنظمة، فأغلب الدول ترى أن البقاء في اليونسكو يخدم مصالحها الثقافية والعلمية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بحماية التراث، التعليم، وتمويل المشاريع.
لم يكن إعلان انسحاب أمريكا من منظمة “اليونسكو” أمرًا غريبًا، فقد شهدت أمريكا واليونسكو سنوات من التوتر والانسحاب، ففي تقرير ماكبرايد بعنوان “أصوات كثيرة، عالم واحد” قال سيان ماكبرايد، الحائز على جائزة نوبل عن اللجنة الدولية لدراسة مشاكل الاتصال في المجتمعات الحديثة، “تاريخيًا، الولايات المتحدة نفسها انسحبت مرتين (1984 و2018) لكنها عادت بعد سنوات فى 2003 بعد انسحابها الأول، وعادت بعد انسحاب 2018.
وأكد التقرير أن اليونسكو منظمة عريقة أُنشئت عام 1945، ودورها في حماية التراث الإنساني، التعليم، والعلوم يعتبر أساسيًا، وحتى لو انسحبت بعض الدول، ستبقى المنظمة قائمة لأن غالبية دول العالم ترى أهميتها، وأن عودة أمريكا مستقبلًا واردة جدًّا، ما سيعيد قوة المنظمة سياسيًّا وماليًّا.
وكشف تقرير “حملة عالم أفضل.. الحاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة في اليونسكو”عن مساهمات أمريكا وإسرائيل في اليونسكو قبل انسحابهما، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية قبل توقفها عن التمويل عام 2011 ثم الانسحاب رسميًّا عام 2018، كانت أكبر ممول لليونسكو، حيث كانت تساهم بدفع حوالى 22% من الميزانية السنوية للمنظمة.
وجاء في التقرير أنه “على سبيل المثال إذا كانت ميزانية اليونسكو السنوية 600 مليون دولار، فإن حصة أمريكا وحدها كانت تقارب 132 مليون دولار سنويًّا، لكنها توقفت عن الدفع فى 2011، بعد قبول فلسطين كعضو كامل فى المنظمة، وذلك بسبب قانون أمريكي يمنع تمويل منظمات دولية تعترف بفلسطين كدولة عضو”.
وخلال سنوات التوقف عن التمويل في الفترة من 2011 وحتى 2018، تراكمت ديون أمريكا لليونسكو، حتى وصلت إلى أكثر من 600 مليون دولار وقت انسحابها النهائي.
أما إسرائيل، التي انسحبت من منظمة اليونسكو عام 2018، فمساهمتها كانت صغيرة نسبيًّا مقارنة بأمريكا، فالكيان كان يساهم فى اليونسكو بدفع أقل من 1% من ميزانية اليونسكو، وتقدر بحوالى من 2 إلى 3 ملايين دولار سنويًّا.
ويذكر أن إسرائيل أوقفت تمويل اليونسكو منذ عام 2011، بعد انضمام فلسطين، ثم انسحبت رسميًا بالتزامن مع أمريكا في 2018، والميزانية الأساسية لليونسكو تأتي من مساهمات إلزامية تعتمد على نسبة مساهمة كل دولة في الأمم المتحدة (مثل الضرائب)، بالإضافة إلى تمويلات طوعية من الدول والجهات المانحة.
وبرغم انسحاب أمريكا وإسرائيل من اليونسكو، واصلت أكثر من 190 دولة دعم المنظمة، مما حافظ على استمراريتها، لكن تقلصت بعض أنشطتها.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية “أجانس فرانسبرس”، أنه بعد الانسحاب الأول لأمريكا والعودة السريعة، والعودة مجددًا عام 2023، لم تعد مساهماتها تصل إلى هذا المستوى. ليؤكد تقرير وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، أن التمويل الأمريكى أصبح يمثل تقريبًا 8٪ فقط من إجمالي ميزانية اليونسكو فى عام 2025.
وجاء في تقرير اليونسكو أنه برغم انخفاض المساهمة الأمريكية كثيرًا، فإن تمويلات اليونسكو تشهد تنوعًا ماليًّا عبر مساهمات إلزامية وطوعية من دولٍ عديدة، بما في ذلك دول أوروبية، وآسيا، ودولًا عربية، والقطاع الخاص، وهذا التنوع ساعد على تخفيف أثر انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى 2018، واستمر أيضًا بعد الانسحاب الجديد في 2025.
وبرغم أن مساهمة الولايات المتحدة الحالية (8٪) فلا تزال مهمة، لكنها ليست حاسمة كما كانت سابقًا، وانخفاض نسبتها دليل على تنويع مصادر التمويل، أما انسحاب إسرائيل فأثره محدود ماليًا، لكنه قد يحمل أثرا سياسيا أو رمزيا خاصة فى مسائل مثل التراث فى القدس، فمنظمة اليونسكو لا تزال تعمل بشكل فعال بدعم معظم الدول الأعضاء ومساهمات جيدة من القطاعين الحكومي والخاص، حسبما جاء في دراسة بعنوان “الأزمة المالية لليونسكو بعد عام ٢٠١١: ردود الفعل السياسية والعواقب التنظيمية (هوفنر ٢٠١٧)
وأشارت الدراسات الخاصة باليونسكو إلى أن انسحاب أمريكا وإسرائيل من اليونسكو ليس فى مصلحتهما، لأنه يؤثر على التصويت والقرارات المتعلقة بالتراث فى فلسطين والقدس، لكن ليس بالشكل الذى قد يوقف القرارات تمامًا.
فالدول المنسحبة (الولايات المتحدة وإسرائيل) لن يكون لهما حق التصويت أو المشاركة الرسمية فى مناقشة القرارات المتعلقة بالقدس أو التراث الفلسطيني، وهذا يعنى أن قرارات اليونسكو التى تؤكد هوية القدس الشرقية، كجزء من التراث الفلسطيني، أو التى تنتقد الاحتلال الإسرائيلي، تمر بسهولة أكبر لأن الصوتين المعارضين الأقوى، فلم يعودا موجودين.
خبراء السياسة يؤكدون أنه رغم غياب حق التصويت، فلا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل يمارسان ضغوطًا دبلوماسية خارج إطار منظمة اليونسكو، للتأثير على بعض الدول، لكنها أقل فعالية مقارنة بالوجود المباشر في اليونسكو، حيث كانت واشنطن تستخدم ثقلها المالي والسياسي للضغط على بعض الدول لتعديل مواقفها أو صياغة القرارات.
انسحاب إسرائيل وأمريكا غير ميزان التصويت في اليونسكو لصالح فلسطين، حيث يضم اليونسكو 193 دولة عضوًا، ومعظمها، خصوصًا دول العالم الثالث و(الدول العربية والإسلامية) تدعم المواقف الفلسطينية، وحتى عندما كانت أمريكا وإسرائيل حاضرتين، لم تمنعا صدور القرارات، لكنها كانت تضيف مواجهة سياسية ودبلوماسية قوية داخل المنظمة، وبعد الانسحاب بات التصويت أكثر انحيازًا لصالح القرارات التى تنتقد إسرائيل فى الوقت الحاضر، فغياب أمريكا جعل نفوذ الدول الأوروبية والآسيوية أكبر فى صياغة القرارات.
وبناءً على قرار اليونسكو، أصبحت القدس الشرقية مدرجة كتراث عالمى مهددة بالخطر منذ عام 1982 باسم “البلدة القديمة للقدس وأسوارها”، ويتم التعامل معها باعتبارها أرضًا محتلة، وفق قرارات الأمم المتحدة، واليونسكو تؤكد فى قراراتها أن القدس الشرقية هى جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يتكرر في نصوص القرارات التي تصدر عنها.
كما قامت منظمة اليونسكو بإدراج الحرم الإبراهيمي في الخليل (عام 2017) كتراث فلسطيني عالمي، ومسجد بلال بن رباح (قبر راحيل) في بيت لحم، وتم إدراجهما رغم اعتراض إسرائيل، وهذا التوجه أصبح أسهل بعد انسحابها من المنظمة، وهذه القرارات تمنح فلسطين دعمًا معنويًّا وقانونيًّا دوليًّا في قضايا الهوية الثقافية والحقوق التاريخية، برغم ذلك فإن القرارات الصادرة عن اليونسكو رمزية وقانونية، ولا تغير الوضع السياسي على الأرض مباشرة.
وكانت أبرز قرارات اليونسكو منذ 2018 لصالح التراث الفلسطيني، وقرارات جلسات لجنة التراث العالمية (2018، 2019...)، تقوم بتأكيد وضع القدس الشرقية كأرض فلسطينية محتلة، مع التشديد على أن أي إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع الجغرافي أو العمراني تُعتبر باطلة وفق القانون الدولي، وتم الاحتفاظ بالموقع فى قائمة التراث العالمى المهدد بالخطر لضمان حمايته، بحسب تقرير “المركز العالمي للتراث الثقافي العالمي”.
وفي سبتمبر 2023، صدرت قرار إدراج “تل السلطان القديمة ضمن قائمة التراث العالمي، وذلك ضمن الضفة الغربية المحتلة، والقرار لقى ترحيب السلطة الفلسطينية واعتراضًا رسميًا من إسرائيل، مدعية أن القرار محاولة للسيطرة الرمزية على تاريخها.
كما أدرجت”اليونسكو” دير سانت هيلاريون، فى غزة فى يوليو 2024، موقع ضمن قائمة التراث العالمى المهدد بالخطر كإجراء طارئ نتيجة تضرره من النزاع، ومنح الموقع حماية دولية وتقنيات دعم، واتخذ القرار بسرعة كصفة طارئة لمواجهة التهديد الواقعي.
وفي دراسة بعنوان “برامج اليونسكو العلمية: آثار انسحاب الولايات المتحدة واقتراحات لترتيبات مؤقتة بديلة: تقييم أولي”، أكدت أن انسحاب دولة أو أكثر من اليونسكو لا يعنى بالضرورة انهيار المنظمة أو أن هناك خوفًا من خروج جماعى للدول الأخرى، وتاريخيًا، حيث مرت اليونسكو بمثل هذه الأزمات ونجت منها، بل ونجحت بعض الدول فى العودة لاحقًا، ولا يشكل الانسحاب تهديدًا وجوديًا لليونسكو، فهي منظمة أممية تضم 193 دولة، وغالبية الدول ترى فيها أداة مهمة للتعاون الثقافى والتعليمى والعلمي، وهى ليست قائمة على عدد محدود من الدول مثل بعض المنظمات الإقليمية؛ لذلك انسحاب دولة واحدة لا يشل عملها.
وبرغم انسحاب أمريكا، أكبر ممول للمنظمة عام 2018 تسبب في أزمة مالية، لكن دولًا أخرى زادت دعمها الطوعى لتعويض النقص، كما انسحبت إسرائيل سياسيًّا لرفض قرارات معينة، لكن دولًا مثل فرنسا، ألمانيا، والصين بقيت ودعمت استمرار عمل المنظم؛ وعادت أمريكا لليونسكو فى 2023 بعد انسحابها 5 سنوات، ما يثبت أن الانسحاب غالبًا قرار سياسي مؤقت.
وتشير دراسة “برامج اليونسكو العلمية: آثار انسحاب الولايات المتحدة واقتراحات لترتيبات مؤقتة بديلة...”، إلى أن اليونسكو منذ تأسيسها عام 1945، مرت بعدد من الأزمات الكبرى، لكنها نجحت فى تجاوزها بسبب أهمية دورها العالمى فى الثقافة والتعليم وحماية التراث.
ومن أبرز الأزمات التى مر بها اليونسكو انسحاب أمريكا وبريطانيا من عام 1984 و2003، ففي عام 1984، انسحبت الولايات المتحدة وبريطانيا وأيضًا سنغافورة من اليونسكو بحجة “البيروقراطية والفساد” و”التحيز ضد الغرب”، وكان الانسحاب الأمريكى كارثة مالية لأن الولايات المتحدة، أكبر ممول للمنظمة، واستمرت اليونسكو فى العمل عبر تقليص الميزانية وزيادة مساهمات دول أخرى، وتجميد بعض البرامج.
عادت أمريكا لليونسكو عام 2003، وبريطانيا عام 1997، ما أعاد للمنظمة قوتها، وحدثت أزمة 2011، بانضمام فلسطين وتوقف التمويل الأمريكي، حيث تم إدخال فلسطين كعضو كامل فى اليونسكو، وأول منظمة أممية تنضم إليها فلسطين، ما أدى إلى توقف التمويل الأمريكى والإسرائيلى بسبب قوانين أمريكية التى تمنع تمويل منظمات تعترف بفلسطين.
وانسحبت أمريكا من اليونسكو عام 2018، احتجاجًا على “التحيز ضد إسرائيل” بعد قرارات تخص القدس والمواقع الفلسطينية، رغم الانسحاب، واصلت المنظمة عملها، وتم تعويض التمويل جزئيًا بدعم إضافى من الصين، اليابان، وفرنسا. وعادت أمريكا عام 2023 بعد 5 سنوات، وهو دليل على أن المنظمة تظل مؤثرة وضرورية حتى للدول الكبرى.
وتعانى اليونسكو من عجز متكرر بسبب تأخر دفع المساهمات أو انسحاب بعض الممولين، ومع ذلك، تستمر فى إدارة مشاريع ضخمة مثل قائمة التراث العالمي، برامج التعليم العالمي، ودعم الصحافة الحرة.
لعبت اليونسكو منذ تأسيسها دورًا تنويريًّا عالميًّا في حماية وصون التراث الثقافي والطبيعي، وأصبحت الجهة الدولية الأبرز فى نشر الوعى بأهمية التراث كجزءً من هوية الشعوب وذاكرتها التاريخية، وحماية التراث الثقافى العالمي، فكانت اتفاقية 1972 لحماية التراث الثقافى والطبيعى العالمى نقطة تحول تاريخية؛ وضعت أسس قائمة التراث العالمى التى تضم اليوم أكثر من 1100 موقع موزعة على 167 دولة.
وقام اليونسكو بإنقاذ مواقع أثرية مثل آثار أبو سمبل في مصر أثناء بناء السد العالي، ونسقت أكبر عملية إنقاذ تراث عالمي بالتعاون مع المجتمع الدولي، وقامت بتوثيق وحماية التراث المهدد، فوضعت المنظمة نظام “قائمة التراث العالمى المهدد بالخطر” لإعطاء الأولوية للمواقع المعرضة للتدمير بسبب الحروب والكوارث، أو الإهمال، ومنها مدينة تدمر السورية، بعد تدميرها من داعش.
ولعبت اليونسكو دورًا تنويريًا فى تغيير نظرة الشعوب إلى التراث، بحيث أصبح يُنظر إليه كإرث إنساني مشترك لا يخص دولة واحدة، نظمت برامج ومؤتمرات لنشر ثقافة حماية التنوع الثقافى وتقديره، مثل برنامج “ذاكرة العالم” لحفظ المخطوطات التاريخية.
وأصدرت “اليونسكو” عشرات المبادئ التوجيهية التى تربط التعليم بالتراث، فترسخ فى وعى الأجيال الجديدة أن الحفاظ على التراث ليس ترفًا بل جزء من هويتهم وكرامتهم الثقافية، وجعلت من التراث وسيلة لخلق حوار حضارى بين الشعوب، مؤكدة أن التراث ليس أداة صراع، بل جسر للتفاهم والسلام.
وبرغم من دور منظمة اليونسكو والثقافي والتراثي، لكن لا تزال التربيطات السياسية تحكم عملية انتخاب الأمين العام الذي يديرها، حيث سيطرت عدد من الدول على رئاستها (أمريكا، إسبانيا، فرنسا، اليابان، بلغاريا، والسنغال والمكسيك)، فالانتخابات داخل اليونسكو (وخاصة منصب المدير العام) ليست مجرد منافسة فردية، بل غالبًا ما تعتمد على “التربيطات السياسية” والتحالفات بين الدول الكبرى والإقليمية، هذا الأمر شائع فى أغلب الانتخابات داخل منظمات الأمم المتحدة.
وتحدث التربيطات السياسية فى انتخابات رئيس اليونسكو من خلال التصويت فى المجلس التنفيذي، فالمجلس التنفيذي يضم 58 دولة فقط، وهؤلاء يمثلون “مجلس الحكم” الفعلى الذى يختار المدير العام قبل رفع المرشح الفائز للمؤتمر العام؛ وتتحالف الدول داخل المجلس، فدولة ما قد تدعم مرشح دولة أخرى مقابل دعمها فى قضية ثانية، مثل ترشيحها لعضوية لجان أخرى أو قضايا سياسية.
كما يأتى دور التأثير عبر القوى الكبرى، فالقوى الكبرى مثل فرنسا، أمريكا، الصين، روسيا تمارس ضغوطًا دبلوماسية أو تقدم دعمًا لمرشح دولة صديقة لضمان مصالحها داخل المنظمة.
وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، حيث فازت الفرنسية أودرى أزولاى عام 2017، وجاء ذلك بعد دعم قوي من فرنسا داخل أوروبا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تصويت أفريقي-أوروبى بعد انسحاب بعض المرشحين لصالحها.
كما يلعب التوازن الإقليمى دورًا في انتخاب الأمين العام لليونسكو، وغالبًا يتم الدفع بأن يأتي المدير العام من قارة لم تحصل على المنصب لفترة طويلة، على سبيل المثال، الاتحاد الأفريقى الآن يدعم مرشحًا أفريقيًا، الدكتور خالد العنانى، لأن أفريقيا لم تتولّ المنصب إلا مرة واحدة، وهو أمادو مختار مبو من السنغال الأمين العام لليونسكو فى الفترة من 1974 وحتى 1987.
كما تعقد بعض الدول صفقات سياسية تبادلية للفوز بمنصب الأمين العام لليونسكو، من خلال دعم مرشحها فى اليونسكو مقابل دعم مرشحين فى منظمة الصحة أو مجلس الأمن.
وهناك تصويت جماعي لصالح دولة ما مقابل حزمة اقتصادية أو مشاريع مشتركة، وانسحاب مرشحين لصالح آخر، فخلال السباق، قد تنسحب دولة لصالح أخرى ضمن اتفاقيات سياسية، كما حدث فى 2017 عندما انسحب مرشح قطر لصالح مشيرة خطاب، ثم لاحقًا انسحب مرشح لبنان لصالح أودرى أزولاي، التى فازت بالمنصب، بعد أن لعبت فرنسا دورًا قويًا فى حشد أوروبا والغرب خلف مرشحتها مع صفقات دبلوماسية لإقناع دول بالتخلى عن مرشحيها.
وهناك أمثلة تاريخية على التربيطات السياسية، ففي سباق 2009، لم يفز وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني، بعد حملة مضادة من دول غربية وإسرائيل بسبب تصريحاته السابقة ضد الكيان، ودعمت هذه الدول إيرينا بوكوفا البلغارية، حتى فازت بفارق صوتين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصر تدفع بوزير السياحة والآثار السابق الدكتور أشرف العناني في الانتخابات المقبلة للمنظمة الأممية.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
