الأزهر وإعادة تحقيق التراث الإسلامي.. مشروع قومي (3)
علينا الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي من أجل إظهار الوجه الصحيح للإسلام.. لماذا لا نستغل إمكانيات الحاسب الآلي، والذكاء الاصطناعي في نشر صحيح الإسلام، وأيضا تنقية التراث مما شابه في بعض العصور من دخائل ودسائس؟!
الأمر سهل على الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، بإمكانياتهم الهائلة، وكوادرهم الرائعة، مع الاستفادة بالشباب المسلم في كافة أنحاء العالم، والذين سيسعدهم كثيرا أن يدعوهم الأزهر للمشاركة في ورش العمل المعنية بإعادة تحقيق الكتب القديمة، التي يتم تدريس بعضها على علاتها، مع الأسف الشديد.
علينا ألا نتهيب الإقدام على تلك الخطوة المهمة؛ خشية أن يكون في ذلك خدش لقداسة السنة المطهرة، بل يجب عرض الأحاديث على القرآن الكريم أولا، فإن توافقت، راجعنا الأسانيد، وإن تعارضت لم يكن هناك مبرر لبقائها في الكتب التي يدرسها طربنا، ويقرأها عوام المسلمين.
وللتدليل على حتمية ما أقول، علينا أن نقرأ ما جاء في مجلة البحوث الإسلامية المنشورة بموسوعة الشاملة الإلكترونية (70/ 256): وفي هذا النهي عن بدئهم بالسلام "لا تبدأوهم بالسلام"، حتى لا يشعروا بالعزة والمنعة واحترام المسلمين لهم، بل يشعروا أن مكانتهم المذلة والصغار والإهانة والاحتقار "حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ"، فلا يذل المسلم نفسه وقد أعزه الله بالإسلام، وأذل المشركين والكفرة بالكفر.
قال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: لا يجوز أن يبدأوا بالسلام؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالا للمسلم، حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله عز وجل؛ فلا ينبغي أن يذل المسلم نفسه في هذا.
وقال أحمد البنا في شرح ترتيب مسند الإمام أحمد: "اضطروهم إلى أضيق الطريق"، أي جانبها بحيث لا يمشون وسط الطريق، وذلك لا بقصد إهانتهم إن كانوا من أهل الذمة، ولم يظهر منهم سوء نية للمسلمين، بل بقصد إظهار فضل المسلم وتقديمه على غيره؛ لأن إهانة الذمي ممنوعة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ".
وقد يقول قائل: إنَّ في عملكم هذا تنفيرا عن الإسلام أي لا تبدأوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق. أما تفسير ابن عثيمين، فكان عبارة عن تأييد للتشدد، حيث قال ما معناه: لا تتوسعوا لهم إذا قابلوكم في الطريق حتى يكون لهم السعة ويكون لكم الضيق، بل استمروا في اتجاهكم وسيركم واجعلوا أضيق الطريق إن كان هناك ضيق في الطريق على هؤلاء..
ومن المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ليس إذا رأى الكافر ذهب يزاحمه حتى يرصه على الجدار، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا في اليهود في المدينة ولا أصحابه يفعلونه بعد فتح الأمصار.
فالمعني أنكم لا تبدؤوهم بالسلام ولا تفسحوا لهم، فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا بل استمروا على ما أنتم عليه، واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق. وليس في الحديث تنفير عن الإسلام، بل فيه إظهار لعزة المسلم وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية (3 / 434): لا يجوز بداءة الكافر بالسلام، لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"، وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم".. رواه البخاري ومسلم..
فيرد عليهم بما دل عليه الحديث وهو أن يقال: وعليكم، ولا بأس أن يقول للكافر ابتداء كيف حالك؟ كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ ونحو ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك، صرح بذلك جمع من أهل العلم، منهم أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.. حسب نص الفتوى السعودية.
وفي دروس أبي إسحاق الحويني المفرغة بالشاملة (51/4): فتعاملك مع الناس يجب أن ينبني على أساس الدين، وبالتالي فإن هجرك لأصناف الناس يجب أن يكون وفق العقيدة التي يعتقدها كل صنف، فالمبتدع له نمط، والعاصي له نمط، والكافر له نمط!!
