رئيس التحرير
عصام كامل

السر الذى أخفيته! (1)

في حياة كل إنسان محطات مهمة وأحداث مفصلية لا تبرح الذاكرة وتبقى شاخصة في الوجدان، يتجدد وقعها في النفس كلما جدت حوادث مشابهة.. وكم من أشياء كانت حتى وقت قريب مخيفة ومرعبة لكنها بالعلم صارت هينة لا يخشى خطرها.. ومن تلك الأشياء الإصابة بفيروس سي.. 

 

ذلك المرض الفتاك الذي إلتهم بلا رحمة ملايين من أكباد المصريين قبل عقود.. وكم كانت أرقام المرضى بالتهاب الكبد الوبائي سي هائلة في مصر قبل مبادرة الرئيس السيسي بالتصدي لهذا المرض وعلاجه بالمجان؛ إذ كانت الأعداد تتراوح بين 15 و18 مليون مصاب، بين حالات مكتشفة، ومرضى يحملون أجساما مضادة دون أن يعرفوا أنهم مصابون بهذا المرض.

Advertisements


شخصيًا.. وقبل 30 عامًا اكتشفت، قدرًا، إصابتى بفيروس سي.. حين كنت في زيارة عمل لباريس أجريت فيها فحوصات وتحاليل وأشعات في المستشفى الأمريكي هناك من باب الاطمئنان؛ وبالفعل تأكدت إصابتى بهذا المرض المرعب وقتها ولم أكن أعلم عنه شيئًا.. 

رحلة العلاج من فيروس سي

ورغم صعوبة الخبر على نفسي لكنى احتفظت بالسر في داخلى ولم أخبر عنه أحدًا.. ومن لطف الله بي أننى اكتشفت المرض في بداياته الأولى.. والحمد لله أن الأشعة وقتها لم تظهر أي أضرار بالكبد.. لكن ذلك لم يمنع الصديق الدكتور محمود المتيني الطبيب المعالج رئيس جامعة عين شمس السابق أن يقرر لي -حينها- علاجًا طويلًا وصعبًا تجرعته في صمت (48 حقنة لعلاج الفيروس بمعدل حقنة واحدة كل أسبوع تتكلف 1600 جنيه، وهو رقم لو تعلمون كبير، بأسعار تلك الأيام).. 

 

تحملتها كلها على نفقتي الخاصة؛ وأخفيت الأمر عن أقرب المقربين منى، فلا عرفت به أسرتي ولا زملائي في العمل؛ حتى لا تصيبهم صدمة الخوف والإشفاق علىّ من التداعيات الأليمة للمرض الذي لم تكن نسبة الشفاء منه تتجاوز 40% في أحسن الأحوال..

 

تحملت قسوة الآثار الجانبية للعلاج والتكلفة الباهظة في رضا وإيمان وتسليم بقضاء الله الذي أكرمنى وتفضل علىّ بالشفاء التام من وباء كان من الصعوبة بمكان الإفلات منه، فضلا على أن مجرد ذكر إسمه كان يصيب الناس أيامها بالرعب والفزع نظرًا لصعوبة التعافي منه، وسهولة انتقال العدوى من المرضى للأصحاء كانتشار النار في الهشيم لأسباب كثيرة أهمها استخدام الحقن الدوارة، وقلة الوعى وعدم نجاح العلاج..

 

وكلها عوامل باتت من الماضى ونجحت البشرية بتوفيق من الله في تجاوزها وتجاوز أمراض كانت عصية على العلاج.. لكنها إرادة الله الذي يتفضل على خلقه بنفحة من علمه الواسع؛ به ينتفع الناس ويعالج المرضى وتخفف الآلام عن المنكوبين.. ليعطى للبشرية درسًا بليغًا أنه فوق كل ذي علم عليم..

 

 

وأن العلم كلمة السر في هذا العصر.. به ترقى الأمم وتتفاضل الدول وتمتلك ناصية القوة وأسباب التفوق.. فهل نضاعف اهتمامنا بالعلم والتعليم والموهوبين أملًا في الوصول لعلاج ناجح لأمراض لا تزال عصية على التداوى مثل السرطان؟! وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية