رئيس التحرير
عصام كامل

كابوس نقص الأدوية.. خبراء: عدد الأصناف الناقصة يصل إلى 1000.. وهذه «روشتة» الحلول العاجلة.. استشاري تصنيع دوائي: نسبة التطابق بين الدواء المصري والمستورد لا تقل عن 98%

الأدوية،فيتو
الأدوية،فيتو

يعانى السوق المصرى من نقص فى أصناف الأدوية، منها ما يشكل خطورة كبيرة على حياة المصريين حال عدم توفره، مثل أدوية السكرى وارتفاع ضغط الدم وقصور القلب، ولهذا تصاعد الغضب بسبب استمرار المشكلة التى أصبحت مثل الكابوس.

تصرح الحكومة دائما بأنها عازمة على معالجة الأزمة، سواء من خلال إنشاء شركات أدوية جديدة أو عبر توسيع الواردات والاعتماد على الأدوية المحلية التى تشكل نحو 60 % من إمدادات سوق الأدوية، فى حين توفر الشركات المتعددة الجنسيات حوالى 40%.

Advertisements

لكن فى الوقت نفسه تتوسع الشكاوى من تزايد نواقص الأدوية، خاصة تلك المستخدمة للأمراض المزمنة، مثل السكري، وهو مرض الإصابة به مرتفعة للغاية فى مصر، إذ كانت البلاد أواخر عام 2021، تاسع أعلى دولة على مستوى العالم، من حيث انتشار مرض السكري، بعد أن أصيب 9 ملايين مواطن بالمرض 90% منهم إصابة من الدرجة الثانية.

ومتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 17 مليونا بحلول عام 2045، لتحتل مصر المركز السابع عالميًا، مما يعنى أن نقص العلاج الخاص به على مستوى المستورد والمحلى يشكل كارثة للمواطنين ويتركهم فى وضع محفوف بالمخاطر.

ما السبب إذن، قلة العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد الأدوية؟ لكن هناك 179 مصنعًا للأدوية و799 خط إنتاج تعمل بكامل طاقتها، يمكنها تلبية احتياجات القارة الأفريقية بأكملها، هل  هو التضخم الذى يفرض عبئا ثقيلا على اقتصاد البلاد وبالتبعية سوق الأدوية؟ كل ذلك يناقشه ملف «فيتو» مع الخبراء والمتخصصين.

تزايدت شكاوى المواطنين من أزمة نقص الأدوية والإرهاق والتعب الشديد خلال رحلة البحث عن الأدوية المطلوبة.

لهذا تواصلت “فيتو” مع الخبراء لمعرفة الحلول العاجلة التى يمكن الاستناد عليها فى إنهاء الأزمة.

وقال الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية العامة بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن هناك نقصا فى الأدوية لكن إذا نظرنا إلى هذا النقص من منظور ما يحدث فى العالم كله، سنجد أنه لا يوجد نقص فى أى مادة فعالة باسمها العلمى.

وأضاف: النقص يكون فى أصناف بعينها وباسمها التجارى فقط، والدليل على ذلك أنه يوجد فى مصر نوع باراسيتامول شهير جدا فى العالم كله، وغير موجود فى أمريكا أو الخليج، ومع ذلك لا تجد من يقول إن هناك أزمة فى نقص الدواء بأمريكا أو ببعض دول الخليج.

وأضاف عوف فى تصريحاته لـ“فيتو” أن هذا النوع من الباراسيتامول يعود لشركة أجنبية كبيرة جدا، وله أكثر من 5 بدائل فى السوق المصرى وتباع بأقل من نصف ثمنه، لكن الناس اعتادت على شراء هذه المادة الفعالة باسم تجارى، فإذا لم تجده تقول إن هناك نقصا فيه.

وأوضح رئيس شعبة الأدوية أن هناك رقما تم تخصيصه للإبلاغ عن نقص الأدوية ومعرفة بدائلها، وهو الرقم 15301، ومن خلاله يمكن لأى مواطن مصرى لا يجد دواء معينا، الاتصال لمعرفة المكان الموجود به، أو معرفة البديل أو المثيل له فى حالة عدم وجوده، بالإضافة إلى معرفة سعره، لافتا إلى أنه منذ إطلاق هذا الرقم وبالفعل أحدث رد فعل إيجابى جدا، وساعد الكثير من المواطنين على توفير الأدوية الخاصة بهم.

ولفت الدكتور على عوف إلى أن معظم الناس كانوا يشتكون من نقص دواء الغدة الدرقية المستورد “تروكسين”، الذى كان ناقصا بالسوق على مدار 6 أشهر، لكن مع معرفة البدائل المصرية له اختفى الطلب على التروكسين تماما، وأصبح الإقبال كبيرا على البدائل المصرية له.

وأوضح عوف أن حجم الأدوية المتداولة فى مصر وصل إلى 17 ألف دواء، وعدد الأدوية الناقصة يتراوح من 500 إلى 1000 دواء فقط، أى أن نسبة نقص الدواء فى مصر لا تتجاوز 7 أو 8%، مضيفا أن هيئة الدواء المصرية تخاطب جميع الموزعين الكبار داخل مصر، لوضع المثائل والبدائل بكافة الفواتير والنشرات إلى الصيدليات كنوع من التوعية.

توطين صناعة الدواء فى مصر

ومن جانبه أكد الدكتور محمد أشرف، استشارى التصنيع الدوائى الدولى، على أهمية توطين صناعة الدواء فى مصر، والتى تعد جزءا من مبادرة “ابدأ” التى تهدف لتوطين الصناعة المصرية بشكل عام، وبخاصة صناعة الأدوية التى تعد أمنا قوميا لمصر، لتوفير الدواء للمواطن المصرى.

وأوضح خبير التصنيع الدوائى أن صناعة الدواء فى مصر الآن تعمل على ثلاثة محاور، الأول هو صناعة الأدوية المنقذة للحياة، والثانى الأدوية المستخدمة فى علاج الأمراض، والثالث صناعة المستلزمات الطبية والخامات الدوائية، وهى صناعة المدخلات الإنتاجية اللازمة للصناعة الدوائية.

ولفت إلى أن الهيئة العربية للتصنيع تعتبر من الجهات الرائدة فى هذا المجال، والتى وقعت بروتوكول تعاون مع إحدى شركات القطاع الخاص لتصنيع السوربيتول والجلسرين فى مصر، وهما من الخامات الدوائية المهمة جدا للصناعات الدوائية والصناعات الغذائية، ولهم سوق تصدير كبير جدا، وكان رقم استيرادهم العام الماضى فى مصر يتخطى 200 مليون دولار فيما يخص السوربيتول والجلسرين الدوائى فقط دون الغذائى.

أرقام نمو سوق الدواء المصري

وتابع الدكتور أشرف محمد، بأن القيادة السياسية كان لها رؤية بعيدة المدى فى توطين صناعة الدواء المصرية، وإدخال الصناعات الدوائية الحديثة فى مصر، وتمثل ذلك فى الخطة المصرية التى بدأتها الحكومة منذ عام 2015 حتى عام 2022.

أضاف: نتج عن الخطة أن السوق المصرى أصبح الأول فى المنطقة من حيث عدد العبوات، والثالث فى رقم المبيعات، حيث وصل حجم مبيعات سوق الدواء إلى 160 مليار جنيه فى عام 2022، بقفزة نمو عن عام 2015 أى مدة سبع سنوات بنسبة 175%، وفى عام 2023 وصلت نسبة النمو فى سوق الدواء المصرى 19%، وهى من أعلى نسب النمو فى القطاعات الحيوية فى مصر.

الدواء المصرى مقابل المستورد

وأكد الدكتور أشرف محمد أن الدواء المصرى فعّال جدا، ففى عام 2009 قام وزير صحة سابق بأخذ عينات من الأدوية المصرية الموجودة فى الصيدليات على الرفوف وأرسلها إلى أكبر معمل تحاليل دولى والموجود فى منظمة الصحة العالمية، وتم تحليلها أمام المثائل الأجنبية العالمية، وكانت النتيجة عدم وجود مشكلة واحدة فى أى عينة مصرية.

ووصلت نسبة التطابق بينهم إلى 100% فى بعض الأصناف، وأقل نسبة تطابق كانت 98%، وهذه كانت تجربة علمية مسجلة دوليا فى منظمة الصحة العالمية.

وأشار خبير التصنيع الدوائى إلى أن الدواء المصرى يتميز بأعلى جودة وكفاءة، وثبت ذلك خلال أزمة كورونا التى لم يحلها سوى بروتوكول العلاج المصرى الذى تضمن الباراسيتامول المصرى وفيتامين سى وغيرها من الأدوية المحلية، وأيضًا فيروس سى تم القضاء عليه فى مصر بفضل الأدوية والعلاجات المصرية، وحينها تم تصنيع أكثر من 30 أو 40 منتجا مصرى لعلاج فيروس سى.

مبادرة بديل المستورد

وعلى جانب آخر، أكدت الدكتورة هبة عبد المنعم الرفاعى، الأستاذ بمعهد بحوث الصناعات الصيدلية والدوائية بالمركز القومى للبحوث، أن المركز أطلق مبادرة جديدة بعنوان “بديل المستورد” لإيجاد الحلول التكنولوجية للمشكلات القومية، وهى مبادرة يقوم بها المركز للمساهمة فى برنامج طريق الصناعة وصنع فى مصر.

وأوضحت أن المركز القومى للبحوث يضم 14 معهدا فى مختلف المجالات العلمية، وتقييم الباحثين فى كل مجال يتم عن طريق المخرجات البحثية التى ينتجها سواء كانت ورقات بحثية أو مشروعات قابلة للتطبيق للحصول على منتج، أو ابتكار طريقة لحل إحدى المشكلات.

وأضافت الرفاعى فى تصريحاتها لـ”فيتو” أنه من خلال حصر المنتجات البحثية لأعضاء هيئة البحوث، وُجد أن هناك أكثر من 200 منتج قابلين للتطبيق على أرض الواقع، وتخدم هذه المنتجات أكثر من 30 مجال، لكن هناك بعض المجالات يكون تطبيقها أسهل من مجالات أخرى.

وتابعت: على سبيل المثال يحتاج مجال الأدوية والصناعات الدوائية اختبارات كثيرة جدا وتجارب عديدة على الحيوان أولا، ثم تجارب سريرية أو إكلينيكية على الإنسان.

وتابعت أستاذ الصناعات الصيدلية والدوائية أن الأدوية المحلية الموجودة حاليا تضاهى المستورد فى الكفاءة والجودة، لكن المشكلة أن الصناعات الكيميائية بشكل عام لا يقدر عليها سوى الدولة بأكملها وليس مجرد مصنع أو شركة منفردا لأنها صناعة مكلفة وصعبة جدا.

أضافت: على سبيل المثال إذا وجد نقص فى دواء ما أو خامة علاجية معينة تخاطبنا وزارة الصحة أو الجهات المعنية الأخرى وتؤكد أن الدولة تريد حل هذه المشكلة فى الأوقات الحالية، ويتم تسخير جهود الباحثين والعلماء بالمركز لابتكار حلول تكنولوجية سريعة لهذه الأزمة، سواء من خلال ابتكار مثائل دوائية أو بدائل للمادة الفعالة أو الخامات الدوائية الناقصة فى السوق.

واستكملت: فى النهاية لا نستطيع تقديمها كدواء متكامل معتمد، لكن يمكن اعتبارها خامة تدخل فى تصنيع الدواء يمكن من خلالها توفير قطاع كبير من الاستثمارات للصناعات الدوائية، وهذا ينطبق أيضًا على الصناعات الأخرى.

وأشارت الدكتورة هبة الرفاعى إلى أنه لا يمكن لأحد فى يوم وليلة أن يقدم دواء جديدا، لكن يمكن ضخ أبحاث علمية تثبت أن هذه المادة الفعالة يمكن أن تعالج هذه الأمراض، وهناك أبحاث كثيرة أثبتت فعالية بعض المواد الخام الطبيعية، والتى تكون نسبة الفعالية والأمان فيها أكبر من الخامات الكيميائية، وتصلح أن تكون بديلا مثاليا للمستورد.

لكن كل هذا ينقصه إتمام التجارب السريرية والإكلينيكية، واعتماد هذه المواد وتطبيقها بالفعل فى مصر.

واختتمت أستاذ البحوث الصيدلية والدوائية مؤكدة أن المعيار الأهم فى نجاح مبادرات توطين صناعة الدواء فى مصر، ومباردة “بديل المستورد” للمركز القومى للبحوث هو بناء الثقة مع الجمهور، فالحكومات والقيادة السياسة تولى المراكز البحثية ثقة كبيرة، لكن يظل لدى المواطن نفسه تخوفات من تجربة أى شيء جديد أو محلى، ظنا منه أن المستورد ذا السعر الأغلى يكون أكثر فائدة وفعالية.

لكن هذا غير صحيح على الإطلاق، وهذا هو دور الإعلام والتوعية للمواطن المصرى لاستعادة ثقة المواطن فى المنتج المصرى، لافتة إلى أن دواء محلى يخرج للسوق هو بالفعل مثيل مطابق للمستورد، إذ لا يتم اعتماد أى دواء إلا بعد مروره على لجان تقييم وتحكيم كفاءة وجودة، وتتأكد من أنه مطابق للمواصفات ومثيل للمادة الفعالة.

الجريدة الرسمية