رئيس التحرير
عصام كامل

كابوس نقص الأدوية.. «السعر الجبرى» سر الأزمة.. شركات الأدوية تحجب إنتاجها للضغط على الحكومة لرفع الأسعار.. وخبراء: غياب الأدوية المستوردة وكثرة السحب للمستحضرات المحلية سبب نقصها

 الأدوية، فيتو
الأدوية، فيتو

يعانى السوق المصرى من نقص فى أصناف الأدوية، منها ما يشكل خطورة كبيرة على حياة المصريين حال عدم توافره، مثل أدوية السكرى وارتفاع ضغط الدم وقصور القلب، ولهذا تصاعد الغضب بسبب استمرار المشكلة التى أصبحت مثل الكابوس.

تصرح الحكومة دائما بأنها عازمة على معالجة الأزمة، سواء من خلال إنشاء شركات أدوية جديدة أو عبر توسيع الواردات والاعتماد على الأدوية المحلية التى تشكل نحو 60 % من إمدادات سوق الأدوية، فى حين توفر الشركات المتعددة الجنسيات حوالى 40%.

Advertisements

لكن فى الوقت نفسه تتوسع الشكاوى من تزايد نواقص الأدوية، خاصة تلك المستخدمة للأمراض المزمنة، مثل السكري، وهو مرض الإصابة به مرتفعة للغاية فى مصر، إذ كانت البلاد أواخر عام 2021، تاسع أعلى دولة على مستوى العالم، من حيث انتشار مرض السكري، بعد أن أصيب 9 ملايين مواطن بالمرض 90% منهم إصابة من الدرجة الثانية.

ومتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 17 مليونا بحلول عام 2045، لتحتل مصر المركز السابع عالميًا، مما يعنى أن نقص العلاج الخاص به على مستوى المستورد والمحلى يشكل كارثة للمواطنين ويتركهم فى وضع محفوف بالمخاطر.

ما السبب إذن، قلة العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد الأدوية؟ لكن هناك 179 مصنعًا للأدوية و799 خط إنتاج تعمل بكامل طاقتها، يمكنها تلبية احتياجات القارة الأفريقية بأكملها، هل  هو التضخم الذى يفرض عبئا ثقيلا على اقتصاد البلاد وبالتبعية سوق الأدوية؟ كل ذلك يناقشه ملف «فيتو» مع الخبراء والمتخصصين.

 

تداعيات أزمة نقص الدواء، كان لها أثر بالغ على القطاع الخاص والحكومى أيضًا، فالكثير من المستشفيات الحكومية تعانى نقصا فى الأدوية خاصة المستوردة، حيث تواجه كل عيادات التأمين الصحى فى أغلب المحافظات نقصا فى الإنسولين المستورد لمرضى السكر، بعد شكوى عدد كبير من مرضى السكر بنقصها وعدم الحصول عليه، وينحصر توزيع الدواء على المرضى للأدوية المحلية فقط وتوفيرها فى عدد 3 أو 4 من الصيدليات التأمين الصحى فى كل محافظة.

وأيضًا الكثير من الأدوية لمرضى القلب والضغط غير متوفرة فى صيدليات المستشفيات ويصرف الصيدلى فى المستشفيات الحكومية للمريض المتوفر لديه فى الصيدلية على سبيل المثال بدلا من وصف دواء “كونكور” لعلاج الضغط يحصل على “إيجى برو” البديل المصري.

واتخذت وزارة الصحة وهيئة الدواء المصرية إجراءات لاحتواء أزمة نقص الأدوية الموجودة حاليا منها قرار وزير الصحة تم تعميمه على كل المستشفيات والمراكز الطبية التابعة للوزارة بالتنبيه على الأطباء بوصف الأدوية المحلية المصرية دون وصف الأدوية المستوردة، وذلك لنقصها، وأيضًا تقليل الاعتماد عليها لتقليل الفاتورة الاستيرادية فى ظل أزمة توفير الدولار.

فيما قررت هيئة الدواء المصرية تشجيع الشركات المحلية على الإنتاج وأيضًا توعية المواطنين بوجود أكثر من نوع لكل مستحضر دوائى وكل مادة فعالة وتكثيف التوعية حول وجود أكثر من سعر لكل مادة فعالة من الأدوية وجميع الأدوية فعالة وذات تأثير من أجل إقناع المواطنين والمرضى لشراء الأدوية المصرية الأقل سعرا وعدم اللجوء إلى شراء الأدوية المستوردة أو البحث عنها وتقليل أزمة النواقص.

وكشف مصدر مسئول لـ”فيتو” أن نقص الأدوية تسبب فى توقف بعض العمليات الجراحية فى عدد من المستشفيات الحكومية بسبب نقص أدوية التخدير المهمة والتى ليس لها بديل ولا يمكن التخدير بدونها فيتم تأجيل العمليات لحين توفير الدواء.

بدوره قال الدكتور كريم كرم، عضو المركز المصرى للحق فى الدواء، أن الأدوية المستوردة فى الشركة المصرية لتجارة الأدوية متوفرة للجمهور من خلال الصيدليات الحكومية وصرفها للمرضى بروشتة طبية إلا أنها لا توزع على الصيدليات الخاصة لقلة المعروض منها.

وأوضح لـ”فيتو” أن أدوية حقن التخدير يوجد نقص شديد فيها منها مخدر “البروبوفول”، مشيرا إلى أن عددا من الأصناف الدوائية المحلية من إنتاج الشركات الحكومية ناقصة فى السوق بسبب قلة أسعارها وعدم قدرة الشركات على الإنتاج.

من جانبه قال الصيدلى محمود فتوح، عضو شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، إن السبب الرئيسى فى أزمة توفير الدواء هو السعر الجبرى فى ظل ارتفاع الدولار تسبب فى صعوبة الإنتاج على الشركات الأدوية، لافتا إلى أنه رغم أن شركات الأدوية لديها تسهيلات فى الحصول على الدولار من البنك المركزى إلا أنها تنتظر وقتا طويلا حتى الحصول على الاعتمادات الدولارية المناسبة التى تحتاج إليها.

وأوضح لـ”فيتو” أن تكلفة إنتاج مستحضر “مضاد حيوى كريم” على سبيل المثال كانت منذ سنة 12 جنيها، وسعر الجمهور 15 جنيها، وبعد زيادة سعر الدولار ارتفعت التكلفة لأكثر من 22 جنيها، وما زال يباع بالسعر القديم وفى حالة رفع سعره يزيد زيادة طفيفة لا تتناسب مع تكلفة الإنتاج مما يسبب خسائر للشركات.

وأشار إلى أن كثيرًا من الشركات مضطرة للإنتاج حتى لا يسحب منها الترخيص، لأن أى مستحضر دواء لا ينتج لمدة 3 سنوات يتم سحب ترخيص المستحضر من المصنع.

وتابع حديثه بأن مصانع الدواء التى ما زالت صامدة حتى الآن فى ظل أزمة الدولار هى المصانع التى تنتج مكملات غذائية، لأنه ليس لها سعر جبرى، لذا كلما زادت تكلفة الإنتاج تقوم الشركة برفع سعر المكمل الغذائى وتحقق مكاسب وما تخسره فى إنتاج الدواء البشرى يتم تعويضه من مكاسب المكملات الغذائية، وإذا لم تفعل الشركات ذلك لن تستطيع الصمود فى الإنتاج، مؤكدا أن مشكلة الدواء البشرى التسعير الجبرى فى ظل عدم توفير الدولار.

قال محمود فؤاد، مدير جمعية الحق فى الدواء، إن الأزمة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى تأثرت بها صناعة الدواء نتيجة عدم توفر المواد الخام المرتبطة بتوفير الدولار، لأن كل الأدوية معتمدة على مواد خام مستوردة من الخارج.

وأشار لـ”فيتو” أن التسعير الجبرى للدواء هو المشكلة الرئيسية لصناع الدواء، لافتا إلى أن المثيل المحلى المصرى من كثرة الضغط عليه والسحب المستمر له يتعرض أيضًا للنقص، موضحا أن أسعار الأدوية شهدت زيادة خلال العامين الماضيين وزاد أكثر من 3 آلاف صنف دواء، وكل شركة زاد أسعار مستحضراتها بنسبة 15% من حجم إنتاجها إلا أن هذه الزيادة لم تضاهى تكاليف الإنتاج والارتفاع المستمر فى أسعار المواد الخام وصعوبة الحصول على الدولار.

وأوضح أن غرفة صناعة الدواء اجتمعت عدة مرات مع رئاسة الوزراء بسبب مشكلات توفير الدولار وصعوبة شراء المواد الخام، لافتا إلى أن كثيرًا من شركات الدواء تحجب إنتاجها عن السوق من أجل تعطيش السوق والضغط على الحكومة لرفع الأسعار للأدوية رغم زيادتها أكثر من مرة على المواطن المصرى الذى يعانى من ارتفاع الأسعار فى كل السلع.

 

 

الجريدة الرسمية