رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد الطيب "الغاضب".. شيخ الأزهر: رد العدوان عن الفلسطينيين واجب دينى وشرعي.. والتاريخ  لن يرحم المتخاذلين

أحمد الطيب شيخ الأزهر،فيتو
أحمد الطيب شيخ الأزهر،فيتو

يوم 7 أكتوبر 2023 ليس مجرد تاريخ طوى بنهاية العام، وتداعياته لم تنتهِ عند حد هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة فى العملية البطولية «طوفان الأقصى» وما تبعه من عدوان غاشم ينفذه الاحتلال الإسرائيلى حتى طباعة هذه السطور.

صحيح أن «طوفان الأقصى» حملت مكاسب عسكرية وسياسية وخلفت شهداء يصعب ذكر أعدادهم هنا لصعود المئات من أرواح الأبرياء كل دقيقة، لكنها طوفان هادر أسقط الأقنعة وفضح مكنون النفوس، لا حقوق للإنسان ولا دعم للديمقراطيات ولا حتى حصانة من قتل الأطفال فى سبيل تحقيق الأهداف السياسية.

Advertisements

سقط قناع الزيف عن أمريكا ورئيسها جو بايدن، الذى ساند القتلة فى الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتيناهو وعصابته الشريرة، الغرب المتحضر اتضحت عنصريته ويرى زعماء دوله أنه لا مكان للعرب (المسيحيين قبل المسلمين) على وجه الأرض، صادروا حقهم فى أوطانهم، وطل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ورفاقه من قادة الغرب بسلوكيات وتصريحات إعلامية أقرب فى وصفها بـ«الجعجعة الممجوجة» يوما مع إسرائيل وآخر مع فلسطين، والهدف ترضية كفيلهم العالمى «أمريكا»، وغاب عن الجميع الوازع الإنسانى والأخلاقى.

المنظمات الدولية التى طنت آذان البشر منذ عقود كشفت وجهها القبيح، وتبين أن قواعدها ولوائحها صنعت لتنفذ على الضعفاء، لا مجال لفرض قرار على إسرائيل، لم تعد عصبة الأمم، بل الأصح وصفها بـ«لعبة الأمم».

الإعلام الغربى الذى اعتقد العرب فى خيم الصحارى أنه منبر الحقيقة، ناله من طوفان التعرية ما يكفى للانصراف عنه، أسقطت عنه ستار الثقة العمياء مراسلة «سي إن إن» كلاريسا وارد، التى استبدلت دور الكاميرا من نقل الحقيقة إلى اختبار قادتها فى تمثيل الفزع والهرب من عدو وهمى يذبح الأطفال فى المستوطنات ويغتصب النساء، تناست أنه ذهب للدفاع عن أرضه ومصيره وليس لديه وقت كافٍ يمنحه رفاهية ممارسة الإباحية منتظرا قصفه قبل قذفه.

قديما قالوا: «جزى الله الشـدائد كـل خير.. عرفت بها عدوى من صـديقى». وهو ما حدث فى طوفان الأخلاق الذى كشف حقيقة الوجوه الفاعلة بأزمة غزة، الصورة لم تكن سوداوية فى كل جوانبها، وأظهرت فى المقابل وجوه رجال شرفاء من المشرق والمغرب ساندوا أبطال الأزمة؛ السنوار ورفاقه المرابطين هناك.

ساندهم رجال فى مواقع مختلفة لم يتركوهم فريسة لمحتل غاشم وأعوانه، هناك من يمتلك السلاح، واستخدامه بدون تفكير لم ينشغل بالعواقب، ومنهم من استغل وظيفته السياسية أو الدبلوماسية لمساندة شعب أعزل يتلخص حلمه فى أربعة جدارن ومقبرة تستر جثمانه فى أرضه.

الخلاصة، سقطت الأقنعة وتكشفت الحقيقة، رأينا وجوها عليها غبرة، وشاهدنا وجوها ناضرة.

ولأن التاريخ الحديث لا يرحم العقول ويسحب من الذاكرة مخزون دقائق لتقاطر الأحداث حولنا.. تقدم «فيتو» فى هذا العدد توثيقا لمواقف الرجال «الشرفاء والقتلة» فى أزمة غزة، ربما يعثر عليه شاب عربى يجهل ما حدث ولا تحتفظ طفولته البريئة بذكريات مؤلمة نتابعها يوميا. مساهمة متواضعة من المشاركين فى صياغة سطور فى مساندة القضية.

 

فى الحادى عشر من أكتوبر الماضي، وبعد وقوع العدوان الإسرائيلى بأربعة أيام..دخل “الطيب” على خط الأزمة مباشرة، بتوجيه نداء للحكام العرب بأن يتدخلوا فورًا لـ”وقف البغى على أهلنا فى فلسطين”.

“الطيب” –الذى يمتلك سجلًا حافلًا بمثل هذه المواقف الجريئة والشجاعة- استغل انعقاد قمة عربية فى العاصمة السعودية “الرياض”، وخاطب القادة العرب قائلًا: “إن رد العدوان عن إخوتنا فى فلسطين واجب دينى وشرعى ومسؤوليتكم أمام الله”، مردفًا:”كلنا أمل فى أن تُسخِّروا كل ما آتاكم الله من قوة وعتاد لوقف البغى الصهيونى على أهلنا فى فلسطين”.

شيخ الأزهر الشريف أكد فى ندائه العاجل إلى القادة العرب “ضرورة التدخل بسرعة لوقف العدوان والإبادة الجماعية التى يتعرض لها الشعب الفلسطيني، والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية للإخوة الفلسطينيين، والوصول إلى حلٍّ عاجل لوقف شلالات الدماء البريئة، التى يعلم الله والناس جميعا فى الشرق والغرب أنها بريئة، ووضع حد لهذه القسوة التى لا تحتملها طاقة بشر”.

كما شدد الإمام الأكبر –الذى أتمَّ عامه الثامن والسبعين يوم السبت الماضي- فى رسالته على أن “ردَّ العدوان عن إخوتنا فى فلسطين “هو واجبنا الدينى والشرعي، كما أنه مسؤوليتنا جميعًا أمام الله عز وجل، حكامًا كنّا أو محكومين”، مختتمًا إياها بقول الله تعالى: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”.

ومع استمرار العدوان الغاشم على قطاع غزة.. جدد “الطيب” نداءاته لإنقاذ الفسطينيين، حيث أكد قبيل نهاية شهر أكتوبر الماضى بثلاثة أيام أن “التاريخ لن يرحم مَن تخاذلوا فى الدفاع عن الفلسطينيين الأبرياء، وكلَّ مَن دعم استمرار هذا الإرهاب الصهيوني”. 

فى هذه المرة تجاوزت رسالة “الطيب” –الذى يقود الأزهر الشريف منذ العام 2010- النطاق الإقليمى والعربى إلى العالمى حيث قال فى رسالته: “واجبٌ على الأمة العربية والإسلامية وكل أحرار العالم التكاتف لإيجاد حلٍّ فورى لإنقاذ هذا الشعب المظلوم فى فلسـطين”، منوهًا إلى أن “الشعب الفلسطينى يُمارَسُ ضده مجزرة إنسانية لم يعرف التاريخ الإنسانى مثيلًا لها”.

وفور وقوع مجزة جباليا نهاية أكتوبر الماضي..أصدر الأزهر الشريف بيانًا جديدًا جاء فيه: “لقد تحول العدو الصهيونى فى الآونة الأخيرة إلى ذئب هائج مُصاب بسعار قتل الأطفال والنساء والأبرياء، والتلذذ بأكل لحومهم وشرب دمائهم بلا رادع ولا رقيب، ويشجعه على ذلك صمتٌ كصمت الموتى فى قبورهم أصاب عالمنا الدولي، وشل إرادته وقدرته عن لجم هذا الكيان، ووضع نهاية لوجباته الدموية اليومية من أطفال غزة ونسائها وشيوخها وشبابها”.

الموقف الجسور لشيخ الأزهر الشريف من الغطرسة الصهيونية –سواء فى العدوان الأخير أو ما سبقه من اعتداءات أخرى على المسجد الأقصى والفلسطينيين- دفع معهدًا تابعًا للمخابرات الإسرائيلية إلى شن هجوم عنيف يستهدف “الطيب”، ويتهمه بدعم التيارات المتطرفة، ويحرض الدولة المصرية ضده.

فى الأول من نوفمبر الماضي..أصدر معهد دراسات وأبحاث الأمن القومى الإسرائيلى “INSS” تقريرًا دان فيه غضب “الطيب” من أجل الفلسطينيين، واتهمه بدعم الحركات المتشددة فى المنطقة، على خلفية مجموعة من البيانات الغاضبة التى أصدرها منذ وقوع العدوان الإسرائيلي، وناشد العالم فيها نصرة الفلسطينيين، مُنتقدًا ما وصفه بـ”الخطاب العدائي” الذى يقوده “الطيب” ضد إسرائيل.

ويوم الأربعاء الماضي..زار شيخ الأزهر الشريف، البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لتهنئته  بمناسبة أعياد الميلاد.

وخلال اللقاء.. أكَّد “الطيب” أنَّ “ما يحدث على أرض فلسطين لم يعرفه تاريخ البشاعات ولا الشناعات ولا الجرائم من قبل”، مشددًا على أنَّ “ما يحدث لا يمكن أن يكون حربًا؛ لأنَّ الحرب تقوم بين طرفين متكافئين، وإنَّما ما يحدث هو إبادة جيش مسلح مدجج بأعتى الأسلحة لمواطنين أبرياء، فما نراه يوميًّا ولطيلة أكثر من ثلاثة أشهر هو إرهاب صريح، وقتل وكراهية، وإبادة جماعية، وتطهير عرقي، واستباحة لدماء المواطنين الأبرياء فى ظلِّ عجزٍ عالميٍّ مخزٍ”.

واقترح “الطيب” إنشاء لجنة مشتركة تجمع الأزهر والكنائس المصريَّة، لمتابعة ما يحدث فى غزة لحظة بلحظة وعلى مدار الساعة، والخروج بصوتٍ واحدٍ منادٍ بوقف هذا العبث والحقد والقتل والإرهاب  وتقديم يد العون والدعم المادى والمعنوى للفلسطينيين.

ويحرص الأزهر الشريف على ضخ مساعدات إنسانية منتظمة لقطاع غزة منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى عليه،.

 

الجريدة الرسمية