رئيس التحرير
عصام كامل

الكابوس

يبدو أن شهر أكتوبر سيتحول إلى كابوس في إسرائيل بعد 6 أكتوبر من 50 عاما في حرب أكتوبر المجيدة 1973 ثم في 7 أكتوبر 2023 في غزة، والمصادفة تصر على الحضور رغم تزحزح التاريخ يوما في العدد لكن توحد اليوم في المسمى والمناسبة وهو يوم السبت وهو عيد الغفران لدى اليهود.

 

ولمن يستغرب وأنا منهم (مازالت عندي القدرة على الاندهاش) من هذا الحشد والدعم الغربي العسكري والسياسي والاقتصادي اللامحدود لإسرائيل في حربها على غزة، وغض الطرف عن سبب المشكلة الأساسي بأن هناك وطنا مغتصبا وشعبا مشردا، ومن بقي أعزل ومهدد بالقصف والموت في كل لحظة.

Advertisements

 

علينا أن نعيد قراءة التاريخ وربطه بالحاضر ليزول سبب الاندهاش لأنه لا يمكن أن تأتي الأساطيل الأمريكية والبريطانية وحاملات الطائرات... إلخ من أجل مواطنين عزل، ولكن الهدف واضح هو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد وتنفيذ صفقة القرن بالسيوف الحديدية بعد أن رفضها الحكام والشعوب صراحة أو ضمنا، بالأضافة طبعا لترويع من يفكر في التدخل في الصراع.

 

في البداية إذا كان البعض يفسر الحشد الغربي إلى الشعور بعقدة الذنب لدى الأوروبيين عامة والألمان على وجه الخصوص بسبب الهولوكست أي المحرقة التي أقامها الزعيم الألماني هتلر لليهود وغيرها من الأساطير الصهيونية فعلينا أن نسترجع بعض الحقائق والأرقام لنكتشف زيف هذا الشعور..

الصهاينة الجدد ودروس هتلر

إذا كان الألمان يشعرون بالذنب للدرجة التي يمنعون فيها أي متظاهر يرفع العلم الفلسطيني، ومثلهم بعض الدول الأوروبية فلماذا لا يفتحون باب العودة للأولاد والأحفاد للرجوع إلى موطنهم الأصلي ألمانيا آو بولندا أو بعض الدول الأخرى وتعويضهم عما حدث لأجدادهم بدلا من الدعم اللامحدود لليهود للاستيلاء على وطن جديد –فلسطين- وطرد أهله منه.

 

أو لماذا لا تمنح أمريكا مساحة من أرضها  للصهاينة من المساحات المترامية عندها لإقامة وطن لهم، فالأرض الأمريكية في الأساس كانت ملك للهنود الحمر واغتصبوها منهم ولا يعنى الأمر شيئا أن تعطى الأم المغتصبة جزءا مما اغتصبته لابنتها إسرائيل.

 

وإذا كانت المحرقة قد حدثت لليهود في أوروبا كما تقول إسرائيل وحلفاؤها، فالسؤال لماذا تقصرون هذه المحرقة على اليهود فقط رغم أن ملايين غيرهم قد تعرضوا للتطهير العرقي مثلما تعرضوا، بالإضافة أن القليل من يهود أوروبا هم الذين سافرو إلى إسرائيل بعد هذا الاضطهاد.. 

 

وإذا كان لهم بعض العذر فما هو العذر في استقدام الملايين من أفريقيا وآسيا في عمليات تهجير استيطاني حتى الآن رغم مخالفته للقوانين الدولية من جهة ومن جهة أخرى التهجير القسري المستمر لأصحاب الأرض.

 

وإذا كان الضمير العالمي مستيقظا عند محرقة اليهود التي تم تضخيم اعدادها لتصل إلى 6 ملايين رغم أن اللوحة الموجودة في معسكر بولند ا الشهير هي مليون ونصف، وكانت 4 ملايين في البداية، لكن السؤال ماذا عن المحارق التي أقامها هتلر أيضا للملايين من الجنسيات والديانات الجري ولا تجد من يدافع عنهم مثل الصهيونية.

 

وإذا كانت أرض الميعاد هي الحجة التي يسوقها الصهاينة لليهود في العالم للقدوم إلى فلسطين، فلماذا يتناسى الجميع أن فلسطين لم تكن المكان الوحيد للصهيونية العالمية في ذهن ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية لإقامة وطن لليهود القادمين من كل بلاد العالم فقد كانت هناك عدة أماكن مقترحه مثل أوغندا وقبرص وطرابلس والأرجنتين وموزمبيق والكونغو.

 

يعنى حكاية أرض الميعاد خرافة صهيونية مثل خرافة المحرقة حتى لو اعترفنا بجزء منها في إطار عنصرية الغرب وليس عنصرية العرب.

 

أعتقد أن تحويل إسرائيل إلى دولة دينية على يد الصهاينة الجدد في إسرائيل وأمريكا وأوروبا الآن قد بالغوا في تطرفهم عن تطرف جدهم ثيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية الذي أكد أن الصهيونية مذهب سياسي استعماري لا ديني وقومي، ولد من النزعة القومية الأوروبية وليس من رحم اليهودية بدليل أقوال هرتزل: إننى لا أخضع لأي وازع ديني وأن مشروعي مشروع استعماري وبدليل قبوله لأي مكان مثل الكونغو وموزمبيق والأرجنتين.. إلخ  لإقامة وطن لهم.

 

لابد من البناء الفكري على آراء العديد من أصحاب الضمائر في إسرائيل الذين يفصلون بين ما يحدث وبين الديانة اليهودية مثل الحاخام هيرش الذي قال إن الصهيونية تريد أن تعرف اليهودية بأنها كيان قومي.. وهذه بدعة!!

 

إذا كان هرتزل وآخرون استغلوا أسطورة العودة وحولوها إلى واقع تاريخي في فلسطين فيكون السؤال: إذا كان من حق من عاش أجداده في مكان بضع سنين أن يطالب بحقه في المكان، فلماذا لا يطبق العرب ذلك في الأندلس وأوروبا وكل البلاد التي فتحوها واستقروا فيها مئات السنين، ومثلهم في ذلك العديد من الشعوب التي احتلت أو استعمرت أو اغتصبت أوطانا في سالف الزمان، أليس حقهم الآن طبقا للنظريات الإسرائيلية والغربية الآن أن يطبقوا هذه النظريات على أوطانهم القديمة؟!

 

 

لقد تعلم الصهاينة الجدد من هتلر أن التاريخ لا يسير وفق مشيئة الروح، لكن يسير وفق مشيئة القوة وبوسع الشعب إذا كان قويا أن يقتل كيفما شاء دون خوف من العقاب.. وها هم يفعلون!!
yousrielsaid @ yahoo. com

الجريدة الرسمية