رئيس التحرير
عصام كامل

غازي عنتاب.. أرض الزهور السوداء والموناليزا الحزينة

 غازي عنتاب التركية،فيتو
غازي عنتاب التركية،فيتو

هل شممت يوما عطر زهرة سوداء اللون ؟ هل شاهدت مدينة نصفها تقريبا غارق تحت سطح الماء؟ هل شاهدت لوحة  لفتاة تري نظرة عينيها الحزينة من كل اتجاه ولكنها لوحة  فسيفساء بأحجار صغيرة نادرة ؟ هل أكلت فطيرة الفستق بالجبن الساخن الشهي ؟ هذه أشياء موجودة فقط في مدينة غازي عنتاب التركية، فما هي تلك المدينة المليئة بالأسرار والغموض والطعام الجميل ؟ 

 غازي عنتاب التركية

تقع غازي عنتاب قرب حدود تركيا مع كلا من العراق وسوريا ويمر بها نهر الفرات،و تقع اعلى خط طريق الحرير التاريخي، لذللك كانت حلقة وصل بين بلاد الأناضول والشرق الأوسط وقد تأثرت غازي عنتاب بالزلزال الذي حدث  فبراير الماضي، وسر السحر فى المدينة بجانب سكانها الطيبين يتمثل في كونها معبر لعدة حضارات مثل الحوثيين  والحضارة الرومانية والفارسية والسلاجقة  وعبرها الإسكندر الأكبر بقواته وكذلك الصليبين والحضارة الإسلامية من ايوبين ومماليك والدولة العثمانية كما غزاها البريطانيين ١٩١٩ ثم الفرنسيين ١٩٢١  وعادت المدينة للدولة التركية الحديثة عام ١٩٢٣، وكانت أول بطاقة شخصية تم إصدارها للزعيم التركي أتاتورك برقم 001 من مدينة غازي عنتاب نظرا لكونها ملتقى الحضارات، وايضا يقع سحرها في القصص الخيالية الكثيرة التي تتردد حولها بسبب قدمها ويقال ان الإسكندر الأكبر بعدما قضى على حكم الفرس في المدينة جاء بعده ملك قام ببناء مدينتين بجانب بعضهما يربط بينهما جسر واحدة منهم على اسمه والأخرى على اسم زوجته وكان يعيش فيهما علية القوم الأغنياء من تجار وغيرهم وكانت بيوتهم مليئة باللوحات  الفسيفساء المصنوعة من أحجار ملونة كانت موجودة على ضفاف نهر الفرات وهي لوحات أية في الجمال تحكي عن آلهة البحار والأنهار وافروديت إله الجمال وغيرها من الألة أدى الإنسان القديم.

Advertisements

 إلا أن تلك المدن التاريخية غرقت بأكملها تحت مياه نهر الفرات بسبب بناء سد أتاتورك الذي يعد  أكبر سد في تركيا بسعة مائية  تبلغ 48.7 مليار متر مكعب ولكن  تم تجميع بعض من أجمل تلك اللوحات من الفسيفساء قبل غرقها تحت النهر وعرضها في متحف الفسيفساء في المدينة، وتعتبر لوحة الغجرية نموذج  مشابه ولكن بالفسفساء للوحة الموناليزا حيث تنظر الفتاة بنظرة كلها حزن وشجن وقلق وكانها تنظر للفراغ امامها وتتنبأ بما سيحل بالمدينة من مأساة بسبب الغرق بعد بناء سد أتاتورك،  و يمكنك أن تري في نهر الفرات مساجد غارقة  يظهر فقط نصف مأذنتها العلوي  فوق النهر  والنصف الاخر والمسجد اسفل المياه، فهناك مدينة عائمة يظهر جزء صغير منها أعلى النهر كان يعيش بها الاف من البشر وتم تهجيرهم بسبب السد،و تشتهر المدينة ايضا بزراعة الزهرة السوداء النادرة الموجودة فقط في تلك المنطقة من العالم منطقة خلقتي على الضفة الشرقية لنهر الفرات.

والحقيقة أن لونها قرمزي غامق جدا وهي زهور موسمية حيث تنمو في فصل الصيف فقط في قرية القرية الصغيرة بفضل طبيعة التربة الفريدة من نوعها في المنطقة ومستويات الحموضة في المياه الجوفية، والتي تتسرب من نهر الفرات وخلال فصل الربيع تنمو باللون الأحمر الداكن ثم تتحول إلى الأسود خلال أشهر الصيف.

ويعتبر الأتراك المحليون هذا النوع من الورود رمزا للغموض والأمل والعاطفة وكذلك الموت والأخبار السيئة، ومع الأسف هذا النوع النادر من الورود مهدد بالانقراض وذلك نتيجة انتقال سكان قرية هالفيتى التركية عند بناء السد حيث غمرت المياه قرية هالفيتى القديمة وعدة قرى أخرى تحت مياه الفرات عندما تم بناء السد، وقد بذل المسئولون بعض الجهود لحفظ الورود حيث قاموا بجمع شتلة من منازل القرية وزراعتها بالقرب من بيئتهم الأصلية، مما ساعد فى المحافظة على هذا النوع قليلا.
و تعد مدينة غازي عنتاب من ضمن 163 مدينة اعلنتها منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونسكو مدنا مبدعة وهي المدينة التركية الوحيدة الحاصلة علي هذا اللقب.

و تحاول تركيا حاليا إعادة مدينة غازي عنتاب الخريطة السياحية ورسم صورة لها مختلفة عن ما اكتسبته في سنوات سابقة خاصة بعد الزلزال المدمر الذي شهدته المدينة ولهذا تم دعوة وفد إعلامي مصري من قبل وزارة السياحة التركية لزيارة المدينة والتعرف عليها.

وعندما تسير بالسيارة في ضواحي غازي عنتاب لابد أن تري أشجار الفستق في كل مكان  فأهل المحافظة معروفين بنشاطهم الزراعي، ففيها تنتشر كروم العنب ومعاصر الزيتون ومزارع الفستق التركي الشهير الذي يعرف في تركيا باسم الفستق العنتبلي، وهو من أكثر أنواع الفستق التركي جودة وأغلاها ثمنا، كما تعرف بكثرة الصناعات الغذائية التقليدية الشهيرة في تركيا كالكباب العنتبلي واللحم بالعجين وحلوى البقلاوة، فالطعام هنا من أشهر وأجود الاكلات خاصة الفطير بالفستق والجبن واسمها كاتمير  و اللحوم المشوية.


و هناك سوق قديم للنحاسين يشبه خان الخليلي اسمه بازار باكيرجيلار ويباع فيه المنتجات النحاسية كما تتميز المدينة بأحذية اليمني وهو أشبه بالخف المصنوع من الجلد  و قد ظهر في عدة افلام مثل طروادة واسبرطة، 
و ايضا يوجد في كل مكان محال يتدلي من سقفها المنتجات الغذائية المجففة بألوانها الزاهية مثل الباذنجان والفلفل الاخضر والأحمر والكوسة والبامية في إشكال مبهجة وهم يقومون بتجفيفها لاستخدامها طوال العام في طهي المحاشي التي يحبونها،
و تشير  المرشدة السياحية نيلوفا بيكتيش ان   تقديم  الشاى علي الإفطار يعد  أمرا أساسيا في غازي عنتاب كما لايزال لدي الأتراك  تقليد ان تجتمع الصديقات مرة أسبوعيا في  منزل  واحدة منهم ويتم تقديم الطعام وتشارك كل واحدة بأكلة قامت بطبخها ويقضين اليوم في الحديث والاطمئنان على بعضهما. 

وتطل محافظة غازي عنتاب - التي تبلغ مساحة أراضيها 7642 كيلومترا مربعا و تأسست عام ٨٥٥ قبل الميلاد - على خليج الإسكندرونة جنوب شرق هضبة الأناضول بمنفذ ضيق من ناحية الشمال، وتتصل من الشرق بولاية أورفا التي ينسب إليها مولد نبي الله إبراهيم عليه السلام، بينما تقع ولاية كهرمان ماراس إلى الشمال منها، وتجاورها من ناحية الغرب ولاية أضنة.
يرجع تاريخ غازي عنتاب إلى عهد الحثيين الذين أسسوا إمبراطوريتهم في بلاد الأناضول قرابة عام 1600 قبل الميلاد، ثم خضعت لحكم العديد من الإمبراطوريات والدول التي تعاقبت على بلاد الأناضول كالكلدانيين والبابليين والآشوريين والفرس والمقدونيين والإغريق والرومان والبيزنطيين والأرمن والساسانيين والعرب.
و يرجع البعض تسمية المدينة عنتاب  إلى لفظ "خانتاب" الذي يعني باللغة الحثية أرض الملوك، أما باللغة الفارسية فتعني "الربيع المكتمل".

وبالأصل الآرامي للغة العربية فإن كلمة عين تعني الربيع وكلمة تاب تعني العبير، مما يمنح الكلمة المركبة معنى "عبير الربيع"، وهي سادس المحافظات  التركية من حيث عدد السكان حيث يوجد في تركيا  ٨١ محافظة،وعرفت المدينة بـ"عنتاب" لكن البرلمان التركي أضاف إلى اسمها كلمة "غازي" عام 1921.


ويعتقد أن غازي عنتاب هي المكان الذي أقيمت فيه مدينة هيلنيستك التي بناها قدامى الإغريق، ودخلها الإسلام على يد العرب الأمويين في 661م، ثم وقعت بأيدي العباسيين في 750م وبقيت تحت حكمهم حتى تفككت دولتهم، فتداول السيطرة عليها الطولونيون الإخشيديون والحمدانيين، إلى أن وقعت بيد الاحتلال البيزنطي عام 962 ميلادي.ثم استعاد الأتراك السلاجقة المسلمون المدينة عام 1067م، ثم وقعت بأيدي الصليبيين عام 1098، فاسترجعها السلاجقة مجددا في 1150، وتعاقب على حكمها الأرمن وأسرة زنكي والأيوبيين والمماليك، ثم بسط العثمانيون سيطرتهم على غازي عنتاب بعد معركة مرج دابق عام 1516 في عهد السلطان سليم الأول، فبقيت تحت حكم العثمانيين حتى سقوطها وقيام الجمهورية التركية الحديثة 1924.


توجد في المدينة عشرات المساجد و المتاحف ومنها متحف الفسيفساء  ومتحف العصر الحجري الحديث والعصر النحاسي وغيرها، إضافة إلى حديقة حيوانات كبيرة وفنادق ومتنزهات وحمامات تركية، 
ويزيد عدد سكان الولاية  على مليون و367 ألف نسمة، أصولهم خليط من القوميات أكبرها الكردية ثم التركية مع أقلية من الشركس والعرب.

وكانت المدينة في الأصل تتبع بلاد الشام فهي لا تبعد عن مدينة حلب السورية 97 كيلومترا، لكن تركيا ضمتها بموجب معاهدة أنقرة  التي وقعتها مع فرنسا عام 1920، وتحكي  معالم المدينة وما حولها لنا ونحن نسير في اروقتها  بقصة التاريخ الساكن بين جنباتها، ففيها مدينة زقمة الأثرية على نهر الفرات والتي اتخذها الرومان عاصمة لفيالقهم، وقلعة غازي عنتاب العائدة للعصر البرونزي والتي يتم ترميمها حاليا بعد ان تأثرت بشدة بسبب الزلزال، وتقع القلعة  على تلة مغطاة بالصخور العالية، فيما يلتقى نهر الفرات مع مجرى مرزيمين، ويعود تاريخها إلى أواخر العصر الرومانى، والقرون الوسطى، كما تظهر فيها كنيسة القديس نرسيس ودير بارشافما، و«الروم الحمصية»، كما يطلق عليها البعض، وهي قلعة تاريخية تطل على نهر «سيحان»، ويذكر المؤرخون أنه على مر العصور، تعرضت قلعة الروم للعديد من الهجمات والتدمير، وتم إجراء عمليات ترميم وإعادة بنائها، والقلعة تظهر عليها العمارة الرومانية والبيزنطية والسلجوقية والعثمانية وتقول بعض الروايات إن القديس يوحنا أقام في الجرف الصخري خلال العصر الرومانى، ونسخ الإنجيل بها وخبأ النسخ في إحدى مغارات الجرف، قبل أن ينقلها في وقت لاحق إلى العاصمة اللبنانية بيروت
و تشتهر غازي عنتاب أيضا بكنيسة كندرلي التي بنيت عام 1860 على أيدي المبشرين الفرنسيين في عهد نابليون الثالث، واستمرت سنوات   كنيسة للأرمن  و تعد حاليا  مزار للسياح، إضافة إلى المساجد العريقة التي يحكي كل منها سيرة العصر الذي بني فيه كمسجد البويجي والشرواني والعمرية.

وتنظم المدينة بالتعاون مع مديرية الثقافة والسياحة التركية  كل عام المهرجان الدولي للثقافة  وفنون الطهي الذي أقيم الأسبوع الماضي ويشارك فيه طهاة محليون وعالميون  و يقام فيه احتفالات محلية وعروض مسرحية للأطفال ويهدف المهرجان للتعريف بالمأكولات المميزة لمدينة غازي عنتاب كما يقوم الطهاة المشاركين من مختلف دول العالم بني وصفات الطعام في دولهم والتعريف بها.


ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية