رئيس التحرير
عصام كامل

أفغانستان بعد عامين من حكم طالبان، منع الفتيات من المدارس والجامعات، إغلاق الإذاعات، و85 % من السكان تحت خط الفقر

الأفغانيات تحت حكم
الأفغانيات تحت حكم طالبان، فيتو

قبل عامين من الآن، وبالتحديد في يوم 31 من أغسطس 2021 تغيرت الأوضاع في أفغانستان، إذ خلت الدولة الواقعة في وسط آسيا، من الوجود العسكري الأمريكي، وأحكم عناصر حركة "طالبان" قبضتهم على السلطة مجددًا، بعد أن كان صعودهم إليها "ضرورة أمريكية لاجتثاث الإرهاب والتطرف" في أعقاب أحداث سبتمبر 2001.

وبمثل الفوضى التي كان عليها الانسحاب الأمريكي في الـ30 من أغسطس قبل عامين، لا تزال أفغانستان عالقة في "نفق الخروج" من الوجود الأمريكي بحسب توصيف بعضهم، حيث اختصر مشهد آلاف العالقين في طائرات الإجلاء الدولية هول الكارثة التي وقعت على أولئك البسطاء.

Advertisements

منع الفتيات من الذهاب للمدارس والجامعات

بعد سنتين من حكم طالبان، يعيش الشعب الأفغاني انتكاسة ضربت حياته، إذ منعت الفتيات من الذهاب إلى المدارس والجامعات وأعيد فرض القواعد المتطرفة التي تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية، وبات الاقتصاد في وضع مزرٍ مع تفاقم الأزمة الإنسانية، إضافة إلى إغلاق وسائل الإعلام المستقلة بما في ذلك الصحف ومحطات الإذاعة واعتقال المتظاهرين والصحفيين والنشطاء، فكان أولئك الـ76 ألف شخص الذين استطاعوا الهرب في الطائرات الأمريكية عام 2021، في أكبر جسر جوي في التاريخ الحديث، هم المحظوظون أو الناجون الذين استطاعوا النجاة من جحيم عاشوه قبل 20 عامًا.

اقرأ للمزيد: في الذكرى الثانية لسقوط كابول، أمريكا ترهن العلاقات مع طالبان بحقوق النساء والفتيات

وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت في يونيو الماضي تقريرها الذي طال انتظاره "مراجعة ما بعد العمل في أفغانستان"، الذي وجد أن قرارات كل من إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن بسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان كانت لها عواقب وخيمة، وأوضح بالتفصيل أوجه القصور التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية الحالية، التي أدت إلى الانسحاب القاتل والفوضوي من ذلك البلد بعد ما يقرب من عقدين من الزمن. 

وأكدت أن سقوط حكومة الرئيس أشرف غني علي يد حركة "طالبان" يرجع إلى قرارات الرئيسين في شأن إنهاء المهمة العسكرية الأمريكية، إذ فقدت الحكومة الأفغانية القدرة على الاستمرار والأمن.

طالبان أحكمت قبضتها قبل عامين، فيتو

يؤكد أستاذ السياسية المتخصص في الأمن الإنساني والقانوني الدولي بجامعة "ماساشوتس" تشارلي كاربنتر أن غالبية الأفغان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الساحق، والهجمات الإرهابية آخذة في التزايد، وتنتشر عمليات الإعدام ضد المعارضة السياسية، وتحذر جماعات حقوق الإنسان من إبادة جماعية محتملة ضد أقلية الهزارة، وغيبت النساء إلى حد كبير من الحياة العامة، ومنعن حتى من العمل في المنظمات غير الحكومية، كما أن حالات الانتحار بين النساء آخذة في الارتفاع، ويلقن الأولاد الذين يمكنهم الوصول إلى التعليم أفكارًا متطرفة.

هروب 1.6 مليون شخص

ويرى كاربنتر أن أولئك الأفغان الذين هربوا عبر الحدود البرية لباكستان وإيران وطاجكستان، الذين يبلغ عددهم نحو 1.6 مليون شخص، يواجهون معاناة أخرى في مخيمات اللاجئين حيث ينتظرون لسنوات قبل أن تعالج طلبات اللجوء الخاصة بهم.

طالع أيضا: بعد الهروب من طالبان.. أفغان في انتظار "حلم اللجوء" في أميركا

تدهور الوضع في البلاد وصار الاقتصاد "في حال سقوط حر"، وفق وصف الأمم المتحدة التي حذرت من كارثة إنسانية في أفغانستان، إذ يعيش نحو 85 % من السكان تحت خط الفقر مع استمرار الاقتصاد في الانكماش واختفاء الوظائف وانهيار الخدمات الحكومية، ويهدد سوء التغذية أكثر من مليون طفل أفغاني، وتشهد أنظمة الرعاية الصحية فشلًا ذريعًا مع انخفاض كبير في الخدمات الأساسية، ووفق الأمم المتحدة تضاعف عدد الأفغان الذين يعيشون في فقر تقريبًا ليصل إلى 34 مليونًا منذ استيلاء "طالبان" على السلطة.

ولا تتوافر بيانات تعداد معاصرة لأفغانستان، لكن الأمم المتحدة تستخدم تقديرًا لعدد السكان يبلغ 40 مليونًا، مما يعني أن من المتوقع أن يكون 85 في المئة من السكان في حال فقر. 

أمراض سوء التغذية تنهش الأطفال، فيتو

وكشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أبريل الماضي، أن "بعض الأفغان اضطروا إلى بيع منازلهم أو أراضيهم أو أصولهم التي تدر دخلًا"، "ولجأ آخرون إلى الممارسة المؤلمة المتمثلة في تحويل أفراد أسرهم إلى سلعة، فتحول الأطفال إلى عمال والبنات الصغيرات إلى عرائس".

تراجع المساعدات الدولية

وانتهت الإعانات الأجنبية وتقلصت برامج المساعدات الدولية بشكل كبير بعد سقوط البلاد عام 2021، حيث رفض عديد من الدول التعامل مع سلطات "طالبان" في كابول، بينما تعرضت المنظمات غير الحكومية التي لا تزال تقدم المساعدة الحيوية لضربة أخرى في ديسمبر من العام الماضي عندما أصدرت حكومة "طالبان" أمرًا يمنع النساء الأفغانيات من العمل لديها، كما مدد الحظر في أبريل الماضي ليشمل الموظفات الأفغانيات في الأمم المتحدة. 

اقرأ كذلك: بيان للرئيس بايدن في الذكرى الثانية لإنهاء الحرب في أفغانستان

 

وأشارت المنظمة إلى أنها تواجه "خيارًا مروعًا" في شأن مواصلة برامج المساعدات، وإذا اضطرت إلى تقليص عملها بسبب القيود التي تفرضها "طالبان"، فسيكون لذلك تأثير مزدوج يتمثل في خفض المساعدات وقطع شريان الحياة الاقتصادي الحاسم للأفغان.

وذكر الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفغانستان عبدالله الدردري في بيان، "إذا خفضت المساعدات الخارجية هذا العام، فقد تسقط أفغانستان من حافة الهاوية إلى الهاوية"، فبينما بلغت المساعدات الخارجية لأفغانستان 3.7 مليار دولار عام 2022 استفاد منها 26.1 مليون أفغاني، مما منع الانهيار الكامل للبلاد وأسهم في تحسين مؤشرات استقرار سعر الصرف وانخفاض التضخم، لكن بعض برامج المساعدات الخارجية توقف بالفعل، وأعلنت هيئة الصليب الأحمر في وقت سابق من العام الحالي وقف المساعدات لـ25 مستشفى في أفغانستان بنهاية 2023 بسبب نقص التمويل.

وضع النساء

أوضاع النساء مستمرة في التدهور في أفغانستان مع فرض سلطات "طالبان" تطبيقًا صارمًا للشريعة منعت بموجبه الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية، والنساء من العمل في عديد من الوظائف الحكومية ومع المنظمات غير الحكومية باستثناء بعض القطاعات، كما منعتهن من السفر من دون محرم، وأجبرتهن على ارتداء النقاب خارج المنزل. ووفق هيئة الإذاعة البريطانية أظهرت دراسة أجراها مركز "أفغانستان" للدراسات الوبائية في ولاية هيرات، ونشرت في مارس من هذا العام، فإن ثلثي المراهقين الأفغان أبلغوا عن أعراض الاكتئاب، كما دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر في شأن "انتشار قضايا الصحة العقلية وتصاعد حالات الانتحار".

وضع النساء والفتيات في أفغانستان "هو من بين الأسوأ في العالم"، فيتو

من جانبه، قال المقرر الأممي الخاص لأفغانستان ريتشارد بينيت: إن وضع النساء والفتيات في أفغانستان "هو من بين الأسوأ في العالم". 

وأكد أن التمييز الخطر والمنهجي والمؤسسي ضد النساء والفتيات هو في صميم أيديولوجية "طالبان" وحكمها، مما يثير مخاوف من احتمال كونهم مسؤولين عن الفصل العنصري بين الجنسين، وقالت نائبة المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ندى الناشف "خلال الأشهر الـ22 الماضية قيدت كل جوانب حياة النساء والفتيات" في أفغانستان.

ومع فرض حظر على عمل النساء اضطرت منظمات عدة إلى تعليق عملياتها، وفي حين منح استثناء للعاملين في القطاع الصحي بعد أيام من الجدل، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن 150 منظمة غير حكومية ووكالة إغاثة "أوقفت عملها كليًا أو جزئيًا".

النساء في أفغانستان، أظهرن شعورًا باليأس من انقلاب حياتهم رأسًا على عقب بين عشية وضحاها. 

فمثلا، قالت ليما، وهي طبيبة شابة: "إن المستقبل أصبح غامضًا جدًا بالنسبة إلى الجميع"، وخصوصا بالنسبة إلى النساء، "قبلًا كانت الحركة تقوم بتفجيرات وهجمات مميتة، لكن الجميع كان يمارس حياته بحرية، كنا ندرس، ونذهب إلى العمل.. الآن كل شيء تغير، عقولنا أصبحت مضطربة".

أحداث أغسطس 2021

وحكت الطبيبة الشابة عن أحداث أغسطس 2021، التي تشبه كثيرًا مشهدًا من فيلم "هوليوودي" دراماتيكي، انقلبت فيه الشاشة فجأة من النور نحو الظلام المخيف، مع دخول "وحوش الزومبي الذين يمكن أن يلتهموا أيًا من أفراد عائلتك أصدقائك أو أي شخص، بينما عليك أن تعيشي معهم في المكان نفسه، وتتظاهري بأن لا شيء حدث"، هكذا تصف ليما عناصر "طالبان" عندما دخلوا للسيطرة على العاصمة الأفغانية.

في وقت سابق، أفاد تقرير للأمم المتحدة بأن أكثر من 200 عملية قتل خارج نطاق القضاء لمسؤولين سابقين في الحكومة الأفغانية وقوات الأمن وقعت منذ سيطرة الحركة على البلاد قبل عامين، وأن الجماعات الأكثر استهدافًا من "طالبان" هي قوات الجيش والشرطة والاستخبارات السابقة.

تزايد حالات التخلص من الحياة بين الأفغانيات، فيتو

 ورصدت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان ما لا يقل عن 800 انتهاك لحقوق الإنسان ضد مسؤولين سابقين في الحكومة الأفغانية وقوات الأمن في الفترة ما بين الـ15 من أغسطس 2021، عندما استولت "طالبان" على السلطة ونهاية يونيو 2023.

اقرأ للمزيد: منظمات غير حكومية تعلق نشاطها في أفغانستان بعد حظر عمل النساء فيها

ورغم تزايد المخاطر في أفغانستان تقول الإذاعة الألمانية إن أزمات البلاد باتت لا تحظى باهتمام كبير من المجتمع الدولي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر مع الصين في شأن تايوان، وعلى إثر ذلك يرى متخصصون مقاربة بين الوضع الحالي ووضع أفغانستان في أواخر تسعينيات القرن الماضي، إذ لم يدرك المجتمع الدولي في حينه التداعيات الخطرة لاستيلاء "طالبان" على السلطة عام 1996.

وحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في ألمانيا، تتنامى المخاوف الدولية من أن تصبح أفغانستان من جديد مأوى للجماعات الإرهابية وأن توفر ملاذًا آمنًا للإرهابيين، وذلك في ضوء الصلات الوثيقة بين "طالبان" وتنظيم "القاعدة" وغيره من مجموعات مثل شبكة "حقاني" وغيرها من الجماعات الإرهابية الإقليمية، فضلًا عن تعدد العوامل المسؤولة عن التهديد الإرهابي المتزايد في أفغانستان كالأزمات الاقتصادية والجفاف والفقر، في الوقت الذي باتت أزمات البلاد لا تحظى باهتمام كبير من المجتمع الدولي.

الجماعات الإرهابية في أفغانستان

وتنتمي الجماعات الإرهابية في أفغانستان إلى فئتين: تلك المتحالفة مع "طالبان" والمعارضة لها، ومن بين الحلفاء تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" الباكستانية وعدد من الجهاديين في آسيا الوسطى.. أما المجموعة الرئيسة المثيرة للقلق التي تعارض "طالبان" فهي تنظيم "داعش"، وكان مستشار الأمن القومي الباكستاني مؤيد يوسف، قد حذر خلال مشاركته في مؤتمر "ميونيخ" للأمن في فبراير العام الماضي، من "أن تهديد الإرهاب في أفغانستان لن يقتصر على حدود أراضيها إذا لم يتحسن الوضع الإنساني هناك".

وحسب إسفنديار مير من معهد الولايات المتحدة للسلام، فإنه في السنة الأولى من حكم "طالبان" بدأ تنظيم "القاعدة" يطل برأسه في أفغانستان، وبدأت المجموعة في المراسلة بشكل أكثر نشاطًا، وأصدر زعيمها آنذاك أيمن الظواهري تصريحات أكثر مما أصدره منذ فترة طويلة، إذ حرض بعضها على العنف، وكان وجود الظواهري في كابول بأفغانستان بمثابة ذروة نشاط تنظيم "القاعدة" بعد استيلاء "طالبان" على السلطة.

وأوضح أن حركة "طالبان" الباكستانية قامت، في ظل وجود الآلاف من المقاتلين في مختلف أنحاء شرق أفغانستان، بتوسيع وتصعيد عملياتها ضد باكستان بقوة، مما أسفر عن مقتل مئات من أفراد قوات الأمن الباكستانية، بل وحتى بعض المدنيين.

اقرأ أيضا: وزير خارجية طالبان ساخرًا من النظام الإيراني: عدد من أعدمتموهم أكثر من سجناء أفغانستان

 

وتكاد لا توجد دولة في العالم تعترف بحكومة "طالبان"، لكن مع ازدياد الأوضاع سوءًا في الداخل وما تحمله الأمور من تهديدات إقليمية ودولية أوسع، أصبح المراقبون يدعون إلى التعامل ببراجماتية مع الوضع في أفغانستان من خلال التعاون مع "طالبان". 

مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية طرحت في منتصف أغسطس، وجهة نظر مفادها أن العالم بحاجة للعمل مع "طالبان"، منتقدة التقاعس عما وصفته بـ"خوض حرب ثقافية في أفغانستان"، على رغم مرور عامين على استعادة الحركة السيطرة على البلاد. 

وأكدت ضرورة أن تعمل الأطراف الإقليمية وكذا الحكومات والمؤسسات الغربية على إقامة علاقات "عملية" أكثر مع "طالبان" وذلك من أجل ملايين الأفغان، كما نقلت شكوى مسئول من الصف الثاني في "طالبان" في شأن عدم قدرة الأطراف الإقليمية والغربية على الاتفاق على كيفية التعامل مع الحركة، التي تدير أفغانستان حاليًا، حتى بعد انسحاب القوات الأجنبية منها.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية