رئيس التحرير
عصام كامل

سموم طباخ الرئيس

تمرد دراماتيكي شهدته روسيا، تجرع خلاله الرئيس بوتين، سموم طباخه يفغيني بريغوجين، الذي صنعه بيديه ودعمه حتى أصبح قائد ميليشيا تحارب لصالح من يدفع أكثر، وقد استغلها بوتين نفسه بمعارك كثيرة، خصوصا في الشرق الأوسط وصولا إلى أوكرانيا، واعترف أنها ممولة من روسيا.

احترف يفغيني بريغوجين، في بدايته السرقة والسطو، وقضى في السجن سنوات، ليبدأ بعد ذلك صنع وبيع النقانق ويتشارك مع أصدقائه في مطعم ذاع صيته، وكان من رواده الرئيس بوتين، قبل أن يرتقي سلم المناصب السياسية.. 

Advertisements

 

من هنا نشأت العلاقة بينهما، ليستفيد اللص يفغيني بريغوجين، من نفوذ وسلطة بوتين ويصبح قريبا من رأس السلطة ويتحول إلى مالك شركة مطاعم وتوريدات غذائية مسؤولة عن تلبية احتياجات جهات حكومية عدة، وكذلك قائد عسكري ومرتزق مع تأسيسه ميليشيا فاغنر من المحاربين القدماء ونزلاء السجون وراغبي المال من مرتزقة العالم.

لم يقنع يفغيني بريغوجين، بما كدسه من ثروة وتوسع نشاط قواته في دول عدة، وأخذ يسعى إلى النفوذ والسلطة السياسية، خصوصا بعد الانتصار الذي حققه في أوكرانيا وسيطرته على أكثر من مدينة لم يستطع الجيش الروسي السيطرة عليها.

التمرد المسلح للمرتزقة أخطر ما واجهه الرئيس بوتين، منذ بدء حكمه قبل أكثر من عقدين، لذا اعتبر ما حدث خيانة وطعنة في الظهر، تنذر بجر روسيا إلى حرب أهلية، وتعهد بسحق التمرد المسلح واتخاذ إجراءات قاسية حيال المشاركين فيه.

فاغنر وأعداء بوتين


لم يتأخر رد قائد فاغنر، الذي اعتبر أن بوتين اتخذ الخيار الخاطئ وتجنب محاسبة قيادات الجيش، مؤكدا أنه سيكون لروسيا رئيس جديد قريبًا، قاطعًا بذلك أي أمل في المصالحة، كما وجه انتقادات عنيفة إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان، لأنهما حولا الجيش إلى جهاز علاقات عامة لتحقيق مصالحهما الخاصة، وأنه وجنوده سيطرا على مدينتين واقتربا من العاصمة موسكو دون أن يعترضهما أحد.

 

وفي وقت حبس فيه العالم أنفاسه، خشية تحول تمرد الميليشيا إلى حرب أهلية روسية، أُخمدت الفتنة المسلحة، باتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، على تسوية يغادر بموجبها قائد التمرد يفغيني بريغوجين، إلى بيلاروسيا مقابل إسقاط التهم الجنائية عنه وانسحاب قواته إلى ثكناتها، لتجنب إراقة الدماء في مواجهة داخلية. 

 

كما أتاح اتفاق التسوية لمقاتلي فاغنر غير المشاركين في التمرد، الانضمام لصفوف الجيش الروسي والتعاقد مع وزارة الدفاع، أو المغادرة إلى بيلاروسيا.

 

مع عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق كافة التي كانت احتلتها الميليشيا، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن ما حدث لن يؤثّر على العملية العسكرية في أوكرانيا، وأنّ القوات الروسية تصد بنجاح الهجوم الأوكراني المضاد.


في المقابل تعامل الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بصبيانية وشماتة مع انقلاب السحر على الساحر في روسيا، وفشل في استغلال الارتباك والصدمة في روسيا نتيجة التمرد المسلح، ولم تحقق قواته أية تقدم يذكر نتيجة تواجد وحدات الجيش الروسي في مواقعها وعدم مغادرتها.

 

معروف أن المرتزق لا مبدأ له ولا عقيدة، وهو يعمل ويقاتل ويتبنى أهداف من يدفع له أكثر، فكيف وثق الرئيس الروسي بوتين، وهو رجل مخابرات وسياسي محنك، في لص تحول إلى مرتزق وقائد ميليشيا، لأنه سيخونه إذا وجد من يدفع أكثر، وهنا ربما يكون أعداء بوتين، من الغرب وأوكرانيا قد استمالوا قائد فاغنر لشق الصف الروسي..

 

ثم لماذا يعفو عنه مقابل مغادرته، ويوافق على انضمام عناصر المرتزقة إلى الجيش الروسي، والأهم من هذا لماذا لم يعترض الجيش طريق المتمردين خلال استيلائهم على المدن الروسية حتى اقتربوا من العاصمة موسكو؟

 

ما حدث في روسيا أثبت انقسام وهشاشة الجيش المصنف ثاني أقوى جيوش العالم، وأكد وجود خلاف عسكري جعل قائد التمرد يطالب بنفوذ أكبر وسلطة وتغيير وزير الدفاع، خصوصا أن التقدم الأكبر في أوكرانيا حققته فاغنر وليس الجيش الروسي، قبل أن يعلن أخيرا أنه أقدم على التمرد المسلح حتى يلفت الانتباه إلى قرار وشيك من الجيش بحل شركة فاغنر العسكرية، مؤكدا ان استيلائه على المدن الروسية أثبت وجود خلل أمني يحتاج إلى معالجة سريعة، بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن الأخطاء العسكرية في الحرب مع أوكرانيا.

 

ما قاله قائد التمرد، أكده الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وأن الانقسام العسكري الروسي لم يُعالج كما يجب وأدى إلى التمرد، وانه تدخل في عقد صفقة لأنه إذا انهارت روسيا سنهلك جميعا، في ظل تربص الغرب بنا وسعي الناتو للتوسع على حساب منطقتنا.

 

 

ترحيب رئيس بيلاروسيا، بانتقال قائد فاغنر وقواته إلى بلده وامكانية استفادة وزارة الدفاع منهم، يشكل تهديدا مباشرا للدول المحيطة ببلده وهي أوكرانيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا، فضلا عن ترك الباب مفتوحًا لاستفادة روسيا من خدمات فاغنر بعد أن يحل الرئيس بوتين أزمة الثقة والمؤسسات ويعيد إحكام قبضته عليها.

الجريدة الرسمية