رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة الفقر السياسي

لم أشعر يومًا بأن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي حكومة سياسية أو تتمتع بالحد الأدنى من الحس السياسي، وأن وجودها بات خطرًا على النظام بأكمله، بعد أن أثبتت في مناسبات عديدة فشلها في تقديم حلول غير نمطية تجنبها الاقتراب من جيب المواطن، واختيار التوقيت غير المناسب لاتخاذ قرارات حساسة تمس صلب حياة المصريين الفقراء.

 

فمنذ أيام وعلى غير المتوقع، قررت الحكومة رفع أسعار الوقود، بعد أن أجلت اجتماع لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، الذي كان مقررًا له الأسبوع الأول من يناير الماضي، وكأنها تعمدت التأجيل لتفاجئ المصريين بالارتفاعات الجديدة في أسعار المحروقات، قبل أيام من حلول شهر رمضان المبارك، رغم علمها يقينا أن القرار سوف يترتب عليه ارتفاعات جديدة في أسعار كل السلع الأساسية وغير الأساسية، لتزيد معاناة المواطن معاناة فوق المعاناة.

 

وحتى لا نتهم بالتجاوز أو التهويل أو التضليل، فإن واقع لغة الأرقام يقول: أن دعم المواد البترولية قد ارتفع في مصر بشكل فعلى خلال النصف الأول من السنة المالية 2022 - 2023 بنحو 66 مليار جنيه، أو ما يُعادل 2.156 مليار دولار.. 

 

وهو ما جعل قيمة الدعم في ذلك القطاع ترتفع عن العام المالي الماضي بنحو 288% بسبب الارتفاعات المستمرة في أسعار النفط في الأسواق العالمية، وإقدام الحكومة على تعويم الجنيه المصري لعدة مرات، استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي؛ لتسهيل الحصول على قرضٍ جديدٍ لم نحصل منه حتى الآن سوى على أقل من مليار دولار، مع وعود لم تتحقق بالحصول على قروض جديدة من شركاء دوليين بقيمة 9 مليارات دولار.

الدعم والطبقة المتوسطة

 

أعلم مدى صدق نوايا الحكومة، ورغبتها في ألا تتجاوز قيمة دعم المواد البترولية في ميزانية العام المالي الحالي حاجز الـ28 مليار جنيه، ولاسيما في ظل أزمة النقص الحاد في العملات الأجنبية، وما ينتظر البلاد من تحديات تتطلب حتمية تدبير مليارات الدولارات خلال السنوات الـ5 المقبلة..

 

أبرزها 38 مليار دولار في الموازنة الجديدة؛ لسداد قروض قصيرة الأجل تبلغ 26.4 مليار دولار ومعها احتياجات حتمية أخرى، وما يزيد على 40 مليار دولار أخرى لتغطية العجز في الموازنة ومتطلبات الديون حتى عام 2023 إلى جانب 83.8 مليار دولار قيمة ديون متوسطة وطويلة الأجل تستجوب السداد حتى عام 2028.

 

غير أن لغة السياسة تقول، أن المواطن المصري الفقير قد حمل على عاتقه بصبر ودون كلل كافة التبعات الثقيلة لبرامج الإصلاح الاقتصادي، الذي شرعت الحكومة في تطبيقه منذ عام 2016 والذي قامت بموجبه برفع الدعم بشكل شبه كلى عن كافة السلع والخدمات، مما ألقى بتبعات اقتصادية ثقيلة للغاية على كاهل الأسر المصرية.

 

دعونا نتفق أن مصر ليست هولندا أو سويسرا أو السويد، وأن معدلات الفقر والمدقعون فقرا لدينا باتت كبيرة بعد انضمام الطبقة المتوسطة بكامل هيئتها إلى تلك الفئة، أي أن لغة السياسة والعقل تقول أن الدعم ليس ترفا لهذا الشعب، وأن رفعه بمثل هذا الشكل انصياعا لرغبات صندوق النقد يُعد انتحارًا سياسيًا للحكومة وموتًا للفقراء.

 

حُنكة السياسة تقول أنه على الحكومة ضرورة مراعاة البعد الاجتماعي للغلاء والارتفاع الهائل في الأسعار، الذي ولدته الارتفاعات الكبيرة في معدلات التضخم التي وصلت في يناير الماضي إلى 31.24% وما ترتب عليها من عجز آلاف الأسر فعليا عن تدبير أقل القليل من احتياجاتها، وهي مؤشرات تنذر بعواقب اجتماعية خطيرة قد تغير من التركيبة السوية لسلوك وقيم المجتمع، وتنتشر معها جرائم مثل السرقة والسطو والقتل والدعارة كبحًا للجوع.

 

أتمنى أن تتمتع الحكومة بالحُنكة السياسية وتستمع إلى أنين الفقراء الذين لم يعد بمقدورهم تحمل مزيد من الأعباء، وتدرك أن الدعم ليس منة، بل واجب حتمي لابد من استمراره سترا للأغلبية وحماية للمجتمع من ظواهر سلبية قد تعصف بقيمه نتيجة للجوع، وهو ما يفرض حتمية تغيير التفكير النمطي في البحث عن الموارد بعيدًا عن نهجي الاقتراض الذي بات عرفًا، وجيوب المصريين التي باتت خاوية.. وكفى.

الجريدة الرسمية