رئيس التحرير
عصام كامل

فاتن حمامة تكتب: الدنيا صيام

فاتن حمامة
فاتن حمامة

عند اقتراب شهر رمضان كل عام تستعد الصحف وبرامج الإذاعة لاستقبال الشهر الكريم، فمثلا تستعين مجلة الكواكب بنجوم الأدب والفن الشهيرين يضعون تجاربهم ويحكون ذكرياتهم مع شهر رمضان، وتحت عنوان "الدنيا صيام" كتبت الفنانة فاتن حمامة مقالا في مجلة الكواكب عام 1961 تقول فيه: 


حكمة الصوم عندى ليست في أنه أحس بالجوع فقط، وإنما في أن أتسامح وأروض النفس على احتمال المتاعب، وسأروي لكم قصة: في صباح قائظ الحرارة قررت أن أسافر إلى الإسكندرية، ركبت سيارتي وانطلق بى السائق حتى أصبحنا عند مدخل الطريق الصحراوي، وفجأة انقلب هدوء السائق إلى ضيق وضجر، كانت العربة التي تمر أمامنا يركبها مجموعة من الشبان المشاكسين الذين يحلو لهم أن يحولوا بين العربات الخلفية وبين المرور، وسائق سيارتى يحاول أن يفلت منهم. 


قلت لسائق سيارتي: على مهلك يا اسطى الدنيا صيام، المهم استطعنا أن نتغلب على عبث هؤلاء الشباب، ومررنا وياليتنا بقينا كما نحن، لقد أصبحنا خلف عربة لورى ضخمة مليئة بقطيع من الخراف، وكان السائق يجرى بالسيارة وفجأة يهدئ من سرعتها ثم يوقفها، حتى كدنا أن نصدم بالسيارة اللورى أكثر من مرة، وسائق سيارتى صامت لا يتكلم  فقلت له: معلهش الدنيا صيام.


وراح سائقى يضغط على اعصابه عملا بنصيحتي واللوري ما زال أمامنا يشاكسنا، وفى إحدى الحركات الجنونية سقط خروف على الأرض والدماء سالت منه، أمرت سائقى ان يتوقف وحملنا الخروف لداخل سيارتى وقلت للسائق: حاول أن تلحق باللورى لنسلمهم الخروف، وراح السائق يلحق باللورى ويلتهم الطريق حتى لحقنا باللورى، لكن ماكاد ينتبه سائق اللورى لنا حتى حاول أن يشاكسنا من جديد ويحاول إلا نمر بسيارتنا لامن يمينه ولا من يساره، وهدفنا كله منصب على أننا نريد أن نبلغه بشأن الخروف المصاب.


استطاع سائقى ببراعة أن يتجاوزه ويهدئ من سرعته أمامه ثم توقف ليجبره على التوقف خلفنا وأنا مرعوبة من أن يصطدم بنا، لكنه توقف ونزل من اللورى هائجا وهو يقول: أنت عايز ايه يا جدع أنت وهم يمسك في السائق، فرد عليه سائقي: فيه خروف وقع منك واتصاب، رد سائق اللورى المشاكس: وأنت مالك ومال أهلك، كاد سائق سيارتى أن يضرب سائق اللورى ويهجم عليه لولا أنى صرخت فيه وانا داخل السيارة قائلة: لا يا اسطى الدنيا صيام.


هنا هدأ غضب سائقى وفتح حقيبة السيارة من الخلف وأخرج الخروف ليحمله سائق اللورى، وركب سائقى السيارة وادار السيارة وتعمد ان يتأخر بعربتنا قليلا في السرعة حتى يمشى اللورى، الغريبة ان سائق اللورى تحول الى حمل وديع ورفض ان يسرع قبلنا لكى لا يشاكسنا مرة أخرى وقال اتفضلى ياست انت الأول وانا آسف على ما حدث.

 

هنا تطلع سائقى إلى وجهى في المرآة الصغيرة التي أمامه، قائلا: عندك حق ياهانم الدنيا صيام ورمضان كريم.
 

الجريدة الرسمية