رئيس التحرير
عصام كامل

جامعة اسمها الحياة

يحمل سن الأربعين في طياته أسرارًا عميقة قلَّما يدركُها أحد باستثناء أصحاب البصيرة ممن لديهم فيض من حكمة الحياة؛ فحياتهم بالنسبة لهم جامعة كبيرة يستقون فيها الخبرة من المهد إلى اللحد.
فالعاقل الذي بلغ سن الأربعين يبدأ إدراك طبيعة الحياة الدنيا، ويعلم يقينًا أن العمرَ مضى أجمله وربما لم يعد فيه إلا القليل.. 

لذلك يبدأ الإنسان إعادة ترتيب حساباته وربما اكتشف أنَّ كثيرًا من تلك الحسابات كان هو الخطأ بعينه الذي يستوجب تصحيح المسار.. ربما يشمل ذلك التصحيح إجراءات كثيرة تشمل مجال الأسرة والعائلة والأصدقاء وبيئة العمل.

إعادة شحن الإيمان
 

تبدأ الاهتمامات بعد هذه السن في التغير؛ فمن اهتمام الإنسان بنسبة أكبر بنفسه مع اهتمامه بأسرته؛ يتزايد الاهتمام بالأبناء ومستقبلهم الدراسي والوظيفي حتى وإن لم يكونوا قد بلغوا تلك السن.. وانفعاليا يتجه الإنسان إلى مزيد من الاتزان الانفعالي فيضبط تصرفاته وكلامه وعلاقاته بميزان العقل الناضج وليس بميول العاطفة المتهورة.


يحتاج الإنسان أحيانًا إلى إعادة شحن رصيده من الإيمان بالله بعد تلك السن؛ بحيث يتمكن من مواجهة تحديات ربما تكون جديدة عليه قبل أن يدخل مرحلة يجد عظمه قد وهن منه بينما يبدأ الشيب ينتشر في رأسه.


والخطر كل الخطر، أن يصل الإنسان سن الإربعين أو يتجاوزها دون أن يعتبر أو يتدبَّر مشوار عمره، والأخطر أن يتمادى في ممارسة أمور صبيانية لا تليق بسنه.. ولست بذلك داعيًا إلى ربط تلك المرحلة العمرية باليأس والبؤس، بقدر ما تحمل كلماتي إلى اتزان هادئ وحياة هانئة هادئة بعيدة عن منغصات الشحناء أو الصراعات.. 

فنحن في دنيانا مسافرون في قطار يكاد كل منا ينزل في المحطة المحددة له سلفا في موعد محدد.. وفي رحلة السفر هذه لا مجال بين المسافرين للتنازع أو التعامل مع الدنيا كأن الإقامة فيها أبدية أبد الدهر..

وقفة واحدة مع النفس؛ تنتهي إلى إبرام اتفاقية سلام معها يعم خيرها على محيط الإنسان وأهله وأصدقائه وجيرانه، وتوفر المزيد من الراحة للأعصاب والمزيد من التوفير في الوقت؛ حيث لا يسمح رصيدنا من العمر بإهداره في صراعات لا تبقى للنفس راحة ولا تذر.. والله من وراء القصد. 

الجريدة الرسمية