رئيس التحرير
عصام كامل

حتى في الجنائز.. عبد الناصر ينتصر على إليزابيث!

مشهد (١)
أي إخوانجي إذا سألته: من انتصر في أفغانستان؟ سيقول المجاهدون طبعا.. فإذا سألته: لماذا رغم الدمار الهائل وأعداد الضحايا الكبير؟ سيقول لأنهم في الأخير انسحبوا.. روس وأمريكان.. ولم يحققوا أهدافهم! يعني أيضا فيتنام انتصرت على الأمريكان؟ سيرد على الفور نعم.. طيب من انتصر في بورسعيد.. نحن أم الإنجليز؟ الإخواني سيرد بحقارته المعهودة أسرع مما سبق: لا الإنجليز طبعا!
 
وظل الأمر يردد على هذا النحو دون تصد حتى من الإعلام الرسمي لسنوات طويلة حتى تبدل الحال ووصل إلى إنتاج فيلم العدوان الثلاثي ليبرز الملحمة، وكان من أعظم ما أنتجت الشركة المتحدة فضربت الكذبة الإخوانجية في مقتل!

مشهد (٢)
سامي خضير.. اسم يعرفه أهل محافظتي أسيوط وبورسعيد جيدا.. الأولى عمل محافظها فترة صغيرة والثانية قدم لها عمره كله! أثناء عدوان ١٩٥٦ كان سامي خضير ضابطا صغيرا بالشرطة المصرية.. وفر ملابس ضباط شرطة لأبطال المقاومة الشعبية، وقد شاء حظ اثنان منهم بعد ارتدائهما زي الضباط أن لاحظا ضابطا إنجليزيا يطارد طفلا مصريا يساعد الفدائيين. 

 

فاشتبكا معه حتى سيطرا عليه واعتقلاه ثم عرفا أنه مور هاوس الذي اعتقل قبلها بأيام عدد من المقاومين وأدرك أبطال المقاومة أنه صيد ثمين جدا فقد كان مور هاوس ابن عمة الملكة إليزابيث التي شيعت أمس!

أخفياه في إحدى المنازل لكن نسوا سيارته في مكانها.. فأدرك الإنجليز أنهم أخفوه قريبا من المكان فحاصروا الحي كله وأحاطوه بالأسلاك الشائكة وقرروا تفتيش البيوت منزلا منزلا.. فكان كلما فتشوا بيتا تركوا علامة على باب المنزل.. فقام أطفال المقاومة برسم العلامة ذاتها علي كل البيوت لتضليلهم! ففرضوا حظر تجوال.. فلم يستطع الفدائيون الوصول إلى محبس مور هاوس فمات وتم تسليم جثته بعد انتهاء الحرب!

 

مشهد (٣)
يتسرب نبأ رحيل جمال عبد الناصر عبر حركة غير طبيعية في الشارع، ثم إذاعة القرآن الكريم، ثم بيان الوفاة الرسمي.. الجماهير تندفع للشوارع لا تعرف ماذا تفعل ولا أين تذهب، اللهم إلا دموع وحزن وبكاء ونحيب في كل مكان! وبعد أقل من ثلاثة أيام تخرج مصر كلها للوداع.. أبناء المحافظات القريبة -وقريبة تعني أقل من ١٥٠ كيلومترا- جاءت حشود بشرية سيرا علي الأقدام! كما روى الفنان محمود حميدة عن أهالي بني سويف!

 

ثم ما رأيناه في الأفلام التي صورت الجنازة وما روي عنها، وطوفان البشر الذي ودع زعيمه ببحور من الدموع، حتى سار خلف الجثمان فقط من خمسة إلى ستة ملايين مواطن لبلد تعداده خمسة وثلاثين مليونا! والباقي يسيرون في جنازات شعبية في محافظاتهم وهكذا فعلت الشعوب العربية، وهكذا فعلت شعوب أخرى في أفريقيا وآسيا! لتصنف الجنازة الأعظم في تاريخ البشرية!

 

مشهد (٤)
رحلت الملكة التي أرسلت مور هاوس ووقعت أمر العدوان بمرور سنوات طويلة  بين العدوان والرحيل.. نسي فيها البعض ما جرى. ولم ينس الكثيرون ذلك ولن ينسوه.. ولكن تابعه الجميع وراقبوا ترتيبات الجنازة التي زادت عن الأسبوعين في مراسم أريد منها وأريد لها إحياء فكرة الإمبراطورية وتقاليدها.. لكن غلب الطابع الرسمي البروتوكولي للجنازة طابعها الشعبي!

 

وصفوها بأنها جنازة القرن.. يقصدون طبعا القرن الجديد! (تعبير الجنازة الأعظم في القرن الحالي تعبير بريطاني.. رسمي وإعلامي.. وهو دليل على اهتمامهم بهذه التصنيفات والتقييمات، وليس ذلك وهما ولا افتراضا منا)، ذلك القرن الذي بدأ قبل اثنين وعشرين عاما، وبالتالي فلا منافسة مع جنائز القرن السابق!

 

لماذا تقول ذلك كله؟ هل لأننا في سبتمبر على بعد أيام من ذكرى رحيل جمال عبد الناصر فقط؟ نقله أيضا لأننا في لحظات استنهاض مشاعر الانتماء مع استدعاء الكبرياء الوطني لنهتف: عاش شعبنا الأصيل الطيب.. المكافح الذي قدم الغالي والغالي من أجل حريته.. لم يحتل ولم يعتد.. كان أصيلا وهو يودع قائد ثورته وصانع استقلاله ومسترد قناته وباني سده العالي.. ليضرب للوفاء ٣٥ مليون مثل!
تحيا مصر..

الجريدة الرسمية