رئيس التحرير
عصام كامل

إفراج

وضُربت على أبواب زنازينهم سنين عددا وعلى جدران السجون تنحت الحكايات بحبر الزمن وعلى أضواء خافتة لا تعرف ملامح وجوه ظنت لا نور ولا شمس ولا هواء. ترى ملامح وقد اصفرت وتمددت عليها تجاعيد زمن الحبس تحكي من الآهات ما لا تستوعبه دفاتر القصاصين ولا أوراق الروائيين ولا كاميرات المخرجين.

هكذا كان حالهم قبيل لحظات من الإفراج، والإفراج مصطلح للسجناء فقط يعني إطلاق السراح.. تنفس الصعداء.. تنسم الحرية.. إطلاق العنان للدماغ.. حرية في الحركة والحلم والقرار.. شمس تعانيها في بعض الأوقات يشتاق إليها هؤلاء الذين ناموا بقرار واستيقظوا بقرار وأكلوا بقرار وشربوا بقرار وبالوا بقرار وأخذوا القرار بقرار.

عفو رئاسي

بألف سنة مما تعدون.. تلك هي سنة السجن.. ينام فيها المرء دون إدراك بحركة الأيام ولا دوران الشمس ولا ظهور القمر.. أيام تأكلها أيام ويمضي العمر حبيس جدران الموت المنتظر دون موعد.

ملامح الخارجين توًّا من الزنازين ترسم لنا معالم عن غدٍ أفضل، غدٍ بلا أسوار ولا أحكام ولا حرمان، غدٍ نتوق إليه منذ أعمار، غدٍ نبني في موقع السجن مزرعة وساقية تدور بماء الحياة.

فرحًا أتابع هؤلاء الذين شملهم قرار العفو الرئاسي وأنا في موقعهم وموقع عائلاتهم.. تلك طفلة حرمت من عناق أبيها، وهذا شيخ كبير أطل من زاوية العمر متلهفًا أن يرى ابنه قبل الرحيل، وأم كم باتت تناجي خالق الأكوان أن يجعل لابنها طريقًا إلى النور.. نور الدنيا الواسعة.

وعجبًا أطالع وجوه العابثين هناك في بلاد بعيدة لا يكلون ولا يملون في وأد الأمل وقتل اللحظة الوليدة بشعاع نور ويكيلون لوطنهم من الطعن ما يخجل عن كيله عدو فاجر.. ويراودني أمل في هدم كل السجون وكل الزنازين وكل محبس يحبس عن وطني وأولادي بعض نور ونسيم هواء وراحة تسري في أبدان الأحرار كلما أطلوا ناقدين أو راضين أو حتى متمردين.

هذا بلد كبير بحجم تاريخ البشر.. كبير بمساحة الحضارة الإنسانية منذ جاء آدم طريدًا إلى الأرض.. واسعًا بحجم قلب أم تطالع السماء كل فجر داعية ومستبشرة وحالمة. هذا وطن بحجم الكون ما عاد يصلحه سجن أولاده أو تهديدهم أو تخويفهم أو قتل الحلم فيهم أو ممارسة الوصاية عليهم.. هذا بلد اسمه مصر.. ومصر تعني تاريخ الإنسان مع الأرض.

الجريدة الرسمية