رئيس التحرير
عصام كامل

كعوش.. كاتب بحجم أمة

على عجل جاءت بعد رحلة قاسية وإشارات مرور أقسى من الفندق القابع بمصر الجديدة إلى ضفة النيل الخالد من أعلى نقطة بمكتبة مصر العامة بالجيزة. تحمل على جبينها وعدًا وعهدًا وقسمًا تركه الراحل الكاتب العروبي العظيم محمد كعوش منذ عام بعدما ترجل عابرًا جسر الحياة الفانية إلى الأبد السرمدي حيث لا نصب ولا تعب ولا جدل.
 

جاءت الكاتبة الصحفية هدا السرحان زوجة الراحل محمد كعوش إلى قاهرة المعز حيث احتفال لا هو تأبين ولا ذكرى سنوية.. فقط نخبة ممن عاشوا حلم محمد كعوش العروبي قرروا أن يلتقوا. لم ألتق الراحل المدهش محمد كعوش في حياته لقاء البشر العاديين لحمًا للحم ووجهًا بوجه غير أنني أزعم إن لقاءاتى به على الأوراق التي خطها بقلب جسور وعقل من نور وقلم من عزيمة مئات المرات.


ذهبت عندما علمت بقدوم السيدة هدا السرحان، ربما رغبة مني أن أتعرف على بعض محمد كعوش أو على نصفه أو على كله فتلك السيدة التي سأراها عاشت معه واحدة من تجارب النضال الفكري على مدار حياته. لم أفاجئ بكلمات السيدة هدا السرحان، هادئة، وديعة، عميقة النظر والنظرة، متدفقة القول، تنساب منها العبارات وكأنك أمام أوراق خاصة من صفحات الكاتب الصحفى الذي عاش هموم وطن بأكمله على مدار تاريخه الصحفي.
 

كان محمد كعوش لبنانيًا عندما يكتب عن لبنان وأردنيًا عندما يفكر في الأردن، ومصريًا عندما يتناول مصر، وسوريا عندما يعيش الأزمة السورية، وجزائريًا عندما يكتب عن أحلام الجزائريين، وهو قبل هذا وذاك فلسطيني أخرجوه من الأرض فلم تخرج فلسطين من الوريد.
 

لم يكن الوقت كافيًا ولا الضيوف أمامهم من الوقت ما يكفى لكى أتعرف على بعض ملامح الكاتب الراحل بعيدًا عن الأوراق.. عبارات ومواقف إنسانية تتسق مع الورق ومع الحروف التي خطها الراحل طوال رحلته في الحياة. قبل أن يودع محمد كعوش أيامه على الأرض وقبل أن يصعد إلى خالقه متممًا رسالته مع الكتابة والشهادة والنضال، قبل كل ذلك كان ولايزال رمزًا لفكرة الإيمان بأننا أمة واحدة فلم يفقد يومًا بوصلته ولم تتخاطفه سيول التغيير الذي جرى على كثير من مثقفينا.

 


رحل محمد كعوش غير أن ما تركه من إرث صحفى وثقافى يعيش من أجل أولاده وأولادنا وأحفاده وأحفادنا.. من أجل أجيال تتقاذفها أمواج العولمة والتغريب والدهس تحت عجلات القيم الشاذة. رحل الرجل الذي عاش الحلم حتى اللحظات الأخيرة..عاش دون جنسية تحدد إقامته أو قامته.. عاش عربيًا من المحيط إلى الخليج.. عاش بقلب أمة وفي حجم خريطة الوطن كله.

الجريدة الرسمية