رئيس التحرير
عصام كامل

خارطة طريق للخروج من الأزمة.. خبراء: مصر ستوافق على شروط صندوق النقد.. وبرامج الحماية الاجتماعية ليست كافية

د عالية المهدي
د عالية المهدي

تواجه مصر تحديات اقتصادية كبرى مع توالي الأزمات العالمية المؤثرة بشكل مباشر أو غير مباشر على السوق المصري، الأزمات التي توقع كلًا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تراجع النمو الاقتصادي مع استمرار تداعياتها.

 

وتوقع البنك الدولي في تقريره أن يسجل معدل النمو العالمي تراجعًا ملحوظًا من 5.5% في 2021 إلى 4.1% في 2022 و3.2% في 2023، وبالنسبة لمصر  أعلن الصندوق خفض  توقعاته للنمو بنسبة 0.2% ليصل إلى 4.8% خلال العام المالي الجاري، كما أعلن الصندوق عن حزمة اشتراطات جديدة للتفاوض مع مصر للحصول على قرض جديد.

 

ومحليًا، أعلن البنك المركزي المصري تراجع صافي احتياطي النقد الأجنبي إلى 35.5 مليار دولار مسجلًا انخفاضًا بنحو ما يقرب من 2 مليار دولار مقارنة بشهر إبريل الماضي.

 

كل هذا يطرح عدة تساؤلات منها ما هي انعكاسات تلك التحديات على المواطن المصري، وما هي خريطة الطريق المقترحة للخروج من الوضع الراهن، وهل ستستجيب مصر لاشتراطات صندوق النقد الدولي؟

 

رفع أسعار الفائدة 

تقول حنان رمسيس، خبير أسواق المال، إن مصر تمر الآن بأزمة اقتصادية مثل دول العالم كافة، التي معها وصلت نسب التضخم لمستويات قياسية انعكست على قرارات البنوك المركزية العالمية برفع أسعار الفائدة التي معها من المتوقع أن تصاب هذه الاقتصاديات بالركود.

 

فيما يخص تراجع احتياطي النقدي في مصر، أوضحت حنان رمسيس، أن تأثيره سيكون محدود للغاية على المواطنين، إذ ستحاول مصر على قدر الإمكان الحصول على احتياطي جديد من النقد الأجنبي، الذي تراجع بسبب  تسديد مصر لأقساط القروض التي حصلت عليها في الفترات السابقة لإعادة تشكيل وهيكلة الدولة المصرية.

 

وتابعت إن مصر ستستجيب لشروط الصندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد ليس عن اضطرار ولكن عن اقتناع، إذ انتهجت مصر سياسات اقتصادية لإعادة هيكلة الوضع الاقتصادي، وقامت بالعديد من الإصلاحات المالية والهيكلة، إذ تدرك مصر أهمية  تعظيم دور القطاع الخاص، وتعمل جاهدة على دمج الاقتصاد غير الرسمي تحت مظلة الاقتصاد الوطني، وإضافة إلى إعلان الدولة التخارج من بعض القطاعات مثل التكنولوجيا والاتصالات والنقل، مشيرة إلى أن خروج الدولة من هذه القطاعات  لن يكون خروجًا كاملًا بل مراقبًا، وذلك خوفًا من الممارسات الاحتكارية وزيادة الأسعار وإثقال كاهل المواطن بالأعباء التي قد تحدث بسبب تخارج الدولة السريع وغير المحسوب من القطاعات. 

 

الركود وأزمات السوق

وتوقعت حنان رمسيس استمرار تثبيت البنك المركزي المصري لأسعار الفائدة، معللة ذلك بأنه ينتهج سياسة تيسيرية، ومع زيادة أسعار الفائدة سيؤدي إلى الركود وأزمات في السوق، وقد اتخذ البنك المركزي خطوة استباقية لمواجهة ذلك عن طريق إصدار شهادات ادخارية تلائم الشرائح المختلفة بأسعار فائدة تتراوح بين 15 إلى 18 %.

 

وأكدت حنان رمسيس أن مصر تحتاج للخروج من الأزمة الراهنة إلى انتهاج سياسات مالية جديدة بعيدة كل البعد عن الاستدانة والقروض منها  أدوات سوق المال (البورصة)، وتشجيع الشراكات العربية، بالاستغناء عن جزء من الشركات ذات الأصول القوية ببيعها لمستثمرين سواء عرب أو أجانب، قائلة: إن هذا لا يسمى بيعًا للأصول وإنما هي عملية مشاركات واستحواذات من قبل العرب، الذين يعلمون جيدًا الميزات المتوفرة في السوق المصري منها زيادة السعة التسويقية للمنتجات، نظرًا للزيادة في عدد السكان.

 

وأشارت إلى أنه يجب على مصر زيادة اتفاقيات تصدير الطاقة النظيفة وعلى رأسها الكهرباء، تكثيف التنقيب عن الغاز الطبيعي وعقد معاهدات واتفاقيات لتصدير هذا الغاز للاستفادة من فروق الأسعار، فمصر تعد منصة أوسطية لهذا المنتج.

 

دور الحكومة في الحماية الاجتماعية

وعن دور الحكومة لتخفيف العبئ عن كاهل المواطنين، قالت حنان رمسيس إن لدينا في مصر العديد من من المشكلات على رأسها الزيادة المطردة في التعداد السكاني واستقبالها العديد من الوافدين من الدول العربية مثل سوريا والعراق وليبيا والسودان، وكل هؤلاء تعاملهم الدولة معاملة المواطن المصري، والحكومة تحاول بقدر الإمكان ضم شريحة أكبر لمظلة الحماية الاجتماعية ولكن كل هذا لا يكفي المواطن الذي يتمنى أن يشعر بنتائج الإصلاح الإقتصادي وأنها عادت عليه بالنفع، ولكن توالي الأزمات كان السبب الرئيسي في عدم شعوره بذلك، إذ واجهنا أزمة انتشار فيروس كورونا ثم بعدها مباشرة تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت مباشرة على المواطن المصري وعلى السوق بارتفاع الأسعار لأننا نعتمد على الاستيراد لسد احتياجاتنا وخاصة القمح بنسبة 70 % من الخارج.

 

شروط صندوق النقد الدولي

وفي نفس السياق، توقعت الدكتور عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة القاهرة، استجابة مصر لشروط صندوق النقد الدولي للحصول على القرض الجديد في محاولة من الحكومة لزيادة الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، التي تراجعت بسبب عدم تزايد معدلات مصادر النقد الأجنبي المعتادة بالقدر الذي يلبي احتياجات الاقتصاد المصري في سداد المديونية المتزايدة.

 

وأشارت إلى أنه للخروج من الوضع الاقتصادي الراهن فإن الحكومة تواجه تحديات كبرى على رأسها كيفية تعظيم الإيرادات المعززة للنقد الأجنبي، بزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتنشيط معدلات السياحة، وليس بزيادة القروض والدين إذ يجب على الحكومة الحد من الاقتراض لأنه مع كل قرض جديد تزيد الالتزامات السنوية، وعندما يحين موعد سداد القرض وفائدته، تبرز الفجوة بين الإلتزامات والإيرادات التي عليها تضطر الدولة لسداد التزاماتها من احتياطيها. 
وفيما يخص الإجراءات الحكومية لرفع المعاناة عن المواطنين. 

 

وقالت  المهدي، إن وقت الأزمات تظهر مشكلتين كبيرتين تمس المواطنين، الأولى مشكلة البطالة التي تمس إما داخلين جدد لسوق العمل أو العاملين من قبل ولكنهم لا يجدون فرصة عمل جديدة، والمشكلة الثانية التضخم الذي يمس الجميع لكن الأكثر تضررًا منه هم الفئات الأكثر فقرًا، والدولة تبذل مجهود في إدراجهم ضمن البرامج الاجتماعية مثل حياة كريمة وتكافل وكرامة، التي لا أعتقد أنها تمس جميع الناس بل يستفيد منها عدد محدود من الأسر الفقيرة.

 

وأوضحت  أنه ليس على الدولة دعم المواطنين بضمهم في برامج الحماية الإجتماعية فقط بل الأهم من ذلك العمل على تخفيض معدلات التضخم، وهذا لن يتم إلا بمزيد من الإنتاج  والعمل، وأيضًا بأن تكون الدولة وقت الأزمات نموذجًا يقتدى به في عدم زيادة أسعار منتجاتها مثل الوقود والمنتجات الأخرى، إذ عندما تقوم الدولة برفع أسعار منتجاتها فإن ذلك ينعكس سلبًا على السوق برفع جميع الأسعار، ويجهض جميع المحاولات التي تقوم بها الدولة لتقليل الضغوط عن كاهل المواطن.

الجريدة الرسمية