رئيس التحرير
عصام كامل

زيارة السيد العجوز!

لم تكن إسرائيل ولا أمريكا بحاجة قط إلى الإعلان عما يسمى بوثيقة القدس، التي تتعهد فيها الولايات المتحدة الأمريكية، بخط يد جو بايدن رئيسها الحالي، بالالتزام الصارم بأمن إسرائيل في مواجهة أية أعمال عدائية في محيطها الإقليمي -المقصود إيران- وأن واشنطن سوف تضخ استثمارات قدرها ٣٨ مليار دولار في التطوير والابتكار العسكرى المشترك.


نعم لم تكن الدولتان بحاجة إلى هذا الإعلان، لأنه قائم بذاته بينهما مهما تغيرت الإدارات وتبدلت، وكل رئيس أمريكي جديد يبادر، حتى من قبل انتخابه، الى تجديد ولائه للصهيونية، والعمل على توسيع نفوذها تحت مظلة الاتفاق الإبراهيمي، أي جمع أبناء الديانات الثلاث حول المشترك الإقليمي بينهم بغض النظر عن الحدود والخلافات.

 
بات بايدن ليلته أمس في إسرائيل ويبيت الليلة أيضا ليتوجه إلى لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، ومنها إلى المملكة السعودية، حيث اللقاء الصعب محط أنظار الإعلام الأمريكي المتربص بلحظة لقاء بايدن بولي العهد محمد بن سلمان، وهل يصافحه كفا بكف أم قبضة بقبضة، مهد للأخيرة بما فعله في مطار بن جوريون، حيث صافح المسئولين الإسرائيليين بقبضة يده، بحجة تلافي عدوى كورونا!


هذه الزيارة ليست للإعلان المستمر عن العلاقة الأزلية بين واشنطن وتل أبيب، بل هي إعادة واستعادة الحضور الأمريكي للمنطقة، بعد الفراغ الذي سرعان ما ملأته روسيا والصين. لدي واشنطن ورقة التخويف بالمشروع النووي الإيراني، تجتذب بها حلفاءها الذين تخلت عنهم وتجرأوا عليها، وبخاصة السعودية في ملف النفط. 

 

ولدى إسرائيل مخاوفها الهائلة من قرب امتلاك طهران للقنبلة النووية. ومادامت إسرائيل والرياض والمنظومة الخليجية، ومعهم الأردن والعراق ومصر، يجدون جميعهم خطرا كاسحا في حصول ايران على سلاح نووي، فإن تسويق وتدشين مشروع الأمن الجوى الدفاعي المشترك بين هذه العواصم يصبح ضرورة مرحلة بل ضرورة بقاء.

حماية أمن إسرائيل


المنظومة الدفاعية الأمريكية لدول الإقليم الحليفة، المناهضة لطهران النووية، هي مشروع عكفت عليه قيادات البنتاجون لشهور، وهو لايزال مشروعا، وما يفعله بايدن في زيارته الحالية هو تنفيذ هذا المشروع تحت عنوان مختلف هو دمج إسرائيل في المنطقة، بحيث تتلاقي المصالح الأمنية للدول المتحالفة، وتنسق فيما بينها على أن تكون القيادة للبنتاجون فيما يتعلق بمنظومة الدفاع الجوى الإقليمي المشترك.


سيزور بايدن السعودية وتعقد قمة خليجية تدعى إليها العراق والأردن، ولا تحضرها القاهرة، فهل لم تتم دعوة مصر، أم تمت الدعوة؟ على أية حال فإنه جرى اتصال تليفوني بين الرئيس السيسي والعاهل السعودي خادم الحرمين الملك سلمان للتنسيق. وتحتفظ مصر دوما بمسافة هي حاضرة فيها، تؤكد وجهة نظرها وكبرياءها.


يلفت النظر في زيارة السيد العجوز، بعد ١٦سنة غياب عن الشرق الأوسط، إنها من إدارة ضعيفة تتهاوى شعبيا، إلى إدارة مؤقتة في إسرائيل تتهاوى سياسيا، حتى إجراء انتخابات جديدة في نوفمبر، قد تأتي بمن يعطل الرياح كلها: بنيامين نتنياهو.


بايدن هو الآخر مهدد في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل بحضور قوي للجمهوريين بعد اخفاق الديمقراطيين في الحفاظ علي قوة الاقتصاد، واصرارهم على التورط في محاربة روسيا بانفاق مليارات الدولارات على أوكرانيا، يحتاجها المواطن الذي يصرخ من أسعار البنزين والغذاء.. الهدف الأساسي إذن هو تفويض أمريكي لإسرائيل بالقضاء على المشروع النووي الإيراني إن لم توافق إيران علي مسودة فيينا الحالية، ما يعني تفعيل المنصة الدفاعية الجوية المشتركة لدول الإقليم المتحالفة..

 


وماذا عن حل الدولتين؟ وماذا عن حقوق الفلسطينيين؟ بعض المزايا والمساعدات الاقتصادية والتسهيلات المعيشية لرام الله ربما تهدئ من إستياء عباس، ثم إن منظومة الدفاع الجوى الإقليمي تحت القيادة الامريكية تضم أيضا الإدارة الذاتية الفلسطينية.
انطلاق فعالية المنظومة الدفاعية رهن بكلمة واحدة.. عناد إيران واصرارها على رفع صفة الإرهاب عن الحرس الثورى، وهو ما ترفضه واشنطن حتى لو كان الثمن سقوط مشروع الاتفاق الحالي نهائيا!
نتابع ونرى..

الجريدة الرسمية