رئيس التحرير
عصام كامل

بدون جواز سفر أو تأشيرة!

من مختلف بقاع المعمورة.. الكل يسافر إليه الآن والرحلة لا تحتاج جواز سفر أو تأشيرة أو ملابس رسمية.. فقط التوجه إلي وجهه الكريم، وأينما تكونوا فولوا وجوهكم شطره فهو موجود في كل الاتجاهات.. المهم أن تتجه إليه بقلبك وتتخلى وتتحلل من كل ما هو حولك.. نعم يحدث هذا في كل أيام العام وفي الصلوات الخمس كل يوم، لكن هناك أوقاتا وأياما مباركة اختصها الله ببركته وفضله أخبرنا ببعضها واحتفظ لنفسه ببعضها الآخر.

 

مثل شهر رمضان وليلة القدر والعشر الأوائل من ذي حجة.. الخ وكذلك اختص الله ببعض الأماكن لتكون رمزا وملتقى وجسرا للرحيل إليه والوقوف بين يديه ويشد الرحال إليها مثل المسجد الحرم والمسجد الأقصى والمسجد النبوى وجبل عرفات حيث وقفة عرفات بعد غد. 


الملايين سافروا إلى هناك باجسادهم والمليارات يسافرون بأرواحهم وقلوبهم.. تعددت طرق السفر لكن السفر إليه واحد عن طريق الروح والقلب.. وتأشيرة الحصول على رضاه وعفوه وغفرانه يمنحها لمن يشاء من عباده وهو أرحم بهم من أمهاتهم.. اسعوا إليه قبل فوات الأوان بقلوبكم بعد تصفية النوايا فلن يردكم من بابه الكريم ولن يعود منكم مذنبا إذا صدقت التوبة فهو الغفور الرحيم..

على عرفات

 
بعد ساعات.. على جبل عرفات يتجلى المشهد الذى وصفته منذ سنوات حين كنت هناك بالجسد والروح ومازلت مسكون باللحظة كلما جاء الموعد، تعالوا معي إليه وما أحلي السفر إليه.. هنا كل شيء.. وأيضا لا شيء في نفس الوقت.. هنا ترتدي كفنك بنفسك.. وتختاره بنفسك.. وتحمله علي جسدك كاشفا منه الكثير وساترا عورتك ومتخوفا من انكشافها رغما عنك.. هنا تحمل كفنك.. وتتجه اليه طالبا العفو والصفح والمغفرة..هنا ساحة العفو والمغفرة والرحمة.. 

 

الكل فائز فيها بشهادة المولي عز وجل وقوله في حديثه القدسي علي لسان رسوله الكريم: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَطَوَّلَ عَلَي أَهْلِ عَرَفَاتي فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ. فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَي عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا. أَقْبَلُوا إِلَيَّ مِنْ كُلِّ فَجّي عَمِيقي. فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ إِلا التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ”. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتي إِلَي جَمْعي. قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ: “يَا مَلائِكَتِي عِبَادِي وَقَفُوا. فَعَادُوا فِي الطَّلَبِ وَالرَّغْبَةِ وَالْمَسْأَلَةِ. اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ وَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ”.


يا الله.. تباهي بعبادك الملائكة.. تباهي بنا ونحن جبال من الذنوب والمعاصي. يالله.. تباهي بنا كل خلقك وقد فعلنا كل شيء يغضبك ولم نفعل ما يرضيك الا قليلا.. يالله.. تغفر لعبادك هنا ذنوبهم التي أوقعهم فيها الشيطان الذي لعنته بالأمس واخرجته من رحمتك حين رفض السجود لآدم يوم خلقته.. يا الله.. هنا لا أحد يهتم بما حوله.. الكل داخل الملكوت.. تذوب عشقا وولها.. وتتحلل لذرات تسبح في الملكوت الأعظم دون رغبة في العودة.. هنا تسافر القلوب قبل الاجساد.. وتحلق الأرواح بعيدا إلي هناك.. 


يا الله.. هنا الكل فقراء إليك وأنت الغني الذي يمنح الغفران والعفو الذي لا مقابل له سوي رحمتك.. هنا الكل سواسية.. الكل أشعث أغبر لا يملك من الدنيا شيئا.. ولا حول ولا قوة إلا بك.. ما أحلي السفر إليه.. من قال السفر بالأجساد فقط.. سفر الروح أسرع وأجمل وأبقي.. توضأ من أي مكان علي سطح الأرض أو حتي خارجها.. صلي لله وتوجه إليه في بيته الحرام وإترك الجسد للمنشغلين بالفناء.. الرحيل والسفر إليه لا يحتاج لتأشيرة أو جواز سفر.. كل ما عليك أن تتوضأ وتصلي لله وتتوجه بقلبك إليه هناك في بيته الحرام وجبل عرفات وجبل الرحمة.. اترك الجسد ليفني مع الفانيين وحلق بروحك لعنان السماء.. 


كنت أقول قبل أن أسافر إليه منذ سنوات بجسدي: زيارة واحدة لبيته الحرام تكفي.. بل وأتشدد قائلا لمن يزور البيت الحرام أكثر من مرة في العام. عمرة وحج: إعطي الفرصة لغيرك.. كانوا ينظرون لي ولا يردون.. بعد زيارتي الأولي فهمت المسكوت عنه..
 

 

يا الله.. هنا ترتشف أول رشفة ماء تمر علي شفاه مشققة من العطش.. هنا يتحول السراب إلي بئر ماء زمزم المثلج.. هنا نرتدي السماء وما أحلاه من ثوب.. هنا لا أرض نقف عليها.. الكل طائر محلق.. هنا لا عورات.. ولا رجال ولا نساء ولا أطفال ولا أحد ينشغل بالنظر حوله.. كل في ملكوته.. الكل مخلوق نوراني يرتدي البياض بعد السواد الذي إرتداه طوال عمره.. هنا الكل أغنياء بمغفرة الله لهم.
هنا “اهلك وذويك” هم كل خلق الله وأخيرا لا أهل لك سوي الله.
yousrielsaid@yahoo.com 

الجريدة الرسمية