رئيس التحرير
عصام كامل

رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر (1)

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في كل ربوع العالم في مثل هذا اليوم الموافق الأول من يونيه بعيد دخول السيد المسيح والعائلة المقدسة لمصر ويعتبر هذا العيد من الأعياد السيدية الصغرى في الكنيسة وفي المسيحية.. وهذه الرحلة هى من أعظم الرحلات الإلهية، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى أعظم كنائس العالم بنصوص الكتاب المقدس.


مصر البلد الوحيد الذى احتمى به السيد المسيح من بطش هيردوس الملك.. قضت العائلة المقدسة فيها أكثر من ثلاث سنوات وستة أشهر، باركها الله بأطول محور سياحى فى العالم طوله 3500 كم. 
والعائلة المقدسة كانت من أهم اللاجيئين لمصر والمحتمين بها، كان من الممكن أن يطلب ملاك الله من يوسف أن يهرب إلى أقرب مكان من فلسطين مثل سوريا أوالأردن أولبنان أو العراق.. ولكن نؤمن أنه عند ملئ الزمان سوف تتحقق النبؤات الإلهية.


من أهم الأحداث التاريخية التى جرت على أرض مصر فى تاريخها الطويل تلك الزيارة المباركة، وكانت هذه رحلة الهروب لمصر بترتيب من قبل الله الأزلى قبل كل الدهور، وأن تتحرك من أرض المهد إلى أرض الكنانة وادى النيل العظيم..  حينما ظهر ملاك الله ليوسف في حلم وقال له خذ الصبى وأمه وإهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك.. فقام يوسف مسرعًا بكل طاعة وأخذ الصبى وأمه للإنصرف إلى مصر..

 

حيث كان الملك هيردوس مزمعًا على قتل الطفل يسوع المسيح إذا وقع في يده، وعندما سمعت أمه خبر بحث الملك هيردوس عن إبنها إنزعجت جدًا فقامت مسرعة خوفًا على أبنها، وكانت فى ذلك الحين ترضع الطفل من لبنها الطاهر، فسقط البعض منه على الأرض أثناء قيامها للرحيل، فتحولت صخور المغارة التى كانت تجلس عليها العذراء مريم وإبنها  إلى اللون الأبيض الناصع كثلج، هذه المغارة تسمى بمغارة الحليب بجوار كنيسة المهد (الميلاد) بالقدس فلسطين..

 

فأتى يوسف النجار ومريم العذراء وإبنها الطفل يسوع على حمار وكانت معهم سالومى بنت خالة العذراء مريم لكى تخدمهم طوال مدة الرحلة، فخرجت تلك العائلة من الطريق الساحلى مرورًا برفح الحدودية بقطاع غزة، فوصلوا إلى الحدود المصرية بعد 10 أيام من مغادرة أورشليم، ومن ثم يكون وصولهم إلى الحدود السيناوية فى 25 فبراير من العام الأول الميلادى، مروًا بالمناطق التى حددتها فى ضوء التقليد وبما يتفق منطق الأمور في رحلتى الذهاب والعودة.. 

 

وقبل أن يعلم هيردوس الملك بإنصراف المجوس إلى بلادهم بالفرس عن طرق أخرى، والتأكيد على ذلك نجده فى الأسس الكتابية فى الكتاب المقدس، وهى عبارة عن نبؤات من العهد القديم من قبل ميلاد السيد المسيح له المجد ب 700 سنة ق.م على لسان الأنبياء القديسين أشعياء وهوشع عن زيارة العائلة المقدسة إلى مصر: نجد فى سفر أشعياء النبى يقول "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة، وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها" (أش 1:19). 

 

وهذا ما حدث عندما دخل المسيح أى مدينة ف مصر كانت الأوثان تسقط في المعابد وتنكسر (انكفأت على الأرض لأنه حل بها كلمة الله المتجسد، كما انكفأ داجون أمام تابوت العهد) (اصم 3:5 )  فخاف الجميع من هذا الحدث غير المألوف، وكانوا يرتعبون من هذه المشاهد.. والمقصود بالسحابة السريعة هى القديسة العذراء مريم.
 

المكان الثانى للحج

 

والنبؤة الثانية: تقول "فى ذلك اليوم في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود"، "فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر" (أش18:19-20). وتفسير الخمس مدن هنا: هى مدينة الشمس "عين شمس" ومدينة تحفنحيس "تل الدفنة" ومدينة بابليون "مصر القديمة" ومدينة سين "أسوان" ومدينة تل اليهودية بسيناء وهؤلاء المدن تتحث بلغة كنعان حسب النبؤات الإلهية..


ومذبح الرب في وسط أرض مصر المقصود به صخرة الإيمان المسيحى التى قامت على أنقاض الوثنية، وهو الحجر الذى  ينام عليه الطفل يسوع المسيح ويقع في دير المحرق في أسيوط في جبل قسقام بالقوصية، فقد صار مذبحًا للرب وعليه بنيت كنيسة بإسم السيدة العذراء مريم في عهد القديسة هيلانة والدة الملك قسطنين في القرن الرابع الميلادى.. ويقع هذا المذبح جغرافيًا من جميع الأتجاهات الأربعة تجد أنه فى وسط أرض مصر.. 

 

وصار هذا المكان الطاهر ديرًا للرهبان وعامرًا إلى وقتًا هذا.. ويعتبر هذا المكان المقدس حق أصيل لكل مواطن مسيحى من كل بلدان العالم، وهذا من منطلق دينى وعقائدى في المقام الأول، وهذا المكان يعد الثانى للحج (التقديس) والزيارة بعد القدس بفلسطين، حيث هناك الكثير والكثير من الأماكن المقدسة ومن بينهم القبر المقدس الفارغ من جسده الإلهى بكنيسة القيامة ومعجزة فج النور المقدس منه يوم سبت النور من كل عام، وطريق الالآم والأماكن التى عاش بها السيد المسيح طول حياته على الأرض بالجسد ومن بينهم مغارة الميلاد وقبر السيدة العذراء مريم الفارغ الذى صعد منه جسدها الطاهر البتول إلى السماء.. 

 

ومصر لها تاريخ كبير بالمقاصد السياحية والأماكن المقدسة التى زارتها العائلة المقدسة.. والعمود عند تخمها المقصود به كاروز الديار المصرية مارمرقس الرسول البابا الأول فى تاريخ الكنيسة القبطية، ولذلك سمى بالكرسى المرقسى. 
 

والنبؤة الثالثة في سفر أشعياء تقول: "فيعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب ويقدمون ذبيحة وتقدمة". والنبؤة الرابعة في سفر هوشع النبى (1:11) وتقول "من مصر دعوت إبنى" ويذكر إسم مصر العظيم فى الكتاب المقدس 698 مرة (670 مرة في العهد الجديد و28 مرة في العهد القديم).
 

 

فكانت الزيارة سبب لمصر وشعبها فقال الرب “مبارك شعبى مصر” وهذا والتفسير الوحيد عى عدم زيارة البلاد المجاروة لمصر في ذلك الحين.. فلماذا أختار الرب مصر بالذات؟ 
إن السيد المسيح هرب إلى مصر إتمامًا لهذه النبؤة التى قالها هوشع النبى، وكان هذا الهرب مبررًا لكى يبارك أهل مصر بدخوله ووجوده بينهم. تحقيقًا للنبؤة التى قالها أشعياء "فيعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب ويقدمون ذبيحة وتقدمة" ( أش 21:19 ).
فأصبح الشعب المصرى يعرف الله حق المعرفة ويعبد الله حق العبادة ويعرف الله الواحد حق التوحيد أنه واحد القدوس لا شريك له..

وللحديث بقية

الجريدة الرسمية