رئيس التحرير
عصام كامل

الحرب الروسية الأوكرانية.. ورب ضارة نافعة!

رب ضارة نافعة.. فالحرب الأوكرانية الروسية تسببت في توقف تصدير القمح والذرة والزيوت والعديد من المواد الغذائية من البلدين المتحاربين لدول العالم مما جعل الأزمة الغذائية تنتشر في كل مكان، والمسألة لا تقف فقط عند المواد الغذائية لكن أيضا المنتجات الصناعية والغاز والبترول مما جعل أوروبا تصرخ والحقيقة كل الدول تصرخ لتظهر على الساحة حقائق مخفية وهي أن روسيا وأوكرنيا يشكلان معا سلة غذاء العالم بنحو 30% بالاضافة إلى النفط والغاز وخلافة.

 

وما يهمنا في مصر أن ناقوس الأزمة جعلنا نتيقن من أهمية تطوير الزراعة والصناعة معا ليعطيا لحركة التنمية ديناميكيتها أو قل أساسها الصحيح، نعم بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي التحرك منذ فترة في هذا الملف وما يفعلة الان يفوق الخيال ويقترب من المعجزة إذا وفقنا الله إلى النجاح فيه.. كيف؟

مشروع مستقبل مصر

 

ما يخطط له الرئيس هو زيادة الأرض المستصلحة لأكثر من 2.5 مليون فدان أى بما يفوق ربع مساحة مصر المزروعة الآن وما تم استصلاحة في نحو 500 سنة.. أليس هذا بمعجزة؟! لا يكتفي الأمر بذلك ولكن تكنولوجيا الصوب والتقاوى ونحو مليون رأس ماشية.. ليجعل ما يتم إنتاجة الآن مضاعفا لما يزيد عن 3 أضعاف و5.. ألخ مع الإستخدام الأمثل للمياه.. أليس هذا بمعجزة.. أليس تحقيق الإكتفاء الذاتى من القمح -إن تم- بمعجزة!

 

والحكاية ليست لللاستهلاك والشو كما تعودنا في سنوات سابقة لكن بدأت أثارها تظهر على السطح.. ظهرت بعض الملامح منذ شهور قليلة وتكثف الإعلان عنها منذ أيام بافتتاح مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي وقبله بإعادة الحياة إلى مشروع توشكى الذى توقف العمل بة لسنوات.. 

 

الجديد الذى توقفت أمامه وأقول رب الحرب الروسية الأوكرانية نافعة أن توجيهات الرئيس لوزير الزراعة وكل الأجهزة المعنية بسرعة الانتهاء من هذه المشروعات وحدد نهاية العمل عام 2023 لمشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي الذى يضيف نحو مليون و50 ألف فدان.. والأمر كذلك في الدلتا الجديدة ووسط سيناء وبنىى سويف والمنيا.. الخ

 

والحكاية جد وخطيرة، فاذا لم نوفر الغذاء أصبحنا في مأزق شديد، ويكفي أن نرى من لديهم الأموال الآن عاجزين عن الإستيراد فما بالك لو كنا نحن لا نملك مثل هذة الثروات! باختصار ليس أمامنا رفاهية إلا تنمية الزراعة ومعها الصناعة الثقيلة وفي مقدمتها الحديد والصلب، وقد كتبت منذ فترة متناولا حكاية القمح في مصر منذ القدم تحت عنوان إن فاتك القمح اتمرغ في ترابه!

 

والسؤال الذى يفرض نفسه كيف تحولت مصر من سلة العالم في القمح إلى أكبر مستورد له حتى أصبح الشعب مرهونا بغذائة لجميع الظروف الخارجية، المقصود منها وغير المقصود.. يعنى قضية أمن قومى.. ولم نتعلم من الأزمات المتتالية نتيجة الإعتماد على إستيراد القمح.

أيام  جمال عبد الناصر

 

عندما اخبروا الرئيس عبد الناصر أن الفلاحين والبسطاء يأكلون رغيف الخبز المصنوع من الذرة، أصدر قرارًا بصناعة رغيف الخبز من القمح، وهو ما زاد من حجم الاستهلاك المحلى للقمح بشكل تحتم معة استيراده من الخارج، رغم القيمة الغذائية لرغيف الخبز المصنوع من الذرة.. 

 

وبمرور الوقت تفاقمت المشكلة نتيجة زيادة عدد السكان مقارنة بالمساحة المزروعة منه، ولم نتعلم من الدرس الذى لقنته لنا واشنطن عام 1965، حينما قررت عقابنا بعدم بيع القمح لنا، وفي عهد الرئيس السادات كنا نستورد 1.5 مليون طن قمح، إرتفع في العام 2000 ليصل إلى 2.5 مليون طن، وحدثت انتفاضة 18 و19 يناير 1977 وكان من أسبابها ارتفاع سعر الرغيف من نصف قرش إلى قرش ونصف.

 

مبارك وشهداء الخبز

 

وفي عهد حسنى مبارك وأثناء حصار غزة 2008 أطلق تصريحا جريئا في بداية الأزمة قائلا: لن نترك غزة تموت جوعا.. لم يأت الرد على هذا التصريح من تل أبيب، وإنما جاء من واشنطن عبر تأخير توريد شحنات من القمح  إلى مصر، مما تسبب  في أزمة نقص الخبز في مارس 2008، ووقع على اثرها عشرات القتلى والجرحى خلال تشاجر المواطنين في الطوابير الممتدة أمام منافذ توزيع الخبز، وعرف المصريون لأول مرة في تاريخهم مصطلح شهداء الخبز.

 

يعنى أمريكا تمارس الضغوط باستمرار للدرجة التى يقول فيها البعض إن اتفاقية كامب ديفيد تمنع مصر من الوصول إلى الإكتفاء الذاتي من القمح حتى نظل رهينة للبيت الأبيض.. ومع ذلك ما حدث أيام عبد الناصر والسادات قبل كامب ديفيد ومبارك قد يدلل على عكس ذلك وإن كان الهدف موجود أيا كانت أسبابه.

 

 

وأعتقد مما ذكرتة لا سبيل أمامنا إلا الإكتفاء الذاتي من القمح بزيادة المزروع من الأراضى وبسياسة محددة تعوض الفلاح بعدم زراعة محاصيل أخرى أكثر ربحا، والاستفادة من التطور العلمي الذى يتيح استزراع القمح في بيئات مختلفة ومياه قليلة.. الخ من تقنيات.

القمح والذرة أمن قومى، لن نموت لو لم نصدر البرتقال أو الفرأوله أو الكانتلوب  أوحتى الورد  لكن نموت بدون قمح أو ذرة أو أرز!

yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية