رئيس التحرير
عصام كامل

كد السعاية.. كبسول ولا عضل ؟

بسرعة قياسية بادرت مؤسسات وتجمعات جاهزة بالاستجابة على طريقتها الخاصة لدعوة مناقشة وتمرير قانون جديد للأحوال الشخصية والأسرة. وبالأمس؛ حضر الجاهزون داخل مؤسسة كبرى بما في الأدراج من مقترحات متطابقة حول القانون الجديد المرتقب، وقدموا أنفسهم للرأي العام على أنهم أصحاب مبادرة تزعم لافتاتهم خلف المنصات أنها داعمة لاستقرار الأسرة.

 

يقدم قادة المؤسسة الصحفية ضيوف المنصة ويذهبون، تاركين للحضور وأغلبهم من النساء؛ واحدة من المختصات بعلم الآثار، وأستاذ قانون مدني بجامعة في الصعيد، وعضوا بمجمع بحوث دينية، جميعهم معروفين بعلاقاتهم بالمجالس النسوية لكنهم يرفعون شعار معا لحماية الأسرة على طريقتهم الخاصة، معبرين عن اعتزازهم بما صاغته أقلام نسوية من عبارات تأييد لأفكارهم وأهدافهم بمجلد فاخر وزعوه على الجمهور، يلخص حقوق الأسرة في حقوق المرأة وحدها، خاصة المطلقة.

 

أما الحوار؛ فبعد إملاءات أثرية وقانونية وفقهية داعمة لهدف تمرير مكتسبات مالية جديدة للنساء في قانون جديد ربما تعطل مشروع الزواج نفسه في ظل الضغوطات الاقتصادية بالأخص تحت مصطلح كد السعاية، فينتهي بعد عبارات الثناء على كلماتهم من النسويات الحاضرات، ولا يكتمل طالما ظهر في المشهد رجال يعبرون عن جانب من الأزمة المجتمعية التي تعكسها التشريعات الحالية وأبرزها غياب الرعاية المشتركة بين الأبوين وذويهما لأطفال الشقاق.

 

هنا؛ تجد المتحدثين على المنصة وقد انشغلوا بمراجعة أجهزة هواتفهم النقالة وتبادلوا الضحكات الساخرة متجاهلين آلام طرفي مثلث الأسرة، الأب والطفل، وربما أكمل أحدهم صراحته بخلفيته ذات صبغة التدين متى ردد ما تقوله شخصية نسوية بارزة ب"ألا عودة للوراء ولا تراجع عن مكتسبات للنساء"، وأبرزها الخلع على واقع تطبيقه الحالي وسن الحضانة بالأخص، ولو أتت تلك المكتسبات الزائفة على استقرار الأسرة وتسببت في رفع معدلات الطلاق وتعزيز قطع الأرحام كما يوضح المختلفون بالإحصائيات والدراسات.

 

تشريعات مرتقبة

 

بل تزيد منصة الحوار المزعوم متى واجهت أصواتا مغايرة لتوقعات ما بعد البريك والباتيه لتؤكد على وجود تنظيمات غير شرعية تقود عملية الرفض لتشريعات مقبلة، ربما لا يحق لك أمام حرفنة مروجيها سوى تحديد طبيعة تعاطيها، على طريقة روشتة الطبيب كبسولة أو حقنة في العضل، فما لن تقبله عبر كبسولات ندوات ومنصات حوار يفرضه أصحاب الياقات البيضاء وسيدات الفساتين اللامعة والعطور المدهشة، سيملى عليك بالحقن عبر تمرير القانون دون حديث معك.

 

أما رفضك لهذه الصيغة من الكلام فيواجهها سكان المنصات بسؤالك: كيف تسربت إلى القاعة ونحن في حوار مجتمعي له بطاقات دعوة حضور خاصة لم نوجهها إليك بالتأكيد أيها المختلف عنا والمغرد خارج سرب اليمامات والحمامات والبلابل؟.

 

الأمر كذلك لا يخلو في النهاية من كتابتهم توصيات لم تسمعها أو تنطق بها أو تقترحها الأصوات الحاضرة أو المخالفة لإرادتهم وإرادة المجالس والجهات التي ينسقون معها، فيطلب أب تطبيق مبدأ الرعاية المشتركة لأطفال الطلاق ليجد من بين القائمين على الحدث أن توصيته تحولت إلى التمسك بنظام الرؤية الفاشل الفاسد المتزايدة بسببه الجرائم والحوادث ذات الطابع العائلي داخل مراكزها!

 

المكسب الوحيد في حواديت الحوار المجتمعي المزعوم حول مشروعات القوانين الجاهزة في الأدراج، والمتطابقة فيها وجهات نظر من صاغوها مع إرادة أصحاب المصالح، هو البريك بما يضمه من تنويعات العصير والباتيه والباتون والكيك والإنجليش تي، وهو فقير بالتأكيد ويفرض عليك الترفع عنه غالبا، لكنه مرتفع القيمة في أيام الضنك التي يعز فيها على أهل الشحططة في المحاكم ومراكز الرؤية تحمل زيادات أسعار المشروبات على مقهى بلدي بشارع الجلاء أو الوكالة..

 

لكن البشارة أن حظك ربما سيكون أعلى في أوبن بوفيه غذاء و2 بريك لو تحول الحوار من مجرد ندوة فقيرة إلى ورشة عمل مطولة بفندق خمس نجوم ليومين أو ثلاثة، وأظن أن الرعاة له جاهزون وقد شمل التنويه إلى الحوار إشارة إلى وجود رجال أعمال بين الحضور، أظن أن بعضهم لن يبخل على ضيوف الهوانم وباشوات المنصات بشيء من النفقات لتغذية المواطنين المستقبلين للتشريعات المرتقبة.

 

 

ندرك جيدا أن الحوار المجتمعي وتقصى الحقائق وسماع وجهات نظر الأطراف حول أي مقترح تشريعي مهمة البرلمان طبقا للمادة 135 من الدستور وتقول: لمجلس النواب أن يشكل لجنة خاصة، أو يكلف لجنة من لجانه بتقصي الحقائق في موضوع عام.. وفي جميع الأحوال لكل عضو في مجلس النواب الحق في الحصول على أية بيانات أو معلومات من السلطة التنفيذية تتعلق بأداء عمله في المجلس"، وهي مادة أظنها تعكس الدور الرقابي للنواب على المؤسسات التنفيذية، وتدعم القدرة البرلمانية للأعضاء على صياغة تشريعات عادلة متى أحيلت إليهم مقترحات بقوانين أو مشروعات.

أما حوارات المنصات الصوتية فهى ظاهرة مستمرة لخدمة وتجميل ما يعد سلفا ليخرج من الأدراج في الوقت المناسب، وهو ما أوحى به مبكرا حديث أهل المنصة بالأمس ليؤكدوا لنا أن أمر هذا القانون انتهى بالفعل.

الجريدة الرسمية