رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

صراع في المحيط الهادئ.. أستراليا تدخل على خط أزمة جزر سليمان.. ومنافسة شرسة بين الصين والولايات المتحدة على استقطاب الحلفاء

جزر سليمان
جزر سليمان

سكبت الحكومة الأسترالية اليوم الزيت على النار إثر أعلانها أنه "من المرجح جدا" أن ترسل الصين قوات إلى جزر سليمان، والتي وقعت اتفاقا أمنيا مثيرا للجدل مع بكين لتشعل المحيط الهادئ في صراع مصالح بين القوى الكبرى.

جزر سليمان 

وقالت وزيرة الشؤون الداخلية الاسترالية كارين أندروز لإذاعة «4 بي سي»، ردا عن سؤال حول مطالبات صينية بإرسال قوات إلى جزر سليمان خلال العام المقبل:« ذلك مرجح جدا»، خاصة بعد توقيع اتفاقية أمنية مبهمة بين هونيارا وبكين وفق ما أوردت وكالة "فرانس برس".

وأوضحت أنه «من المرجح أن يكون هذا هو الطريق الذي تسلكه الصين في منطقة المحيط الهادئ».

واحتدم التوتر بين الصين والولايات المتحدة بعد توقيع الأولى اتفاقا عسكريّا مع جزر سليمان، اعتبرته واشنطن ودول أوروبا تهديدًا مباشرًا لمصالحها وأمنها الاستراتيجي؛  فيما ذهب المراقبون إلى أبعد من ذلك محذرين من احتمالات تطوّر الصراع بين الطرفين لمواجهة عسكرية بعد تصريحات حاسمة من أميركا والتي قالت إنها سترد بشكل حاسم حال أقامت الصين قواعد عسكرية في جزر سليمان ومع موجة التصعيد في المحيط الهادئ علينا نعرف أولا ما هي جزر سليمان. 

أستراليا 

وجزر سليمان، هي دولة تقع في جنوب المحيط الهادئ شرق أستراليا؛ وتتألف من أكثر من 990 جزيرة، ومساحتها 28450 كم²، عاصمتها هونيارا، وعدد سكانها 500 ألف نسمة، معظمهم يعيش في بيوت مصنعة من الخيزران ويعملون في الزراعة وصيد الأسماك، واللغة الرسمية فيها هي الإنجليزية.

وجزر سليمان، دولة ذات أهمية وموقع استراتيجيين في المحيط الهادئ، وغيرت العلاقات الدبلوماسية من تايوان إلى بكين في 2019، وسط صراع أوسع بين الصين والولايات المتحدة من أجل حلفاء إقليميين.

ويظهر الخلاف بين الغرب والصين في داخل جزر سليمان، إذ تجري جزيرة مالايتا مناقشات حول خطط مع واشنطن لتطوير ميناء في أعماق البحار، بينما تتابع المصالح الصينية خطط التنمية في جزيرة جوادالكانال الرئيسية حيث تقع العاصمة، في مشهد يعكس انقسام البلاد بين الصين والدول الغربية، لذلك لا عجب من توصيفها بأنها "خاتم سليمان" الذي يسعى إليه الجميع.

وتمثل جزر سليمان لواشنطن والغرب أهمية استراتيجية بالغة فمنذ أن كتبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، مقالها الشهير الاستدارة شرقًا، في مجلة «فورين بوليسي»، بدأ التنافس الصيني الغربي على كل شبر من المحيط الهادئ الذي تبلغ مساحته نحو 169.2 مليون كلم، ويشكل نحو 30% من مساحة المعمورة.

الولايات المتحدة والصين 

وسعت الولايات المتحدة وحلفاؤها من جانب، والصين من جانب آخر، إلى البحث عن الأدوات والوسائل التي تساعدها في نشر القواعد العسكرية، وبناء الشراكات والتحالفات السياسية والعسكرية مع شعوب وحكومات الجزر، التي تنتشر بطول المحيط، وخاصة في الأجزاء الغربية القريبة من أستراليا والصين.

وأخذ هذا التنافس مرحلة جديدة من التعقيد مع إعلان استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في 19 ديسمبر 2017، والتي اعتبرت الصين هي التحدي الأول للولايات المتحدة، بدلًا من الإرهاب والجماعات الراديكالية، التي كانت واشنطن تعتبرها الخطر الأول على أمنها القومي، منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وحتى 2017.

وفجر توقيع الصين وحكومة جزر سليمان على اتفاقية عسكرية في 31 مارس الماضي غضب الولايات المتحدة وأستراليا، اللتين تنظران إلى جزر المحيط الهادئ، بشكل عام، وجزر سليمان ومارينا الشمالية ومارشال وولايات ميكرونيزيا، باعتبارها مناطق ونقاط استراتيجية للأمن القومي الأمريكي، ولتحالفات الولايات المتحدة الجديدة، خاصة «أوكوس» و«كواد»، وهو ما دفع الولايات المتحدة لتغيير بعض عقائدها العسكرية في المحيط الهادئ، وفق وزارة الدفاع الأمريكية، حيث أصبحت استراتيجية واشنطن في جزيرة جوام، هو القتال عنها، بدلًا من القتال فيها، وهو نموذج على مدى ما وصل إليه التنافس بين الصين وحلفائها الآسيويين من جانب، والولايات المتحدة وتحالفاتها الجديدة في المحيط الهادئ من جانب آخر.

فما أبرز الجزر التي تتنافس فيها واشنطن وبكين؟ وما أدوات وأهداف كلٍ منهما في بناء هذه القواعد العسكرية الجديدة؟

80 سنة من المعارك 

منذ انتصار الولايات المتحدة في معركة جزر سليمان التي دارت بين حاملات الطائرات الأمريكية، والبحرية اليابانية يوم 24 - مارس 1942، دانت السيطرة والنفوذ للولايات المتحدة على غالبية جزر المحيط الهادئ، ومنها جزر سليمان، التي يصل عددها إلى نحو 990 جزيرة، ومساحتها نحو 28 ألف كلم، وتعاني غالبيتها من الفقر والبؤس، بعد أن كانت توصف بأنها جزر الذهب، ورغم أن الخلافات العرقية بين سكان الجزر وبعضهم البعض، كادت أن تحول البلاد إلى دولة فاشلة، فأن التدخل العسكري الأسترالي منذ عام 2003، والذي كان استجابة لحكومات جزر سليمان، كان بمثابة قوة للاستقرار الداخلي من ناحية، والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى.

وانتهى دور البعثة الأسترالية بداية من 25 نوفمبر عام 2017، عندما وقعت جزر سليمان اتفاقية أمنية مع أستراليا، تسمح فيها هونيارا عاصمة جزر سليمان، لأستراليا وفيجي ونيوزيلاندا، بنشر نحو 200 عنصر من قوات الشرطة لحفظ الأمن.

لكن الاحتجاجات التي كانت تحدث بشكل متقطع، دخلت مرحلة جديدة عندما اعترضت جزيرة «مالايتا»، وهي من جزر سليمان الكبرى، على قرار حكومة هونيارا، بقطع علاقتها مع تايوان عام 2019، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الصينية.

الصين وجزر سليمان 

ويتأكد للجميع أن الخلافات الصينية- الأمريكية، تلقي بظلالها على الأرض في جزر سيلمان، فجزيرة مالايتا، تدعم التقارب مع الغرب والولايات المتحدة، وحصلت على مساعدات طبية خلال جائحة كورونا من تايوان، وترفض ما تعتبره تغلغلًا صينيًا في الحياة الاقتصادية والسياسية في جزر سليمان، ولهذا جاء غالبية المتظاهرين في الموجة الأخيرة من المظاهرات التي اندلعت في نوفمبر الماضي من جزيرة مالايتا، وشاركوا في حرق الحي الصيني عندما اندلعت تظاهرات شهر نوفمبر الماضي، وفق صحيفة «التايمز» البريطانية، وهي التظاهرات التي ردت عليها حكومة رئيس وزراء جزر سليمان، ماناسيه سوجافاري، بتوقيع اتفاقية عسكرية مع الحكومة الصينية، تسمح لبكين بنشر قوات أمنية وشرطية في الجزيرة، التي تقع جنوب غرب المحيط الهادئ، ويبلغ عدد سكانها نحو 800 ألف نسمة.

كما تضمنت الاتفاقية مع الصين مقترحًا بأنه يمكن للصين وقت الحاجة، وبعد الحصول على موافقة جزر سليمان، إجراء زيارات للسفن، والقيام بعمليات تموين لوجستية، والتوقف والعبور في الجزر، التي تقع شمال شرق أستراليا بنحو 1500 كلم.

كما تسمح نصوص الاتفاقية للشرطة الصينية المسلحة، بالانتشار لإرساء النظام الاجتماعي، ونشر قوات صينية لحماية سلامة الأفراد الصينيين والمشروعات الصينية التي تنفذها الصين في جزر سليمان، وكل هذا أدى إلى رد فعل غاضب وقلق من جانب أمريكا وأستراليا وتايوان، حيث ترى هذه الدول الثلاث أن الاتفاقية بين هونيارا وبكين سوف تؤدي إلى تغيير الحسابات في المحيط الهادئ، بحسب قائد العمليات المشتركة لأستراليا الجنرال جريج بيلتون.

تحالف أوكوس 

والقلق من الاتفاقية الصينية مع جزر سليمان ليس فقط لدى الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والمملكة المتحدة، أعضاء تحالف «أوكوس» الذي تشكل في 15 سبتمبر الماضي، بل وصل القلق إلى الجزر الأخرى في منطقة المحيط الهادئ، بعد أن ناشد رئيس اتحاد جزر ميكرونيزيا، ديفيد بانويلو، في رسالة مفتوحة، رئيس وزراء جزر سليمان، سوجافاره قبل توقيع الاتفاقية بيوم واحد، في 30 مارس الماضي بإعادة النظر في التوقيع على المعاهدة، لأنها كما جاء في الرسالة التي نشرتها صحيفة «الجارديان» تنطوي على هواجس أمنية خطيرة.

وكتب بانويلو «أخشى أن نكون نحن في جزر المحيط الهادئ في قلب مواجهة مستقبلية بين هاتين القوتين العظميين.. يجب التفكير في الانعكاسات بعيدة الأمد للمعاهدة الأمنية على منطقة الهادئ بأسرها، إن لم يكن على العالم بأسره».

وفي المقابل تظهر بيانات البنك الدولي، أن الصين هي التي استوعبت منذ عام 2017 نحو 65% من صادرات جزر سليمان، الأمر الذي يجعل التفريط في العلاقة مع الصين أمرًا في غاية الصعوبة لحكومة جزر سليمان.

والتنافس بين الغرب والصين في جزر سليمان، يعد نموذجًا للتنافس على جميع الجزر في المحيط الهادئ، بعد أن حذر الرئيس السابق لجمهورية كيريباتي، أنوتي تونج، القريبة من خط الاستواء، وتتكون من 32 جزيرة، من أنها قد تواجه مشكلات مماثلة لجزر سليمان بعد أن سارت على درب جزر سليمان في التحول من العلاقة مع تايوان والأجندة الأمريكية والغربية إلى الصين، وقال «لا شك في أن ما يحدث في جزر المحيط الهادئ هو جزء من التنافس بين قوى عظمى».

نهاية الاتفاق الحر

وتنتظر الصين بفارغ الصبر، نهاية الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة وكل من جزر ميكرونيزيا ومارشال وبالاو، وهو ما يطلق عليه الاتفاق العسكري الحر، وينتهي عام 2024، ويمنح الولايات المتحدة سيطرة عسكرية على أراضي البلاد والمياه الإقليمية والمجال الجوى، مقابل الحصول على مئات الملايين من الدولارات في صورة مساعدات وامتيازات أخرى، وفق شبكة «يورو نيوز»، التي قالت إن سيطرة الولايات المتحدة على هذه الجزر بالإضافة إلى جزر جوام، وماريانا الشمالية، تمنح واشنطن السيطرة على أكثر من 3 مليون ميل مربع غرب المحيط الهادئ؛ وتضغط الصين حتى لا يتم تجديد هذه الاتفاقية، وفق مدير برنامج جزر المحيط الهادئ في معهد لوي بسيدني الأسترالية، جوناثان بريك.

المحيط الهادئ 

وفي ظل التنافس الهائل بين واشنطن وبكين على جزر المحيط الهادئ، دشنت أمريكا في فبراير 2021، قاعدة عسكرية ضخمة في جزر ماريانا تضم نحو 6 آلاف جندي، وهي قاعدة جوية سوف تكون غرب جزر هاواي الأمريكية بنحو 4 آلاف ميل، وفق ما نقل موقع «ناشيونال انترست»، وذلك عبر توقيع البنتاجون عقدًا للإيجار لمدة 40 عامًا مع حكومة كومنولث جزر ماريانا الشمالية، كما نقلت شبكة «سي ان ان» في 30 نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة سوف تزيد من القواعد العسكرية في جزيرة جوام بطريقة تسمح للولايات المتحدة بأن تحارب عن جزيرة جوام، بدلًا من الاستراتيجية السابقة للتحدي الصيني بالحرب في جزيرة جوام.

ليظل صراع المصالح الاستراتيجية والاقتصادية مفتوحا بين القوى العظمى العالمية ولكن هذه المرة في اتجاه آخر من العالم.

Advertisements
الجريدة الرسمية