مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (6)
كانت السيدة نفيسة، رضي الله عنها، عابدة، صوامة، قوامة، قانتة، زاهدة، شجاعة في الحق، قيل إنها قادت ثورة المصريين في مواجهة جبروت أحمد بن طولون، فأجبرته على العودة إلى طريق العدل، الذي كان قد بدأ به فترة حكمه.
تكررت تلك الروايات في كتب التاريخ، ومن وجهة نظري أنها تفتقر إلى الدقة؛ ذلك أن آل البيت كانوا يساعدون المصريين قدر جهدهم، ويتوسطون لدى الحكام، في مختلف العصور، برد المظالم، وبحث الشكاوى، لكنهم كانوا يلتزمون الأدب واحترام الآخرين في كل ذلك، ولم يعهد فيهم تلك الحدة والجفاف في الخطاب والحوار مع الآخرين والحكام.
وللعلم فقد انتقلت نفيسة العلم إلى جوار بارئها في ٢٠٨ هجرية، بينما ولد ابن طولون في بغداد في ٢٢٠ وجاء إلى مصر واليًا في ٢٥٤.
30 حجة
وقد حجت، رضي الله عنها وأرضاها، 30 حجة أدت معظمها وهي سائرة على الأقدام، وكانت فيها تتعلق بأستار الكعبة وتقول: "إلهي وسيدي ومولاي متعني وفرحني برضاك عني، ولا تسبب لي سببًا يحجبك عني".
وتقص زينب ابنة أخيها يحيى المتوج طرفًا من حياة عمتها فتقول: كانت عمتي تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة واحدة، وكان للسيدة نفيسة رضي الله عنها من زوجها "إسحاق المؤتمن بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب"، ولدان هما "القاسم وأم كلثوم".
وقد جاءت إلى مصر مع زوجها وأبيها وابنها وبنتها، وكان عمرها 48 سنة، وكان قدومها يوم السبت الموافق 26 من رمضان عام 193 هجرية، لزيارة من كان بمصر من آل البيت، بعد أن زارت بيت المقدس وقبر الخليل، ولما علم الناس في مصر بنبأ قدومها خرجوا لاستقبالها في مدينة العريش أعظم استقبال ثم صحبوها إلى القاهرة. ووهبها والي مصر "عبد الله بن السري بن الحكم" داره الكبرى بدرب السباع وحدد لزيارتها يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع.
خلوة السيدة نفيسة
وإحدى مفاجآت كنوز آل البي في مصر، هي خلوة السيدة نفيسة، وهي المحراب الذي كانت تتعبد فيه وأرضها عندما كانت تريد أن تناجي الله بعيدًا عن أعين الناس. المقام كغيره مغلق بتعليمات وزارة الأوقاف، حسبما قال لي شخص هو أحد الموجودين في الخلوة، دون أن يصح عن سبب وجوده في هذه البقعة الطاهرة، سوى أنه يساعد القراء، ويقدم وجبات مجانية للمحتاجين.
الخلوة من الداخل عبارة عن غرفة صغيرة حائطها الخارجى من الرخام، أبوابه خضراء، محاط بسياج قصير من الخشب الأبيض يعطى مظهرًا جماليًا، وتم تجديد الخلوة عام 1429 هجرية. ومن المتوقع أن يسفر وجود عدة أشخاص يقيمون في هذا المكان عن تضرره، ومن المنطقي أن تبادر الجهات المختصة بإخلائه من ساكنيه.
مقام سيدي عبدالله
ويلاصق خلوة السيدة نفيسة مقام سيدى عبدالله بن أبى حمزة، رضى الله عنه، الذي يقول عنه سكان المقابر المحيطون بالمنطقة إنه ما وقع نظر أحد على مقامه إلا وجبر خاطره، ولا يقف على قبره شقى إلا وحلت مشكلته وفك كربه، ويتصل نسبة بالصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري، وتقول عنه كتب التاريخ إنه موسوعة علمية أفاض الله عليه من علم الحديث النبوي وتفسير آيات القرآن وعلوم الحقيقة والشريعة.
ويجاور الخلوة أيضًا مسجد ومقام السيد محمد بن سيد الناس، وهو فقيه ومحدث كبير، ربما يأتي ذكره في مقال لاحق. كل هذه الآثار العظيمة لم نتمكن من مشاهدتها عن قرب، لإصرار ساكني المكان على أنه مغلق بأمر وزير الأوقاف!!