رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة عبير صبري!

نعم قالت عبير صبري رأيها في التعليم المجاني - ولها ولرأيها كل الاحترام - ضمن سياق شامل تحدثت فيه عن التعليم بشكل موسع طالبت فيه بالمجانية للمتفوقين فقط.. والحجة هي: الدولة تتكلف أموالًا طائلة.. وبالفعل تتكلف الدولة أموالًا طائلة في مجالات التعليم والصحة وخدمات أخرى.. ورغم اتفاقنا على التوجيه الأمثل للموارد، فإن دور الدولة هو أن تنفق على شعبها وتوفر الاحتياجات الأساسية له، خصوصًا لغير القادرين.. ثم تدور عجلة التعليم لتفرز - وقد تعلمت هي في مدارس وجامعات حكومية - المتفوق من غير المتفوق.. وليس أن نحدد المتفوق ابتداءً!

 

عبير صبري تقول ما يعني أن المهن كلها محترمة وتتكامل أدوارهم في الحياة.. فهل نستبعد أصحاب الكليات المتوسطة من المجانية؟ أولئك ممن لن يلتحقوا لا بكليات التفوق والقمة ولا التعليم الفني.. ماذا نفعل بهم؟! أين نذهب بهم؟!

 

تكافؤ الفرص

عبير صبري احترمت التعليم الفني.. ونحن معها ونؤيدها.. ثم تقول بشبه سخرية أو بشبه رفض "الفكرة اللي كانت في الستينيات وإن كله يتعلم مش لازم تستمر، التعليم الفني مطلوب"! دون أن تدري الفنانة الكبيرة أن التعليم الفني كان في الستينيات في مجده الحقيقي.. وأن مراكز التدريب المهني التي كانت تتبع وزارة الصناعة كانت تعلم طلبة مصر كافة المناهج الفنية وتدربهم في المصانع التي تكاثرت في تلك الحقبة ثم تعيينهم بعد حصولهم على الشهادة!!

 

ننتمي - كاتب هذه السطور - والفنانة الكبيرة إلى جيل واحد.. لكن كثيرين لم ينتبهوا إلى أشياء كثيرة خصوصًا في ظل الحملة التي لم تتوقف على فترة الستينيات أن الدولة وقتها كانت تعلم الناس وتعالجهم وتعتني بهم وتبني لهم مساكن شعبية دون استدانة.. وعندما تقود الدولة حركة تصنيع هائلة كان منطقيًّا أن يجد الخريجين مكانًا لهم للتعيين وفرص عمل تستوعبهم.

 

السؤال: من الذي أوقف خطط التنمية الهائلة؟ من الذي أوقف قدرة الدولة على بناء مدارس تستوعب الزيادة السكانية؟! من الذي ألغى التعليم الفني؟ من الذي ترك التخطيط للتعليم ولقدرة السوق على استيعاب الخريجين؟! في عهد من تدهور التعليم وتراجع وتدهور دور المعلم وتراجع وألغيت أو أهملت تحية العلم وألغيت مواد التربية القومية والوطنية والملعب والمسرح المدرسي؟!

 

يحق لـ عبير صبري أن تعبر عن رأيها كما تشاء.. ويحق لنا الحق نفسه.. لكن علينا جميعًا أن نقول كلامًا معقولًا. ونتوقف عن "تلقيح الجتت" على الستينيات، وعلينا أيضًا أن نرحم فقراء مصر ونتوقف عن الضغط على بسطاء هذا البلد، ويكفي أن مبدأ تكافؤ الفرص دمر بالكامل بعد الستينيات، وبات حق هذه الطبقات في الوظائف العليا والمرموقة ضائعًا لمصلحة من يقدر ومن يستطيع.

وإلى حين تصحيح كل ذلك برد الاعتبار للتعليم الفني كما يحدث الآن، وبناء مدارس جديدة في سباق اليوم مع الزمن، علينا أن نعرف تاريخ بلادنا وماذا جرى فيه.. وكيف جرى فيه كل ما جرى! لا أن تكون مثل هذه القضايا شديدة الحساسية عرضة لانفعالات أو حتى ضلالات تسببت فيها كتابات مغرضة وتزييف متعمد!

 

الغضبة ضد عبير صبري - وقد بلغتها وتأثرت بها واتهمت بعض الصحف بتحريف كلامها - تؤكد حجم ومساحة من تأثروا بكلامها وتبرز خيارات شعبنا وانتماءاته.

الجريدة الرسمية