رئيس التحرير
عصام كامل

فن الهمبكة: كيف تعطي لـ«القبح» سعرًا

قبل سنوت انتشرت بعض التسجيلات الصوتية لرجل اشتهر باسم التباع، وهو يتحدث إلى امرأة، يبث فيها احتياجه -جنسيا- لها، ويبادلها الكلام الأبيح، وهو ما كان يستوجب رفضا مجتمعيا، لكن الأمر لم يسر على ذلك النحو. ففي غضون أسابيع من ذياع صيت التباع، أصبح حديث السوشيال ميديا تارة بالسب وأخرى بالسخرية، إلى أن بات الأمر عاديا بعدما كان مستهجنا.

 

ولم يتوقف الأمر عند حد جعل الشيء الخبيث عاديا، بل تحول إلى شيء مقبول ثم مستحب، فعرضت إحدى الشركات على التباع فرصة لا يمكن رفضها، وبالفعل صور لتلك الشركة إعلانا تجاريا يروج لمنتجاتها.

قصة التباع لاحت لي في الأفق، حين شاهدت الفيديو الخاص بـ«عريس وعروسة الإسماعيلية»، حيث اعتدى الرجل على زوجته في ليلة زفافهما أمام العشرات من الناس، ثم الملايين، بعدما راج الفيديو على نطاق واسع.

 

كنت أظنه سوف يخرج ويعتذر عما فعله، مبررا ذلك بأي مبرر – ولو كذبا – غير أن ما حدث كان عكس ذلك تماما، حيث ظهر العريس مع عروسه متحدثا لبعض المواقع الإخبارية، مؤكدا أن ما فعله أمر عادي، قائلا «عندنا الموضوع دا -الضرب- عادي، وكمان هي بنت عمي قبل ما تكون مراتي».

 

ابتزاز ونقمة
 

إقبال وسائل الإعلام المختلفة على استضافة عريس الاسماعيلية جعله يشعر بأنه بطل، وهو ما جعله ينتقل من مرحلة الدفاع إلى الهجوم.. من الدفاع عن نفسه مبررا خطأه إلى مهاجم يطلب أجرا مقابل ظهوره في القنوات الفضائية، وهو ما كشفه الإعلامي محمد الغيطي في برنامجه صح النوم بأن عريس الاسماعيلية طلب نحو مائة ألف جنينه مقابل الظهور في البرنامج، واصفا تصرفه بالابتزاز.

 

لا نموذج التباع هو الأول ولا عريس الاسماعيلية هو الأخير في سلسلة تحويل القبح إلى شيء ذي قيمة، فكثير من نماذج القبح التي تدر على صاحبها دخلا تنتشر في محتلف المجالات.. هم بيننا يمشون بكل فخر، ونحن نكتفي بإعلان الشجب والإدانة – كما مندوبي الدول بالجامعة العربية – ثم سرعان ما نلتف حول التلفزيون ومواقع التواصل لنشاهد القبح ونحن نضحك بالدموع ونتناول المقرمشات، فيما تجلب تلك البرامج والفيديوهات إعلانات بالملايين.

 

فضلا عن إعلاميين يرون في مثل هذا القبح فرصة لإثارة الجدل، فتقام الحلقات والنقاشات بين مؤيد ورافض، ثم تجد مذيعة مليحة الوجه تطل علينا من قناة شهيرة وهي تؤكد أن الرجل نعمة ربنا علينا ويجب على المرأة أن تحمد الله على هذه النعمة..

 

يا سيدتي أنا رجل وكلامك قد يثلج صدري ويرضي غروري، لكنك في تجاهلت حقيقة واضحة ووقعت في فخ، فأما الحقيقة فهي أن الرجل يكون نعمة إذا كان محترما مقدرا لزوجته صائنا لها، لا مباهيا بقبحه وظلمه وافترائه، فضلا عن أن المرأة الأصيلة الطيبة هي الأخرى نعمة من الله لزوجها، وجب عليهما تبادل الاحترام والمودة.. وأما الفخ، الذي وقعت فيه، فهو التعميم.. فليس كل رجل نعمة وليست كل امرأة نقمة!

 

 

يا عزيزي كلنا شركاء في الترويج ل القبح وإعطائه الشرعية، ليصبح شيئا ثمينا، وليصبح القبيح بطلا شعبيا أو فنانا. وإذا كانت الوصية أن «أميتوا الباطل بالسكوت عنه»، فالأحرى أن نردد «أميتوا القبح بتحقيره»، فمثل هؤلاء تجارتهم تندرج تحت تصنيف الهمبكة التي في حقيقتها تساوي صفرا، لكننا جعلناها تساوي ذهبا.

الجريدة الرسمية