رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فن الهمبكة: كيف تصبح «راجل مهم»

الناس يميلون إلى تقديس كل ما هو غامض، فيضفون الهيبة على الأشياء غير الواضحة والأشخاص الذين لا يتسمون بالشفافية، لهذا فإذا كنت تريد أن تظهر نفسك كـ«راجل مهم»، وأنت تعلم أنك لا شيء – نكرة لامؤاخذة – فعليك ألا تكون لطيفا أو اجتماعيا ولا متواضعا، بل إصنع حولك هالة من العجرفة وقلة الذوق وقلل من كلامك بقدر ما تستطيع، وتسلح بالعنجهية الكاذبة، وحتما ستجد من حولك يعطيك أكبر من حجمك، وسيظنون أنك «ياما هنا ياما هناك.. وأنت أصلا هناك مش عارف ترجع هنا».

 

عزيزي الفارغ الأجوف، أنت تعلم أنك «على الله حكايتك»، لكن الناس لا يعرفون ذلك، ويمكنك خداعهم بالمظاهر، لذلك لا تتعجب حين أخبرك بأن «حتة نضارة سودا» تضعها على عينيك ليل نهار في الشمس وتحت ضوء القمر في الشارع والبيت والمطعم والمقهى، ستجعل من يراك يظنك – وهنا الظن هو الإثم بعينه – نقول إن من يراك على هذه الحالة سيظنك رجلا مهما، صاحب منصب أو جاه وسلطان.

 

تكبر وعجرفة

 

أتذكر في وقت ما، كنت أسكن في منطقة شعبية، وكان أحد جيراني رجلا تبدو عليه الهيبة، ضخم الجثة يرتدي بدلة سوداء وكرافتة بيج طوال الوقت، وأظنه كان ينام بها، وحين كنت ألقي عليه بالتحية كلما قابلته في الأسانسير أو مدخل العمار كان يرد بعجرفة مرة ويتجاهل الرد مرات، فقررت ألا يخاطب لساني لسانه من باب «التكبر على المتكبر هو التواضع بعينه».

 

وفي يوم من الأيام، رآني بواب العمارة أمر إلى جوار ذلك الرجل دون أن أحييه، فتعجب البواب وعاتبني في اليوم التالي لأنني تجاهلت ذلك «الراجل المهم»، فلما سألت البواب عن يكون قال لي إنه لا يعرف عنه سوى إن اسمه ياسر بيه، وإن هيئته تدل على أنه شخص مهم بدليل إنه لا يلقي السلام على أحد ويعامل الجميع بتعالي، فتعجبت بدوري من «عمو البواب»، الذي خلع على صاحبنا قداسة وجعله رجلا مهما لمجرد أنه «الرجل الغامض بسلامته متخفي في نضارة» كما أنه قليل الذوق..

 

 

مرت الأيام وقادتني الصدفة إلى حفل التقيت فيه «ياسر بيه»، فعرفت من خلال مضيفنا أن صاحبنا متعطل عن العمل بمزاجه، ويرفض أي فرصة لشغل أي وظيفة بحج أنه لا تناسب قدراته ومكانته، والأدهى أنه يعيش على «عرق النساء» ولا مؤاخذة.

كان ياسر بيه يتخفى من نفسه خلف نظارته السوداء، ومع ذلك تمكن من خلال «الهمبكة» أن يصبح في نظر المحيطين حوله «راجل مهم»، كونه ناجح في كساء نفسه برداء من الغموض والعجرفة والصمت.

Advertisements
الجريدة الرسمية