رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الجمهورية الجديدة (1).. يد تبني وأخرى تهدم!

بعد سفرة قليلة الكيلومترات تتوقف السيارة وأترجل منها وسط جلبة من رفاق القرية التى كانت يوما من الأيام هادئة وديعة، ووسط ضحكات الماضى والذكريات الصاخبة يتوقف الضحك فجأة. يدخل علينا شاب فى ريعان شبابه وقد انحنى ظهره وبدت عليه علامات الموت وسرى فى بدنه وهن مخيف، يسنده أب لا يقل مرضا عن ابنه وكل أمانيهما السوفالدى، فقد تمكن فيروس سى اللعين من الولد.

 

أعود إلى القاهرة لأتواصل مع ذوى الشأن، وبعد جهد جهيد قد نجد له مكانا بين ملايين البشر الذين يقفون فى طابور الموت، إما أن يحظى بالسوفالدى أو يأخذ مكانه بين مقابر القرية التى تتوسع يوما بعد يوم بقرار من هذا المرض اللعين.. سنوات طوال قضيناها بين الفقد والإنقاذ، نفقد المئات وننقذ العشرات فإمكانات الدولة لا تفى بعلاج كل هذه الملايين التى تنتظر، وما أصعب أن تنتظر قرارا بالعلاج أو قدرا محتوما.

 

 

كانت هذه مصر القديمة أو الجمهورية القديمة حتى جاء الفرج من عند الله، وبشجاعة وجرأة قرر الرئيس عبد الفتاح السيسى ألا يقف عاجزا أمام هذا الوحش الذى ينهش أجساد الشباب.. انطلقت أولى مبادرات الصحة، وفى شهور قليلة لم يعد هناك طابور انتظار، ولم يعد هناك وسيط للفرار من الموت، ولم يعد المواطن بحاجة إلى عضو بالبرلمان ولا مسئول بوزارة الصحة ولا صحفى من أمثالى لكى يحظى بحقه فى مواجهة الموت بعلاج أصبح متاحا للجميع.

 

100 مليون صحة

 

غادر الخطر المحدق بالبشر أرض مصر الجديدة، ولم تعد البيوت تكتسى بالسواد، ولم يعد الشاب منكس الرأس منحنى الظهر، قابعا ينتظر أن تصل إليه يد الوساطة والمحسوبية من أجل الحياة.. وانطلقت 100 مليون صحة لتغطى مساحات أوسع فى معركة مواجهة المرض، وبدا فى الأفق نور يبدد ظلمة العوز والحاجة وتمنى الرحيل كبديل لحياة يلفها الألم واليأس والإحباط والشعور بالعجز.

 

هكذا بدا واضحا أن هناك ملامح إنسانية للجمهورية الجديدة فى بناء الإنسان، وأول معاييرها مواجهة الأمراض التى تهدد الإنسان المصرى فى حياته.. ويبدو أن الإحساس بالنعمة يدفع الإنسان إلى مزيد من النِعم، ويتطلع المصرى إلى ما هو أبعد من بناء الحجر، وهو البناء الذى خطونا فيها مساحات شاسعة قد لا يصدقها عقل من فرط تفاؤلها وسرعة تنفيذها.

 

ملف التعليم

 

لا يزال ملف التعليم باعتباره الأكثر أولوية فى أيدٍ غير أمينة دون مشروع واضح المعالم، ودون خطط مبهرة، كما جرى فى ملف الصحة الذى لا يزال يحتاج أيضا الكثير والكثير.. ونظن أن ملف التعليم قادم لا محالة، ونعتقد أن صاحب القرار يتابع عن كثب ما يجرى من خطط هلامية وتجارب بدائية وأيدٍ مرتعشة وتجارب لا تخضع لمنطق أو علم.

 

وحتى يأتى اليوم الذى نخطو فيه فى ملف التعليم بنفس النهج الذى تذوقنا حلاوته فى ملف الصحة نظن أن بناء الحجر بدءا من الطرق والإسكان وصناعة مدن جديدة، وفق آخر تصورات العلم فإن هناك ملفا ننبه إلى خطورته على ملامح الجمهورية الجديدة.. 

 

الجمهورية الجديدة

 

والجمهورية الجديدة ليست بنايات شاهقة تناطح السحاب وليست طرقا عالمية تضاهى طرق أوروبا، وليست لغة صاخبة دون عمل حقيقى.. يتعدى المعنى ذلك بكثير.. الملاحظ أن خريطة العالم تتغير، وهو ما فرض على صانع القرار طرح فكرة الجمهورية الجديدة.. أذكر نفسى وغيرى بما كان يحدث بين الدول العربية قديما، فغضب مسئول كفيل بإغلاق ملف العلاقات بين دولتين لأن الغاية كانت عاطفية.

 

فى الجمهورية الجديدة، قد تتعارض المصالح، ولكن ذلك لا يوحى لصانع القرار بالقطيعة أبدا، وإنما بالبحث عن مشتركات يمكن من خلالها تقليل حجم الخسائر بين الطرفين.. العلاقات المصرية العربية بدأت تنحو نحو هذا المفهوم.. تتعارض بعض مصالحنا مع أشقاء، ولكن ذلك لم يقطع علاقة، ولم يدعُ كبار المسئولين إلى العراك على الهواء.

 

بهدوء نناقش التفاصيل، وبهدوء نقرأ مصالحنا ومصالح غيرنا.. علاقات جديدة تماما لا تحكمها عاطفة ولا تتحكم فيها هشاشة العلاقات القديمة ولا تسيرها زوايا ضيقة الأفق والأبعاد.. تحالفات جديدة تولد على هذا النهج ومن هذا المنطلق –تحالفات الغاز على سبيل المثال لا الحصر- تبنى علاقات متواصلة مع أطراف تجمعنا بها مصالح، وكما يقولون: «المصالح تتصالح».

إذن الجمهورية الجديدة هى طريقة تفكير وإدارة موقع جغرافى وإمكانات دولة بمفاهيم مختلفة عن واقع عشناه قديما كانت تحكمه معايير مغايرة لواقعنا الجديد.

Advertisements
الجريدة الرسمية