رئيس التحرير
عصام كامل

سر التوقيت.. وسر الإجابة!

فى قديم الزمان  حكم أحد الملوك على نجار بالموت.. فتسرب الخبر إليه وأخبر زوجته  ولم يستطع النوم ليلتها.. فقالت له زوجته: أيها النجّار نم ككل ليلة.. فالرب واحد والأبواب كثيرة!

أنزلت الكلمات الطمأنينة على قلبه.. فغفت عيناه ولم يفق إلا على صوت قرع الجنود على بابه.. شحب وجهه ونظر إلى زوجته نظرة يأس وندم وحسرة على تصديقها.. فتح الباب بيدين ترتجفان وتتصببان عرقًأ ومدهما للحارسين لكي يقيدانه.. نظر إليه الحارسان في استغراب وقالا:  لقد مات الملك ونريدك أن تصنع تابوتًا له!

 

 

أشرق وجهه ونظر إلى زوجته نظرة إعتذار.. وإبتسم وتذكر قولها: أيها النجّار نم ككل ليلة فالرب واحد والأبواب كثيرة. فعلًا سبحان الله، العبد يرهقه التفكير.. والرب تبارك وتعالى يملك التدبير.. من إعتز بمنصبه فليتذكر فرعون.. ومن إعتز بماله فليتذكر قارون.. ومن اعتز بنسبه فليتذكر أبا لهب.

إنما العزة لله وحده سبحانه وتعالى.

 

تذكر دائمًا أن كل شيء يأتي في توقيته الذي يراهُ الله مناسبًا لنا وتجهلهُ محدودية بصيرتنا.. فكل شيء عند الله جل وعلا له وقت.. وعندما يأتي الوقت المناسب ستجد كل شيء يحدث بأدنى حد من المجهود.. ما قُدِّرَ له الانتهاء سينتهي.. وما قُدِّرَ له البدء سيبدأ.. وما قُدَّر له النسيان ستنساه.. وكل شيء سيأخذ مساره الصحيح.  واعلم أن الضغط على النفس لتغيير واقع لم يحن وقت تغييره جهد مهدور، وهَلكة للنفس.

حسن الظن بالله

 

فالأيام والأحداث ستعلمك أن النجاة ليست دائمًا في إطفاء نارك، بل أحيانًا بِمجرد جعلها بردًا وسلامًا عليك رغم توهجها، ليست النجاة دائمًا في إتيان قلبك بما يريد وهو شر له، بل في إظهار الشر له فيتراجع القلب عن تعلُّقه، ليست النجاة في بيان حكمة الأمور في الوقت الذي ينفطر قلبك ألمًا، بل أحيانًا يكون الجهل أرحمُ كثيرًا وأهون من المعرفة، ليست النجاة في طريقٍ نرسمه نحن بعقولنا القاصرة، بل في طريقٍ أوحَدٍ حكيمٍ، ليس له طرقٌ موازية توصلك للنجاة غيره!

 

إننا وحين تقترب النيران يكون كل مُبتغانا أن تنطفئ، وكل ما نتصوره من إجابة تضرعنا هي أن تهطل السماء بالأمطار فننجو.. رغم أن الأعجب من أن تنطفئ النار؛ هو أن تزداد اشتعالًا وأنت بها فلا تؤذيك، هو أن تمر بك الأزمات الكاسرات فلا تَخترقُ إيمانك، ولا تنال من يقينك..

 

حين تجد أن الابتلاء يشتد، والنيران تُضْرَمُ أمامك، ولا مفر منها، وليس هناك أي غيمٍ في سماءك يوحي لك بهطول المطر فتنطفئ ألسنة النيران.. تذكّر (إيراهيم عليه السلام)، حين أُمِر به أن يُحَرَّقَ في النار، أتاهُ مَلَكُ السماء عارضًا عليه العون "يا إبراهيم، أَلَكَ حاجة؟!" فقال إبراهيم: "أما عندك فلا، وأما عند الله فنعم". فكانت عاقبة الأمر:"قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ" فالنار لم تنطفئ أمامنا، لكنها فقدت كل معانيها!

فأنت يا صديقى لك حق التمنّي، وهمة السعي، وحُسن الظن.. ولله العلى القدير سر التوقيت، وسر الإجابة.

الجريدة الرسمية