رئيس التحرير
عصام كامل

زيارات عرفات وسام نيوما

تاريخ التضامن الأفروآسيوي ( 8 ) 

اهتم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كثيرًا بالتضامن الأفروآسيوي، كظهير شعبوي لكتلة عدم الانحياز والحياد الإيجابي؛ ففي أواخر الخمسينيات وبدايات الستينيات، كان المد الأمريكي على أشده، والحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في ذروتها.

 

كانت سياسة عبد الناصر الخارجية تعتمد على تقوية العلاقات مع الكتلة الشرقية، مثل: الصين والهند وباكستان، وكوريا الشمالية، وقبل هؤلاء؛ الاتحاد السوفيتي؛ ذلك أن أمريكا كانت تتعامل مع هذه الدول وغيرها بكثير من العدائية والتعالي، وكانت سياستها منحازة إلى إسرائيل بلا حدود.. وقامت بغزو فيتنام؛ مما ولد مشاعر مضادة في العالم كله، باستثناء دول الاستعمار القديم، مثل: المملكة المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، والبرتغال، وبلجيكا، ولم تكن ألمانيا وإيطاليا قد أفاقتا من تداعيات الحرب العالمية الثانية بعد.

 

 سياسة الحياد الإيجابي 

وقد أسلفنا أنه في 18 أبريل عام 1955، انعقد فى باندونج، وهي مدينة صغيرة في إندونيسيا، مؤتمر ضم زُعماء 29 دولة آسيوية وأفريقية للبحث في زيادة التعاون بينها، ودعم حركات التحرر في المُستعمرات. 

ودشن هذا المؤتمر المبادئ التي تبلورت فيما بعد في سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز التي تضمنت عدم الانضمام للأحلاف العسكرية مع الدول الكُبرى، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وفض المنازعات بالطرق السلمية، ودعم نضال الشعوب المُستعمرة للحصول على استقلالها.

 

 

 

وحضر المؤتمر عدد من زعماء العالم في القرن العشرين، إضافة إلى جمال عبد الناصر قائد الثورة المصرية، مثل: شواينلاي رئيس وزراء الصين الشعبية، وجواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، وأحمد سوكرنو رئيس إندونيسيا، وشارك في المؤتمر جوزيف بروز تيتو رئيس يوغسلافيا والذي حضره لإيمانه بالمبادئ التي تبناها المؤتمر.

 

كان من بين القرارات التي أصدرها المؤتمر لتوثيق العلاقات بين الدول المشاركة فيه قرار بإنشاء منظمة لدعم تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية لتكون سندًا ودعمًا على المُستوى الشعبي للجهود الرسمية الحكومية. فكان في ذلك تطبيق مُبكر لمفهوم الدبلوماسية الشعبية الذي ظهر فيما بعد. 

 

الدبلوماسية الشعبية

 

تحركت مصر لتنفيذ هذا القرار، واستضافت في نهاية ديسمبر 1957، المؤتمر التأسيسي الأول للمُنظمة الذي انعقد بجامعة القاهرة، وحضره وفود من 48 دولة، وأعلنوا في نهايته إنشاء منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية واختيار مصر مقرًا دائمًا لها، (أي أن المنظمة عمرها الآن 64 عامًا، وبذلك فهي أقدم منظمة شعبية في العالم).

وتوالى انعقاد مؤتمرات المنظمة في غينيا، وتنزانيا، وغانا، والاتحاد السوفيتي، والهند، والمغرب، بالإضافة إلى مصر طبعًا. 

 

 اللجان الوطنية

وكانت اللجان الوطنية الممثلة لدولها في المُنظمة منتشرة في 90 دولة (تراجعت حاليًا لأسباب عديدة)، موزعة على قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، وتترأسها شخصيات سياسية بارزة، ففي روسيا مثلا يرأس اللجنة إلياس أوماخنوف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي (وهو أحد غُرفتي البرلمان الروسي)، وكان يرأس اللجنة السودانية وزير دفاع سابق، ويترأس اللجنة الكونغولية وزير داخلية سابق. 

 

وفي السنوات الأخيرة، نجحت المُنظمة في إعادة تشكيل وإحياء نشاط لجانها في عدد من الدول العربية والإفريقية، كالمغرب ولبنان وتشاد وبوركينا فاسو والكونغو. وعلى مدى سنوات طويلة، دعمت المُنظمة حركات النضال الوطني ضد الاستعمار، خصوصًا في القارة الإفريقية التي لم يكُن أغلب دولها قد حصل على استقلاله آنذاك. 

 

التفرقة العنصرية والقضية الفلسطينية

وقامت المنظمة بدور مؤثر وفعال في إثارة قضية التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا وحشد الرأي العام الدولي ضد ممارساتها، ولعبت دورًا مماثلًا في الدفاع عن حق شعب ناميبيا في تقرير المصير والاستقلال عن جنوب أفريقيا، وهو ما تحقق في عام 1991. 

 

ولعل هذا الدور هو ما يُفسر حرص الرئيس المؤسس لناميبيا، سام نيوما، على زيارة مقر المنظمة فى أثناء زيارته الأخيرة لمصر في نوفمبر الماضي؛ اعترافًا منه بهذا الدور.  وكانت قضية شعب فلسطين شاغلًا مُستمرًا للمُنظمة في دفاعه عن حقه في تقرير مصيره.  وقام الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، رحمه الله، بأكثر من زيارة لمقر المنظمة؛ اعترافًا بدورها المهم في دعم القضية الفلسطينية.

الجريدة الرسمية