رئيس التحرير
عصام كامل

عودة طالبان.. السلفيون يرحبون.. ومنشقو الإخوان يحذرون.. وبرهامي: "اللي نعرفه أحسن من اللى منعرفوش"

حركة طالبان
حركة طالبان

لا يمكن التعامل مع عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان مجرد شأن خارجي، ولكنه تغيير جذري ذو دلالة، يجب التعامل معه على محمل الجد.


لم تسقط أفغانستان في يد حركة "طالبان" الموصوفة بالأب الروحي للإرهاب الدولي من فراغ، بل كانت هناك جملة من الأسباب، جعلت من هذه الدولة الهامشية لا تعرف للاستقرار طريقًا، أسهم في ذلك القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصرفت بأنانية مفرطة على مدار 20 عامًا، ولم تهتم بنص اعترافاتها لا بإقامة دولة ولا ديمقراطية صالحة للبلاد، بل كان أقصى طموحها تأمين مصالحها، وإعادة إنتاج مظاهر للحياة على النمط الغربي.

 
أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية في قراءة الشفرة الاجتماعية للأفغان، فمهَّدت الطريق مفروشًا بالورود لعودة طالبان مرة أخرى، والآن العالم كله ينتظر ماذا في جعبة طالبان بعد انتزاع الحكم بالقوة وبالسلاح والمفخخات لابالمفاوضات أو الانتخابات وإعلان الإمارة الإسلامية.


ولا خلاف أيضًا على أن "طالبان" تغيرت تغييرًا جذريًا في أمور شتى، لا سيما التسليح؛ فبعدما كانت تعتمد في عملياتها الإرهابية على أسلحة بسيطة وبدائية، فإنها الآن صارت تمتلك سلاحًا حديثًا ومتطورًا، وهو ما يفاقم من خطورتها.


وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك متغيرًا أكثر خطورة، يتمثل في اعتبار الجماعات الدينية المحظورة والمتطرفة التي لفظتها أوطانها تجد في عودة طالبان للسيطرة على مقاليد الأمور في أفغانستان قبلة الحياة لها، وأصبح الحديث عن تحول الأراضي الأفغانية إلى ملاذ آمن لعودة الوجه القبيح للإسلام السياسي، وقبلة لمطاريد الإرهاب والتطرف مقبولًا ولا منطقيًا ومستساغًا ولا ينطوي على مبالغة أو تشاؤم أو استباق للأحداث، وهذا هو الخطر الداهم للإنسانية بأسرها، فلم يكد العالم يتنفس الصعداء من تراجع نفوذ وخطر داعش، حتى فاجأت الولايات المتحدة الجميع بإعادة تدوير الإرهاب تمهيدًا لإنتاجه من جديد.. كل ما يتصل بعودة طالبان إلى حكم أفغانستان وتداعياته وتفاصيل أخرى كثيرة في سطور هذا الملف.

ترحيب سلفي

فيما رحب سلفيون بعودة طالبان إلى السيطرة على أفغانستان، حذر إخوان منشقون من هذا التغير المباغت الذي سوف يقلب الأوضاع رأسًا على عقب ويعد الحياة إلى منابع الإرهاب بتنويعاته المختلفة، ولكل فريق حيثياته وبراهينه.

الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية قال: إن وصول حركة طالبان مرة أخرى إلى الحكم فى أفغانستان هو أفضل من وجود عملاء أتى بهم الغرب، قائلًا: إن حركة طالبان عندهم خير فيه دخن، لكنهم أفضل من سابقيهم باعتبارهم متشرعين، أي يلتزمون بالشريعة الإسلامية، وبالتالى دخول طالبان إلى العاصمة كابول يعنى زوال العملاء الذين أتى بهم الأمريكان ونصبهم كحكام ليفرضوا الفساد ومخالفة الشرع.


برهامى استطرد: ندرك أن حركة طالبان لديها من الزخم ما يكون من التمذهب بالمذهب الحنفى، وإلزام الناس به، ويعنى قدرا من التصوف لكنهم يمنعون الغلو الشديد فى القبور والتبرك بها، مشيرا إلى أنه غير متيقن من حرب طالبان على السلفيين، وإن كان محتملا.


من جانبه.. أكد الشيخ نبيل نعيم، مؤسس جماعة الجهاد فى مصر والخبير بشئون التيارات الإسلامية، أن وصول حركة طالبان للحكم فى أفغانستان مرة أخرى أمر كان متوقعًا لأن الهدف الذى دخلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان من أجله هو منع إقامة إمارة إسلامية فى أفغانستان خشية أن تكون نقطة تجمع وانطلاق التيارات الإسلامية التى تمارس العنف ضد مصالحها.


وأضاف "نعيم" حركة طالبان فى 2021 تختلف عن الحركة فى السابق، فبعد مرور أكثر من 20 عامًا اكتسبت الحركة خلالها خبرات سياسية كبيرة ودراية بالوضع الدولى، وبالتالى من الممكن أن ينفتحوا فى التعامل مع دول الجوار وإن كانوا سيظلون يحملون نفس الأفكار وهو تطبيق الشريعة الإسلامية.


واستطرد نعيم بأن تحول أفغانستان إلى ملاذ للإخوان والجماعات المتطرفة بعد تضيق الخناق عليهم فى العديد من الدول هو أمر وارد، وستقوم طالبان بتوفير الحماية لهم والملاذ الآمن لكن مع منعهم من ممارسة أي نشاط ضد أى دولة، مشيرا إلى أن تعاطف السلفيين مع حركة طالبان يأتى فى إطار قيام طالبان بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا أمر يسعى إليه السلفيون رغم أن حركة طالبان من الأشاعرة الذين يكرهون السلفيين ويعتبرون الوهابية بدعة.

قال الشيخ ناجح إبراهيم، مهندس مراجعات الجماعة الإسلامية فى التسعينيات: إن وصول طالبان للحكم فى أفغانستان بعد مرور عشرين عامًا على سقوطها أمر ليس بمستغرب للسهولة التى سيطروا بها على كابول وهو نفس ما حدث فى حكمهم الأول لكن الحركة ارتكبت العديد من الأخطاء فى تجربتها الأولى، وهى أخطاء كارثية كلفتها وكلفت أفغانستان الكثير، وأخطرها على الإطلاق استضافة تنظيم مسلح «القاعدة» يحارب ويعادي العالم كله تقريبًا، وكانت «القاعدة» وزعماؤها سببًا رئيسًا فى مأساة أفغانستان وطالبان فأضاعوا كل شيء، وأخطأت طالبان وقتها بمحاربة معظم فصائل الشعب الأفغانى، فحاربت الطاجيك، وساعدت تنظيم الجهاد المصرى على قتل قائدهم أحمد شاه مسعود، وهو الوحيد الذى كان مؤهلًا لقيادة دولة فضلًا عن أنها حاربت إيران بقسوة حينما قتلت 9 من دبلوماسييها مخالفة الأعراف الدولية، وحاربت الأوزبك، وكل هؤلاء كانوا السند الرئيسى لإسقاطها ومساعدة الغرب فى احتلال أفغانستان.


وأضاف أن حركة طالبان لا بد أن تكون تعلمت الدرس واستفادت من أخطاء الماضى بعد عشرين عامًا خاصة أن طالبان كانت لها حسنات كثيرة فى الزهد والتقوى، وهى كانت تصلح كجماعة حقًا، ولكنها وقتها لم تكن مؤهلة لقيادة دولة، فقد كانوا مجرد طلبة شريعة، كان من حسناتهم منع زراعة المخدرات ومنع السلب والنهب، ولكن قيادة الدول لا تكون بمجرد العفة والطهارة، فهى مهنة مثل الجراح إذا كان تقيًا ولكنه لا يجيد الجراحة فكل مرضاه سيموتون.
 ولكن بعد أكثر من عشرين عامًا أعطى الله طالبان فرصة جديدة لحكم أفغانستان ويبرز هنا تساؤل، فهل ستكرر أخطاءها أم لا؟ هل ستقود الدولة بعقل الجماعة؟ هل ستحارب كل الدول غير المسلمة أم تناصبها العداء أو تتدخل فى شئونها؟ هل ستعود لاستضافة الجماعات المتطرفة أو تأوى بعض الإرهابيين الذين يقومون باغتيالات أو تفجيرات فى بلادهم، خاصة من العرب الذين ضيعوها من قبل؟

صراعات إرهابية

من جانبه.. توقع مختار نوح القيادى المنشق عن جماعة الإخوان، أن تشهد افغانستان صراعا بين القاعدة وطالبان وداعش والإخوان وهو نفس الصراع القديم.. موضحا أنه سيكون صراعا على السلطة، كما يعتقد أن طالبان تفتقر إلى العلم وأصول الحكم، وأن هذا الأمر سيخلق لها عداوات كثيرة، أما من ناحية العلاقات الخارجية فالتصريحات التى صدرت عن طالبان تدل على عدم الإلمام بالعلاقات الخارجية وانعدام الرؤية السياسية الإستراتيجية.


كما توقع نوح، أن أول سيناريو سيشغل ذهن طالبان هو ملف "الإفلاس".. وأوضح ذلك قائلا: "إنه لا توجد أي فكرة اقتصادية أو تنموية لدى طالبان فهم مقاتلون للجبال وليسوا رجال دولة، وبالتالى سيكون ملف الإفلاس له الأولوية الأولى فى حساباتهم".


وعن الغرض وراء نشر صور طالبان داخل القصر الرئاسى أشار مختار نوح، أنها ذاتها فرحة الطفل مبتدئ السير، فهو يعدو دون قصد ودون هدف.. حتى أنه قد يغرق نفسه فى المياه.


وعن الكيانات الإرهابية التى ستؤيد بشكل كلى وجود طالبان فى حكم أفغانستان أجاب نوح قائلا: "جميعهم ولا أستثنى أحدا من أول القاعدة حتى الإخوان المسلمين".


وبالنسبة لفرحة بعض الإخوان باستحواذ طالبان على الحكم فى أفغانستان علق نوح قائلا: "ليست فرحة لطالبان إنما كراهية لمصر، ومن يفسر دخول إلى كابول أنه انتصار على أمريكا فهو لم يدرس كثيرًا الصراع الدولى الجديد".


وعلى الجانب الآخر، قال دكتور محمد حبيب نائب مرشد الإخوان سابقًا، إن دخول طالبان أفغانستان وسيطرتهم على الحكم هو أمر مرفوض شكلا وموضوعا، وعلل ذلك قائلا: لأنهم فصيل إرهابى، ولا ينبغى أن يكون هناك تعامل بيننا وبين هؤلاء الإرهابيين".

وكشف حبيب عن أطماع طالبان قائلا دخول طالبان أفغانستان وراءه مصالح كثيرة، بحيث إنها تؤيد وتعظم وتقوى من هذه الفصائل الإرهابية "تنظيم القاعدة وبيت المقدس والإخوان" بأن يتشاركوا فى أي عمل معها وهذا ضدنا بشكل تام.


فيما أوضح دكتور مصطفى حمزة مدير مركز دراسات الإسلام السياسى، أن ما حدث فى أفغانستان من وصول طالبان للحكم قد يدفع تنظيمات أخرى مثل هيئة تحرير الشام فى سوريا لتبنى نفس النهج السياسى، بسبب حفاظها على محلية نشاطها داخل الدولة التى تتواجد فيها دون الطموح للتوسع خارج حدودها.. وبالتالى سيكون هناك جذب كبير جدًا وعلاقات تشابكية مع النظام الإيرانى الذى أصبح الآن على علاقه قوية مع طالبان الجديدة أو طالبان التى فى الحكم الحالى.


وعن تجميد الصندوق الدولى لحسابات أفغانستان أوضح د. مصطفى حمزة، أن ذلك إجراء مؤقت يحدث فى مثل هذه الحالات لحين استقرار الأوضاع داخل البلاد، ويتم تشكيل حكومة تكتسب شرعيتها إما بصناديق الانتخاب أو بحكم الأمر الواقع.. وأشار إلى أن الأمر لن يطول، وأن الاعتراف الدولى بطالبان لن يأخذ وقتًا طويلًا، وسيتم التطبيع مع الحركة وفق خطة الإدارة الأمريكية التى وضعها ترامب.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية