رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تحت تأثير اللحمة والفتة!

انفتحت فى دماغى، بعد هبرة اللحمة، وقصعة الفتة الموشاة بالخل والثوم، مطبوخة على طريقتنا فى المنصورة، وليس بالصلصة على طريقتكم أهل القاهرة.. انفتحت طاقة غريبة، رأيت منها العجب، فقد فوجئت برأسي تترنح وعيني تغلقان قسرا، ودوامة هائلة تطيح بى وأنا بعد فى مكاني ممددا كالقتيل..


دلفت من الثغرة التى انفتحت فى دماغى بتأثير الفتة والهبرة المدملجة، الى عالم الأبيض والأسود، فكأنى ركبت آلة الزمن.. وياليتنى ما ركبت ولا سافرت وما نابنى سوى ذلك الثقب الغريب الذى انفتح في أم رأسى وأبيها أيضا. لن اتجرأ فأروى لكم ما رأيته باعتبارى مسافرا عاد من رحلته بحسرات ومصمصات أكثر منها بمسرات وبالونات ملونات..

تجولت بالطبع فى أربعين سنة فاتت، وزرت أماكن وأعدت مشاهدة ناس صاحية وناس ميتة، وأفلام قديمة.. عربي وأفرنجى.. كما كنا نسمى الفيلم الأجنبى زمان.. ولأن النتائج أهم من المقدمات الطويلة، فإننى ساقدم لكم أهم نتائج هذه اللطشة العقلية التى أطاحت بي عقب اتهام قصعة الفتة..

أهم درس
أهم درس ألا تحاول أبدا استرجاع ما فات.. بعضنا يغمض عينيه مستدعيا صورة حبيبة هجرته، غدرا أو موتا أو زواجا من غيره، بعضنا يستدعى فيلما من أفلام الكاوبوى.. من أجل حفنة دولارات.. مائة بندقية وإمرأة.. أفلام كيرك دوجلاس.. ريتشارد بيرتون.. أفلام رشدى أباظة ومحمود المليجي.. وغيرهم وغيرهم مئات ومئات.. ولكل من هؤلاء سهم وافر في بناء وجدانك وذاكرتك.. ويرتبط لديك بمناسبة حلوة.. وربما غير حلوة، كل حسب ظروفه..

لماذا أنصح بعدم استعادة ما فات.. لأنه ينتمى إلى شخص آخر ليس أنت حاليا.. شخص بتكوينه العمرى والوجدانى والهرمونى مختلف تماما عن الشخص الذي أنت عليه الآن..

إن فعلت كما فعلت أنا مرات.. لن تحصل سوى على استسخاف نفسك.. لن ترى مافات بنفس العين ولا العقل ولا الشغف.. ستراه ماسخا.. وربما مملا.. أحيان نرغب فى زيارة مكان قديم أحببناه.. وكلنا نفعل ذلك.. وباستثناء موجة الحنان الأولى الغامرة، وأنت تضبط عينيك تتفقدان تفاصيل المكان.. بعد وقت ستخاله طويلا.. لكنه ليس كذلك، ستزفر زفرة حارة، وتطلق تنهيدة حزينة، وتعود بوجع.. وشحوب نفسي.

زمن انتهى
نعم نسترجع صورا.. وأصواتا.. وروائح.. حتى الكريه منها.. لكنها ليست الحقيقة. هى صورة الحقيقة. وقتها كنت تقبلها كما هى بعد العمر والسنين لن تقبلها كما هى. ستمنحك دقائق للتذكر والاعتبار وربما الدهشة أن تحملت.. أو مررت بتجربة قاسية.. لكنها ليست إلا دقائق.

حتى المتعة التى عشتها في لمسة يد أو عطر حبيبة مر تحت أنفك وتسكع.. ستربطك بماض لم يعد لك ولم تعد جزءا منه لإنه هو نفسه زمن انتهى. لا ترتبط بزمن إنتهى. عشه كما هو حاضر. لا أدعوك لطمس الذكريات.. أدعو للحذر أن تلتمس منها ذات البهجة. وذات المتعة وذات الدهشة التى كنت عليها وقتها. الآن أنت خارج وقتها.. وأنا أيضا خارج عقلى.. تحت تأثير الفتة بالخل والثوم. أرجع إلى الواقع.. قبل أن يصير إلى ماض.. يسحبنى ويسحبك إليه.

سحبت زوجتى بقايا طبق الفتة من أمامي وهى تزغدنى زغدا.. لما فتحت عيني.. لم تكن هى التى رأيتها فى رحلتى الخاطفة.. ولا أنا بالتأكيد!
Advertisements
الجريدة الرسمية