رئيس التحرير
عصام كامل

المحتل يهدم والعالم يبني

عقب نجاح مصر في وقف إطلاق النار بين الكيان المحتل وصاحب الأرض، تابعت بوسائل إعلام أجنبية حجم الدمار الذي خلفته ضربات الدموي الصهيوني على أرض غزة. البيوت التي تهدمت وانتقل أصحابها للعيش في المدارس أرقامها مذهلة.. أطفال لا يزالون يعيشون هول الصدمة، وجهات غربية إنسانية تتابع ماذا جرى نفسيا لهؤلاء الأطفال!


أسر بكاملها تحت الأنقاض ولا يزال البحث جاريا عن أحياء وأسر بكاملها رحلت عن عالمنا بفعل الدموية الصهيونية اللعينة، ومئات المصابين يعالجون في غزة ومصر. حصيلة العملية النازية الصهيونية (٢٤٣) شهيدا فلسطينيا من بينهم (٦٥) طفلا و(٣٩) امرأة، أما المصابون فقد بلغت حصيلتهم (١٩٤٣) جريحا من بينهم (٥٦٠) طفلا و(٣٨٠) امرأة و(٩١) مُسنًّا، فى حين بلغ عدد المعتقلين (١٤٠٠) معتقل!

إعادة إعمار غزة

النازحون بلا بيوت بعد أن فقدوا بيوتهم بلغوا ٧٥ ألفا، بينهم أكثر من ٢٨ ألف نازح يعيشون داخل مدارس تابعة لوكالة «أونوروا»، أما الباقي فيعانون ما لا يتصوره بشر. يحدث ذلك في القرن الواحد والعشرين وأمام كاميرات تنقل الموت لحظة بلحظة أمام أعين العالم كله ووسط حالات صراخ عربي مقيت حول حق الكيان المحتل في الدفاع عن نفسه.

المثير أن عواصم الجريمة الكبرى ضد شعب يدافع عن أرضه وعرضه وكرامته وحقه في الحياة كانت أولى العواصم التي تحدثت عن إعادة إعمار غزة، باستثناء الحالة الخاصة لمصر التي تعيش المعاناة مع أهلنا في غزة على مدار تاريخنا.

واشنطن تتحدث عن إعادة إعمار بعيدا عن حماس، وباريس التي طاردت مظاهرات التعاطف مع الشعب الأعزل تحدثت في نفس الأمر، وبرلين التي منعت وسائل إعلامها الرسمية من تغطية أخبار الجريمة تكلمت أيضا عن إعادة الإعمار، أما رأس الفتنة في لندن فإن الأمر بالنسبة لها لا يختلف عن باريس وواشنطن وبرلين.

عواصم عربية أخرى فقدت النطق، خصوصا تلك العواصم التي شهدت خلال الشهور الأخيرة عمليات تطبيع رخيصة وأسفارًا وسياحة بين عاصمة الاحتلال وبينها. المطبعون الجدد اختفوا في ظروف غامضة تشبه إدارة دولهم، وغابت دبلوماسيتهم عن المشهد بعد أن كادوا يفقدون القدرة على الكلام مثلما فقدوا القدرة على تحمل مسئوليات بلادهم تجاه القضية.

مجرم اعتاد الهدم

غير أن الأكثر دهشة أن فكرة إعادة بناء ما هدمه جيش الاحتلال تبقى كأنها غسل اليدين من دماء الجريمة المكررة، فالعالم يتحدث عن إعادة بناء أبراج ومحطات للطاقة وللمياه دون الحديث عن إعادة بناء الأمن وتشييد جدار ضد الخوف لأطفال غزة.

لا يتحدث أحد عن تأديب المجرم الذى اعتاد الهدم انتظارًا لعواصم السكوت والصمت أن تبنى مرة أخرى.. تكرر ذلك فى 2٠٠٨م، وفي ٢٠٠٩م، وفي ٢٠١٢، وفي ٢٠١٤م، وكأن الضمير الإنساني قد استقر على فكرة البناء في الحجر، أما البشر الراحلون والباقون فلا حق لهم.

من الصعب أن تحادث محتلًّا غاصبًا تلوثت يداه بدماء الأبرياء منذ فجر القضية عن الطفولة المعرضة لكل الأمراض النفسية في الأرض المحتلة. من الصعب أن يفهم أن أجداده قتلة ومجرمو حرب، وبالتالي فإن ما يفعله هو انتصار ينضم إلى تاريخ عائلة الاحتلال البغيض.. من الصعب أن يفهم المجرم نتنياهو فكرة ما يحتاجه أطفال غزة بعد ممارساته الإجرامية، فلا هو كان طفلا طبيعيا ولا يعيش حياة البشر الطبيعيين.

من الصعب أيضا أن يعي السيد جو بايدن المشاعر التي تتولد داخل طفل لم يتبق من عائلته إلا هو.. هل يمسح هذا الطفل عندما يشب وقد عايش بذاكرته البريئة مشاهد قتل عائلته؟ من عاش تحت القصف وعايش الدمار وعانى ويلات النزوح سيصبح يوما من الأيام رجلا يحمل في وجدانه رغبة منطقية للقصاص، وزارعو الكراهية لن يحصدوا أمنا ولا سلاما ولا استقرارا.

ورغم القتل ورغم الدمار ورغم النزوح، إلا أن الحرب هذه المرة قد وضعت السؤال ومعه إجابة واضحة مثل شمس الظهيرة.. هل يمكن لترامب أو غيره أن يمنح صهيونيا قدسا محتلًّا آمنًا له؟ وكانت الإجابة: ليمنح ترامب ما يشاء، فصاحب الحق حى ومحتل الأرض لن يهنأ أبدا.
الجريدة الرسمية