رئيس التحرير
عصام كامل

ورحلت "شروق" على أبواب مستشفى الأقصر العام!

لم تنجب غيرها.. ثمانية عشر عاما تحمد الله هي وزوجها على عطاءه.. ابنة جميلة تلقت تربية صحيحة جعلتها الأكثر أدبا والتزاما ونضجا بين زميلاتها.. بما جعلها الأكثر حبا من الجميع والأكثر قربا إلى الجميع! بقلب الأم.. ككل أم.. تحسب عمر ابنتها بالساعة واليوم..  قد حل عيد ميلاد "شروق".. يتبقى لها -تقول في سرها- كم عاما للانتهاء من الثانوية العامة لتذهب للجامعة.. لا.. بيت الزوجية أهم..  بل لا.. الشهادة العليا أهم.. لا.. الزوج والأولاد وأرى الأحفاد أهم..  كلاهما مهم..


وتحلم الأم.. ككل أم بالمستقبل.. وتبدأ الإستعداد المبكر للأمرين معا.. هذا طقم كذا يفيد في فرش بيتها.. لم يزل الوقت مبكرا -تتحدث إلى نفسها- لا. ليس مبكرا.. ستمر الأيام سريعا.. دون أن نشعر.. وعلينا الإستعداد من الأن.. ولأنها وحيدة.. ولأنها تعاني من حساسية في الصدر منذ الطفولة.. تنقلب الدنيا إن تأخرت بعض الوقت عند الرجوع من المدرسة.. أو إذا بقي الهاتف مغلقا إذا ذهبت للدرس.. تتعلق روحها بشرفات المنزل تراقب الهواء العابر ففيه تشتم رائحة ابنتها.. كريح يوسف عند ابيه!

الحب الحقيقي!

وذات يوم.. ذهبت "شروق" لأداء واجبا ما عند زميلة لها قد أصابهم مكروها.. كان الواجب حزينا مؤلما.. تضامنت مع زميلتها.. كانت تعرف اليوم شاقا فتاولت الغذاء قبل الخروج كأول مرة تأكل قبل الخروج.. وعند العودة.. وقد فعلت ما عليها وما يريح ضميرها ويتماشي مع أخلاقها.. لكن وجعا خفيفا في الرأس تشتكي منه.. الوجع يكبر.. ويكبر ويتحول الألم إلى زلزال يضربها كلها.. يتصلون بأمها..  التي تصرخ ويدها على صدرها وتجري بملابس البيت وتتصل بزوجها المدرس..  

يهرولون إلى مستشفي الأقصر العام.. "شروق" لسانها يعجز عن الكلام وأقدامها تشير إلى ألم قاس يهزها.. يذهب خلفهم الأهل والجيران وكل الملهوفين على "شروق" الجميلة.. يبالغون على باب المستشفى في الإجراءات.. تأتي الطبيبة وتقول الضغط والنبض على ما يرام.. ولا شئ بها..  كيف ذلك يا دكتورة و"شروق" حالتها تسوء كل لحظة؟!

تصرخ الطبيبة.. لا تريد أن يناقشها أحد.. ولا يراجعها أحد..  تندفع الأم تطلب الشفاء لابنتها كما اندفعت السيدة هاجر تطلب النجاة لاسماعيل.. ولم يستجب طبيب واحد!  أبلغوها أن مشهدها يحدث كل يوم وقد اعتاد الأطباء عليه! أين المدير؟ غير موجود.. طيب أسعفوا ابنتي.. ليس بها شئ، إغماءة بسيطة.. دلع.. طيب طمنونا بأشعة على المخ.. اعملوا لها الأشعة خارج المستشفى.. كيف وحالتها هكذا؟ وكيف ومركز أشعة كبير بالمستشفى الجديد؟! هو هكذا! اذهبوا بها إلى مستشفى أرمنت العام! كيف وهي تبعد ساعتين عن هنا؟

في مركز خاص أجرت الأشعة.. اشتباه إلى حد التأكيد بوجود نزيف في المخ! ما سببه؟ لا أحد يعرف! هل تحتمل النقل إلى أرمنت؟ لا حل آخر.. إسعاف من المستشفى ينقلها.. لا.. ليس لدينا سيارات لذلك!
كاتب هذه السطور يتذكر ما كتبه في الإشادة لهذه المستشفى ومعها مستشفيات عديدة نقلت المستوى إلى منطقة أخرى وأنفقت عليها الدولة مئات الملايين.. لكن يبدو أن الانسانية قبل التكنولوجيا وقبل الحجر.. بل وقبل الطب نفسه!

انزلوا للناس يا وزراء ومحافظي مصر!

تصرخ الأم صرخة مدوية.. وهي تحكي.. كنت سعيدة بالمستشفى ونتباهى بها أمام المغرضين.. بنيت بأموال شعبنا.. لم نفقد اعصابنا ولم نخرج عن الأصول ونحن نستجدي الأطباء لينقذوا ابنتي. لم نفعل كغيرنا بالتعامل مع مثل هذا التجاهل.. لكن حبنا لبلدنا والتزامنا كان ثمنه غاليا.. ماتت ابنتي -تصرخ من جديد- في الطريق إلى أرمنت بالسيارة الأجرة.. صعدت روحها الطاهرة إلى بارئها.. ماتت وحيدتي.. لم تعد معي شروق.. لم تحتمل.. في ساعتين انتهى الأمر كله... كانت تحتاج إلى غرفة العمليات فورا.. وليس كشفا سطحيا لا يقول به الطب... ولا العقل.. ولا الدين.. ولا الضمير.. ضاعت ابنتي.. ضاع حلم عمري وأمل أيامي.. ولا اريد إلا حقها!

ونحن معها نريد حق شروق وحقها.. حقنا جميعا الذي أنفقت الدولة من أجلنا مليارات.. الشرفاء الأبطال ممن يتصدون لكورونا من الأطقم الطبية لا يشرفهم أي مهمل أو فاقد لأصول مهنة الطب.. مهنة القلوب الرحيمة..
هذا بلاغ لوزيرة الصحة.. لمحافظ الأقصر.. لنقابة الاطباء.. للنائب العام..  للرأي العام المصري.. ولكل من يهمه الأمر.. فلن يذهب حق شروق!
رحم الله شروق وأسكنها فسيح جناته.. وربط على قلب أمها وابيها وكل محبيها!
الجريدة الرسمية