رئيس التحرير
عصام كامل

الوثيقة الدولية والقومية الإنسانية

الترسيمات الحدودية بين الدول والتصنيفات التعريفية بين البشر؛ لا يختلفان مع مبدأ الإنسانية إلا إذا اقترنا بتمييز أو تفضيل بسبب دين أو جنس أو لون أو عرق، فالتباين بين البشر والتفاوت بين الدول ليس مبررًا لنرجسية أو طبقية ممقوتة، وإذا كنا نقر بهذه السنة الكونية في التباين والاختلاف؛ فإننا نرفض أن تكون سببًا في أن يحتقر  شخص أو جماعة غيرهم "فالخلق كلهم عيال الله"، لهذا جاءت وثيقة الأخوة الإنسانية تحقيقًا لهذا المبدأ العظيم، وتخطت كل الحدود والفواصل لتعود إلى الأصل وأن البشر كلهم أخوة في الإنسانية، كما أنها نابعة من أصل إيماني عميق "كلكم لآدم وآدم من تراب".


وليس معنى اختلاف اللون أو العرق أو الجنس أو زيادة مقومات الحياة، أن يكون للإنسان الحق في أن يُحقر غيره أو يَسلبه حقهُ في الحياة، فمقياس الأفضلية عند الله في الإسلام هي" التقوى"، والتي هي الإيمان بالله مع الإحسان إلى البشر واحترام حقوقهم، وأول هذه الحقوق هي الحق في اختيار الدين" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، وليس على المسلم في هذا الباب سوى الدعوة إلى الله سلوكًا وعملًا وقولًا بكل شيء يُحبب الناس في صفات اتباع هذا الدين وهو المقصود بقول الحق تعالى:"ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"..

سلام عليكم.. إلى لقاء شئنا أم أبينا قريب

والمُطلع على تعاليم الإسلام وأحكامه يدرك تمام الإدراك أن تحقيق الإخاء والتعايش بين البشر هو مبدأ  إسلامي انطلاقاً من قوله تعالى: "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، هذا المبدأ الذي ترجمته "وثيقة المدينة" ترجمة عملية، والتي نظمت تعامل المسلمين مع يهود المدينة بما يضمن حقوقهم ويحدد واجباتهم، وعلى هذا المبدأ الإسلامي تعامل النبي ﷺ مع أصحاب الديانات الأخرى فكان ﷺ يأكل طعامهم ويتعامل معهم حتى وصل به الأمر أن رهن درعه لدى يهودي، وكأنه ﷺ أراد أن يطبق بنفسه ويُعَلم أتباعه التعايش والإخاء بين البشر دون النظر إلى دين أو عقيدة.

والإنسانية كمبدأ إسلامي أصيل هي القومية التي تتلاشى تحت ظلها كل الفوارق الأخرى، لهذا جاء نداء شيخ الأزهر بهذا المبدأ في التعامل مع الآخر، والذي يحقق مقاصد الشريعة من جانب؛ ويلبي حاجة البشر من جانب آخر في حاجتهم للتعايش وتبادل المنفعة في شتى مجالات الحياة.

الأزهر.. ليس منصةً لإصدار الأحكام

وثيقة الأخوة الإنسانية هي ترجمة للعلاقة القوية التي تربط بين أكبر رمزين دينيين في العالم؛ تؤكد أن استغلال الأديان في الصراعات التي تنشب هي محاولة للإساءة لاتباعها، كما أنه يتم استغلالهم في حرب ضروس لتحقيق مصالح تجار الموت الذين لا يعبئون بشيء وكل ما يهمهم هو جمع المال، وتوضح أن الفصل بين البشر اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا وعلميًا هو الغرض الدفين من الزج بالعقيدة أو دعم لجماعة لتمارس العنف بإسم دين، فتصبح مقدرات الناس ومواردهم في يد جماعة دون غيرها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الرغبة في امتلاك موازين القوى.

قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد يوم 4 فبراير يومًا دوليًا للأخوة الإنسانية؛ ليحتفل العالم بذكرى توقيع الوثيقة، هو تخليد لجهود الإمام الأكبر أ. د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وسعيه الدؤوب ليعم التسامح والسلام، وتسود لغة التعايش بين البشر، وتأكيدًا على مدى إيمان قادة العالم بأهمية الدور الذي يلعبه رجال الدين في إرساء قيم الإخاء بين البشر، وأن العالم بات في حاجه ماسة لهذه القومية الإنسانية ليتنفس الصعداء بعد أن عاش لعقود في ظلام العنصرية والعنف باسم الأديان تارة أو العرق تارة أخرى، ويُظهر مدى سماحة الإسلام ورحمة وعظمة هذا الدين الذي جاءت مبادئهُ السامية لتحقق الخير للجميع مسلمين وغير مسلمين.
الجريدة الرسمية