رئيس التحرير
عصام كامل

شاهد عيان على «معركة الإسماعيلية» : الضابط الإنجليزي خلع قبعته وانحنى احترامًا لبسالة الشرطة المصرية في الدفاع عن وطنها ( حوار )

محمد المناديلي شاهد
محمد المناديلي شاهد عيان على معركة الإسماعيلية
محمد المناديلي، اسم لا تحفظه ذاكرة التاريخ، غير أن ذاكرته الشخصية تحفظ جزءا مهمًا من تاريخ مصر، واقعة مفصلية في «أيام المحروسة» لعبت دورًا في تعديل مسار البلاد، بل يمكن القول إنها كانت بداية النهاية لمحتل استباح خيرات مصر لسنوات وسنوات.


حيث شاءت الأقدار أن يكون «المناديلي»، أحد شهود العيان، على معركة قوات الشرطة مع الاحتلال الإنجليزي منذ 69 عامًا، وتحديدًا في الخامس والعشرين من يناير 1952، بعدما رفضت الشرطة المصرية تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة للقوات المحتلة، وأسفر الاشتباك بين الشرطة والقوات البريطانية عن مقتل 56 شرطيًا مصريًا و73 جريحًا، واستولت القوات البريطانية على مبنى محافظة الإسماعيلية.

"فيتو" حاورته فى السطور التالية :

*ماهى شهادتك عن الساعات الحاسمة فى معركة قوات الشرطة مع الاحتلال الإنجليزي؟
كان عمري وقتها 25 عامًا، وكنت أسير في الشارع يوم المعركة، والذي كان يوافق الجمعة، وفجأة سمعت صوتا قويا لـ«معدة»، تصورت في البداية أنها سيارة نقل ثقيل، غير أنني بعدما تتبعت مصدر الصوت فوجئت بدبابة تابعة للجيش الإنجليزي تسير في اتجاه شارع محمد علي، قادمة من معسكرها في منطقة الجلاء، بعد كوبري السقالة، فأسرعت ومعي مجموعة من الشباب وراءها لنعرف المكان الذي تتجه إليه، وفجأة سمعنا أبواقا وأصواتا تتعالى من مكبرات الصوت، وصوت أجنبي متغطرس.

*ماذا حدث بعد ذلك ، وماهو دور الضابط الإنجليزى المتغطرس "أكسهام"؟
كان صوت الضابط الإنجليزي «أكسهام»، يطالب قوات الشرطة المصرية بتسليم مبنى قسم أول البستان ومحافظة الإسماعيلية، إلى القوات الإنجليزية والاستسلام والخضوع لهم، وفرضت القوات الإنجليزية حصارا على شارع محمد علي بالكامل، إلا أن قوات الشرطة المصرية رفضت وأبت الاستسلام.

فضربت القوات الإنجليزية أعيرة نارية على قوات الشرطة المصرية على سبيل التهديد والإرهاب، لكن قوات الشرطة المصرية رفضت الخضوع، وحاول الضابط الإنجليزي «أكسهام» الضغط بكل الطرق على القوات المصرية حتى إنه أرسل لقائد القسم في ذلك الوقت، مصطفى رفعت، وطالبه هو وزملاءه بالاستسلام، إلا أنه رفض وقال «لن نترك مكان خدمتنا إلا إذا كنا جثثا هامدة».

*كم كانت تبلغ قوة قسم الشرطة وقتها ، وماهى نوعية تسليحهم؟
كانت قوة القسم لا تتجاوز 50 جنديا مصري، وكان سلاحهم عبارة عن بنادق خفيفة، صعد معظمهم إلى أعلى المبنى، وتم توزيع البقية على جوانب المبنى للحماية والدفاع، وكنت أنا ورفاقي نقف بين الأشجار الكثيفة التي كانت مزروعة في شارع محمد علي، ونتابع الموقف عن كثب، وفجأة بدأت الدبابات قصف قسم أول البستان بالدانات.

*وماذا كان رد فعل قوة الشرطة المصرية بداخل القسم؟
بدأ تبادل إطلاق النيران بين الشرطة والقوات الإنجليزية حتى تم دك المبنى بالكامل، ليصبح أطلال مبنى لا حوائط، ولا نوافذ، ولا أي شيء، ورغم كل هذا فإن عناصر الشرطة المصرية لم تستسلم ولم تترك المبني»

*وماذا فعلت وأنت تشاهد هذه المعركة البطولية؟
في هذا الوقت أرسلت أسرنا من يطالبنا بالعودة إلى منازلنا خشية أن نصاب في المعركة، وبالفعل عاد بعضنا غير أننا تجمعنا بعد ساعات قليلة في المكان ذاته، ونحن في طريقنا إلى مبنى المحافظة، كان الغضب هو سيد الموقف.

*ماقصة القائكم القبض على شخص كان يعمل سائقا فى معسكر الإنجليز؟
أثناء سيرنا في الطريق التقينا شابا كان يعمل سائقا في المعسكر الإنجليزي، فوقعت بيننا وبينه مشادة كلامية وقمنا بجره إلى قسم الشرطة وإدخاله عنوة إلى هناك وقلنا للضابط، مصطفى رفعت: إن هذا الشخص خائن فهو يعمل مع الإنجليز، ونحن نطالبك بالقبض عليه، في ذلك الوقت اتصل مندوب من قوات الاحتلال بالضابط.

وطالبه بتسليمنا للقوات الإنجليزية، لأننا اشتبكنا مع شخص يعمل معهم، لكن الضابط رفض تنفيذ هذا الطلب، وكنا 4 شباب، وتم احتجازنا في القسم لعدة ساعات، وكان ذلك أثناء الحصار، ثم طلب منا الضباط الرحيل من المكان وعدم العودة مرة أخرى، لأن الإنجليز إذا ألقوا القبض علينا سيقتلوننا، وانتهت المعركة باستشهاد العديد من رجال الشرطة.

ومن خرج خرج جريحًا أعزل بعد أن نفدت الذخيرة في مقاومة المدافع والطائرات، وخرج الجميع بعد معركة باسلة جعلت «أكسهام» يخلع قبعته وينحني احتراما وتقديرا للشرطة المصرية التي لم تفرط في وطنها، ودافعت عنه ببسالة لتترك قصة تفتخر بها الأجيال على مر العصور.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو".
الجريدة الرسمية