رئيس التحرير
عصام كامل

زلزال في البيت الصوفي.. طفل "العشيرة المحمدية" يثير أزمة.. وشيوخ الطرق: التوريث حق مقدس

أرشيفية
أرشيفية
في لحظة مباغتة.. اهتز البيت الصوفي الذي عُرف بهدوئه واستقراره؛ على خلفية ما تم تداوله بوسائل الإعلام عن مبايعة طفل عمره 14 عامًا شيخًا لطريقة العشيرة المحمدية، وما تبعه من ردود فعل غاضبة ومستنكرة، سواء داخل البيت الصوفى أو خارجه، حيث طرح أصحابها سؤالًا مشروعًا وهو: كيف لمثل هذا الصبى أن يغدو شيخًا للطريقة، حتى لو كانت اللوائح تمنحه هذا الحق، في ظل وجود أسماء وشخصيات جديرة بهذه الولاية؟


كما فتحت تلك الواقعة الباب للمطالبة بالثورة على اللائحة وإعادة النظر فيها، ومن ثمَّ ترتيب البيت الصوفى بشكل لا يثير جدلًا ولا استهجانًا ولا استغرابًا.

"فيتو" تناقش هذا القضية بتفاصيلها وأبعادها وخلفياتها التاريخية، في السطور التالية.

أصل التوريث

القول بأن حادثة "الفتنة الكبرى"، حادثة مفصلية ومؤسسة للكثير مما نعيشه اليوم، ليس مجرد أقاويل وتضخيم للحدث أو حتى نوعا من إرجاع كل شيء إلى الماضي، لأنه بالفعل معظم ما نعيشه يعود إلى الماضي.

ويدلل على ذلك نظام التوريث في الطرق الصوفية، والذي بدأ منذ حادثة "الفتنة الكبرى" التي أنتجت أنظمة ومذاهب وأسس حكم جديدة، كما أنتجت نظام التوريث في الطرق الصوفية، هذا ما يؤكده الشيخ علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد الصوفي العالمي، الذي أوضح أن نظام التوريث بدأ عندما ورث الإمام الحسن الخلافة، بعد استشهاد والده الإمام على، ثم خلف الإمام الحسن، الإمام الحسين ثم توالى التوريث في أهل البيت بعد ذلك.

ومنذ نشأة الطرق الصوفية وحتى كتابة تلك السطور، لم يطرأ على هذا النظام أي تغيير، وربما يعود ذلك إلى عدم تدخل الصوفية في الشأن السياسي بدرجة كبيرة، ما جعلها آمنة من الاضطرابات طوال الوقت، أو ربما لأن هذا كان مقبولا في ظل خلافة إسلامية اعتمدت بشكل كبير على التوريث في الحكم.

حق مقدس

وينص القانون رقم 118 لسنة 76 المنظم للطرق الصوفية في مصر، على أن يتولى ابن شيخ الطريقة المشيخة بعد وفاة والده، ويبايعه المريدون من أبناء الطريقة ويأخذون العهد، أيا كان عُمر ابن هذا الشيخ أو مؤهلاته، فذلك في عُرف الصوفية "حق مقدس".

ولا يوجد في قانونها ما يوضح الحالات التي يمكن من خلالها عزل شيخ الطريقة أو تقاعده، وإنما هو منصب مدى الحياة، وبعدها يتم التوريث بأخذ البيعة، أو ما يسمى بالمصطلح الصوفي "العهد"، ولا يخرج الأمر عن أسرة معينة تصبح بمرور السنوات هي الممثلة لتلك الطريقة.

أما عن تفاصيل البيعة نفسها، فإن لكل شيخ ولي عهد، وهو الوكيل الذي يتولى أمور الطريقة، وهذا الولي إما أخ أو ابن أكبر أو حتى ابن تحت سن الوصاية، وبمجرد وفاة شيخ الطريقة يتولى "الوكيل" بعد أخذ "العهد" له، ولا يقتصر التوريث على المنصب فقط، بل يشمل أيضًا "البركات" وتقبيل اليد، فبين يوم وليلة يصبح الشيخ الجديد صاحب بركات، ويجب على الجميع تقبيل يده حتى لو كان طفلًا صغيرًا.

لكن هذا النظام ليس راسخًا ومتفقا عليه كما يحاول البعض تصويره، فالعقود الماضية شهدت حراكًا فكريًا أنتج في النهاية نظرة بغيضة لأي توريث سواء في الحكم أو في تولى أي منصب، ولم تسلم الطرق الصوفية من تلك النظرة، وباتت هناك مطالب بألا يكون الأمر بالتوريث بل بالانتخاب.

الرافضون للتوريث يرتكزون في رأيهم على حقيقة أن مؤسسي الطرق الصوفية الأوائل لم يورثوا المنصب لأولادهم أو أشقائهم، ولم ينصوا على أن هذا هو الواجب ولو حدث، فذلك يعود لطبيعة العصر ليس أكثر، ويرون أيضًا أنه بسبب التوريث في تلك المناصب، ووصولها لمن لا يستحق، أو لأطفال لا يملكون النضج الكامل للتعامل مع مثل هذه الأمور، أصبحت الطرق الصوفية مجرد "فاترينات" يراها البعض دون أن يتفاعل معها، وأصبحت تعاني من الركود وفقدان دورها الروحي.

بينما يرى المؤيدون لهذا القرار ولهم حججهم التي يرددونها دائمًا، ويبدو أنهم الأغلبية أن هذا النظام باق حتى الآن ومن المستبعد تغييره في الوقت القريب، ويعتمدون في رأيهم على مرويات تشير إلى أن هذا النظام وضعه شيوخ الطرق الصوفية الأوائل، وأدى في النهاية إلى الحفاظ على الكيان الصوفي من التفتت على مدار القرون الماضية.

كما اعتمد المؤيدون لنظام التوريث، على نظرية أن الانتخاب يعني فتح "أبواب جهنم" أمام الطرق الصوفية، ودفعها إلى مهب الريح، بحسب تصريح قديم لعبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية.

العشيرة المحمدية

"أبو العزايم" بدا هادئًا في التعامل مع الأزمة المثارة حاليًا بخصوص "العشيرة المحمدية، معتقدًا: أزمة العشيرة المحمدية مصطنعة؛ لأن قانوننا ينص على أن " ابن الشيخ شيخ"، ومن ثمَّ.. فإنَّ تولى يوسف المشيخة أمر طبيعي، على أن يكون منافسه الأكبر سنًا وصيًا عليه.

وسخر "أبو العزايم" مما وصفه بـ"نغمة التوريث"، مؤكدًا أن الطرق الصوفية لم تضعف بسبب التوريث؛ بل إن التوريث هو ما حماها وحافظ على وجودها وبقائها؛ بالعكس الانتخابات التي تفسد كل شىء، على حد قوله.

التوريث حق معلوم.. والوصى قد يكون حلا غير أن الشيخ عبد اللطيف الجوهري شيخ الطريقة الجوهرية الأحمدية قال لـ "فيتو": إن هناك تواصلا من جانب شيخ مشايخ الطرق الصوفية عبد الهادى القصبى لحل الأزمة، وأن يتم الاستقرار على شيخ للطريقة، وأن يكون هناك وصى على "يوسف ولاء" حتى يبلغ السن القانونية، مضيفًا: التوريث في الطرق الصوفية أمر قانوني طبقا لقانون المشيخة والبعض طالب بتغيير هدا النطام منذ عامين ولم ينفذ.

الجوهرى أكد أن العُرف الصوفي ينص على أن "ابن الشيخ يتولى المشيخة أو أقرب الأقارب، وبالتالي التوريث في الطرق الصوفية عرف لن يتغير".

الشيخ عبد الرحيم محمد العزازي شيخ الطريقة العزازية يقلل من تداعيات أزمة "العشيرة المحمدية"، مشددًا على أنها ليست كبيرة كما يتخيل البعض، وإنما هناك قانون المشيخة الدي يمنح يوسف حق المطالبة بمشيخة الطريقة.

واستطرد: التوريث في الطرق الصوفية حق معلوم، لا جدال فيه، وليست هناك رغبة في تعديله أو الانقلاب عليه؛ فأهل مكة أدرى بشعابها.

ندرس الأزمة 

"فيتو" تواصلت مع الدكتور عبد الهادى القصبى رئيس ائتلاف دعم مصر بمجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، لاستطلاع رأيه في هذه القضية، في ظل وجود أصوات كثيرة تطالبه بالتدخل السريع، حيث قال لنا: "ملف تنصيب شيخ للطريقة المحمدية الشاذلية، المثار مؤخرا، سيتم إحالته بكامل تفاصيله للمجلس الأعلى للطرق الصوفية لبحثه واتخاذ اللازم بشأنه".

،مضيفًا لـ" فيتو": المجلس الأعلى للطرق الصوفية سيبحث بكل دقة كافة تفاصيل الملف، ووجهات النظر المتباينة للوصول إلى حسم الأمر، واتخاذ القرار المناسب، بما لايفكك ترابط الطرق الصوفية المعهود عبر تاريخها.

"القصبى"، الذي رفض الاستطراد في الحديث، اختتم تصريحه لـ "فيتو" قائلًا: لا يمكن لأحد أن يرضى بوجود انشقاق أو تحارب بين الطرق الصوفية أو داخلها، وسنسعي جاهدين لحسم الأمر واتخاذ مايلزم".

بداية الأزمة


بداية الأزمة وتفاعلاتها قبل نحو أكثر من شهر، رحل الشيخ نور محمد عصام الدين محمد زكي إبراهيم، شيخ الطريقة المحمدية الشاذلية بمصر والعالم ورائد العشيرة المحمدية، دون أن يسمي من يخلفه، فقد كان طيب القلب شابا يافعا ومثل موته المفاجئ صدمة كبيرة لمحبي ومريدي الطريقة.

وفور وفاته كان لابد أن يتم اختيار شيخ جديد للطريقة، لذا بدأت التحركات داخل الطريقة في السير نحو من يخلف الشيخ نور بعد أن وافته المنية، ومع البحث عمن يخلف الشيخ نور، كان الاتجاه السائد نحو العميد أشرف محمد وهبي إبراهيم الخليل، نجل شقيق مؤسس العشيرة المحمدية والطريقة المحمدية الشاذلية الشيخ محمد زكي إبراهيم، الذي تمت مبايعته قبل تشييع جثمان الشيخ عصام.

والمنافس الآخر كان الطفل يوسف ولاء عصام الدين نجل شقيق الشيخ نور حفيد الشيخ زكي إبراهيم.

بدت هنا أن أزمة قادمة لا محالة، ومن الممكن أن تعصف بأحد أركان البيت الصوفي، إذ أنه جرت العادة ألا تكون هناك بيعة فوق البيعة وإلا أفقدت إحداهما الاخرى شرعيتها.

فضل القائمون على الطريقة أن يتم التدخل من قبل مشيخة الطرق الصوفية لتقول القول الفصل في الأزمة الحقيقية ومن أحق له تولي منصب شيخ الطريقة.

وحسب المعلومات المتوافرة، تقدمت العشيرة المحمدية بخطاب للمشيخة لاعتماد شيخ الطريقة الجديد من خلال خطاب رسمى وفقا لقانون المشيخة الذي لا يمنع صغار السن من أقرب الأقارب لشيخ الطريقة من توليها، وفى حالة إذا ما كان صغير السن يتم اختياره شيخا للطريقة وتعيين وصى عليه لحين بلوغ السن القانونية. القانون يسمح!

أمر طبيعي

وفي هذا الصدد قال الشيخ أحمد عويس مدير مكتب الشيخ نور محمد عصام شيخ الطريقة الراحل لـ"فيتو": لا توجد أي مشكلة في تولى يوسف حفيد الشيخ عصام زكى مشيخة الطريقة المحمدية الشاذلية في حال أبدت مشيخة الطرق الصوفية موافقتها وتم اعتماده بشكل رسمي ليكون شيخا للطريقة.

لافتًا إلى أن القانون سمح للأبناء والأقارب بتولى المشيخة لأنهم أكثر دراية وحفظا للأوراد، وبالتالى ننتظر قرار المشيخة العامة للطرق الصوفية.

من جانبه قال أشرف وهبى، أحد أبناء طريقة العشيرة المحمدية: جرت العادة في الطريقة ببيعة شيخ الطريق الجديد قبل توليه المسئولية وتم عرض الأمر علىَّ، إلا أنني في بداية الأمر لم أوافق، إلا أنه بعد إلحاح اضطررتُ إلى قبول البيعة قبل مراسم تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير.

مضيفًا: مر الأمر دون ضجة أو أزمة تُذكر، تمت مبايعتي وانتهى الأمر، إلا أننا فوجئنا بعد مرور يومين ببيعة الطفل يوسف نجل شقيق شيخ الطريقة السابق، وهو ما استلزم وقفة إذ إنه لا يجوز أن تكون هناك بيعة فوق بيعة ووقع خلاف في الآراء بين أبناء الطريقة.

وأوضح وهبى، أن القانون 118 لسنة 78 بشأن تنظيم الطرق الصوفية، أشار في المادة 29 إلى أن الشيخ لديه شروط منها السن، ويجب أن يكون بالغًا ومُلمًا بالمنهج الصوفي وغيره من الأمور الأساسية لدى أي عضو بالطريقة، فيما جاءت المادة 30 في القانون، لتنصَّ على 3 بنود أساسية يجب اتباعها في حال وفاة شيخ الطريقة.

الأول: أن يتولى من بعده ابن الشيخ، وإنْ كان قاصرًا يتم تعيين وصي له، والثانى: في حال وجد للشيخ إخوة وأشقاء يجب تعيين أحدهم وأكبرهم سنا، وفي حال الأشقاء يكونون مقربين أكثر ليكونوا شيخ الطريقة، أما البند الثالث فينص على أن يتم الاختيار من بين ذوي القربى من أسرة الشيخ، وهو ما حدث في الأزمة الحالية. المفتى السابق يتدخل.

اتصالات احتواء الأزمة

وبحسب مصادر صوفية متفرقة، فإن الدكتور على جمعة، شيخ الطريقة الصديقية ومفتي الديار المصرية السابق، فتح اتصالات مكثفة مع كافة أطراف الأزمة حول زعامة الطريقة المحمدية وجماعة العشيرة، للوصول إلى حل يرضى كافة الأطراف، وألا يذهب الأمر إلى منطقة خلاف بين أبناء الطريقة الواحدة وهو ما يضرب صبغة وقيمة التصوف والزهد في المناصب.

وجاء تعليق العشيرة المحمدية ردا على تدخل الدكتور على جمعة، مًرحبا بما وصفوه محاولات رأب الصدع بين أبناء العشيرة وجاء نص البيان: "أنهم على تمام العلم بأن الدكتور العلامة المجدد على جمعة مفتي الديار الأسبق من أكثر المحبين للعشيرة المحمدية، ويدعم استقرارها بقوة، ويحافظ على الكيان الدعوى التاريخي الذي أثرى العالم الإسلامي فكرا وتنويرا".

وأوضح أبناء العشيرة المحمدية في البيان: "إن قادة العشيرة يؤكدون أن فضيلة الدكتور على جمعة كان من أنجب وأخلص تلاميذ الشيخ محمد زكي إبراهيم، رائد العشيرة المحمدية الشاذلية، لذلك يؤكد كبار رجال العشيرة أن أي محاولات من أصحاب النفوس الضعيفة للزج باسم الشيخ على جمعة في أي خلافات أو مهاترات بين أبناء العشيرة هي محاولات خبيثة وماكرة، ستؤول إلى الفشل، لأن الشيخ على جمعة، يترفع عن الصغائر ويربأ أن يقحم نفسه في جدال عقيم لصالح طرف على حساب الطرف الآخر".

وحسب المعلومات المتواترة، فمن المقرر أن يتم عقد عدة جلسات بين الأطراف المتنازعة على رئاسة العشيرة من أجل الوصول إلى صيغة أو نتيجة ترضى كافة الأطراف، وحسب مصدر فضل عدم ذكر اسمه، فإن بعض الأصوات طالبت بأن يكون يوسف صاحب الـ 14 عاما هو شيخ العشيرة، فيما يكون العميد أشرف هلالي هو الوصي عليه، وبهذا الحل يكون الأمر تم بشكل هادئ دون أية أزمات يتم تصديرها للإعلام.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية