رئيس التحرير
عصام كامل

الروائي محمد جبريل لـ"فيتو": جعلونى مجرمًا.. واتحاد الكتاب تخلى عنى..فيديو وصور

فيتو

منذ نحو عشرين يومًا، طرق «المُحضر» باب الشقة رقم أربعة الكائنة بالطابق الأول علوي في شارع "سليمان عزمي" بحي النزهة في مصر الجديدة، والتي يقطنها الكاتب الصحفي والروائي الكبير "محمد جبريل" السكندري الذي أخذه القدر من حِضن موطنه الأقرب لقلبه حي بحري بالإسكندرية إلى قلب القاهرة، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، المُحضر أتى بقرار من المحكمة في حين كان هو في مستشفى دار الشفاء يتعافى من آثار عملية أجراها في المعدة والاثنى عشر، يبلغه بعقوبة وقعت عليه وهي الحبس لمدة عام مع الشغل بسبب عدم امتثاله لقرار إعادة تنكيس أو ترميم الشقة، وأصبح موضع اتهام في تُهمة لم يفعلها، "وكأني أنا صاحب العقار ويلقون اللوم على وحدي ويذكرون اسمي كاملًا في القرار بينما تم ذكر الأسماء الأولى فقط من بقية سكان العقار!".



أصل الحكاية..كيد نساء..و5 آلاف جنيه تم دفعها العام الماضي

«خُلق الإنسان ليقاوم».. قبل أن يشرع في سرد تفاصيل تلك الحكاية التي لا يمكن لأي عقل بشري أن يتخيلها، ويتخيل إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، أطلق محمد جبريل علينا هذه الجملة، التي يعتبرها سلاحه الأقوى في مواجهة هذه الأزمة منذ تجددها قبل عشرين يومًا، فصاحب الجسد الهزيل الذي تركت السنوات أثرها في معظم جنباته لا يملك سوى المقاومة بالكلمة، وبتاريخه الأدبي الذي يخبرنا عنه وإن استحى هو أن يفعل ذلك، "بقالي عشرين يوم بحاول استوعب ما حدث، أنا لا أعلم ماذا جرى لي ولماذا أنا مُتهم ومُطالب أن أقف أمام قاضي الاستئناف يوم الحادي عشر من يناير القادم في جريمة لم أرتكبها، ويعود الخيط الأول لها لسيدتين في الطابقين الثاني والثالث من العقار، وقعت بينهما مشكلة بسبب تسرب المياه في شقة السيدة القاطنة بالطابق الرابع، فأرادت أن تشكوها الجارة، والصدف وضعتني في وش المدفع بالرغم من أنه في عام 2019 أتاني المُحضر للمرة الأولى ومعه قرار من المحكمة بضرورة دفع مبلغ مالي 5000 جنيه وذُكر اسمه واسم جار له في الطابق الأعلى وافته المنية منذ بضعة سنوات"، وهذا من أجل إعادة تنكيس وترميم للعقار رقم 18 والذي يقطنه محمد جبريل منذ عام 1979، فامتثل جبريل للقرار ودفع المبلغ، وظن أنها النهاية لهذا الموقف الذي يصفه جبريل بـ العبثي، إلا أنه تم إعادة إحيائه من جديد والزج باسم محمد جبريل به، مع التصميم بأن يحضر الجلسة القادمة كونها جلسة استئناف، على الرغم من عدم قدرة الروائي الكبير على الحركة أو السير خارج عالمه الصغير هذا الذي يعج بمئات الكتب والمراجع والروايات والدواوين الشعرية، وبضع قطط هي رفقاء جبريل في ساعات الليل والنهار وأوقات الكتابة فوق المكتب الخشبي الثابت موقعه منذ أربعين عامًا في صَدر الصالة محدودة المساحة، "أنا مبخرجش من بيتي إلا مرتين أو ثلاثة في العام كله لزيارة الطبيب".

 ينظر إلى قدميه اللتين تحملتا الكثير من التدخلات الجراحية خلال السنوات الأخيرة، وفي إشارة أخرى إلى عموده الفقري الذي طاله مشرط الطبيب هو الآخر، "طوال حياتي أواجه الألم بالكتابة وأواجه أية مشكلة بالكتابة إلا هذه المشكلة، عجزت عن فعل أي شيء أمامها"، تحجرت الأفكار في رأسي ولم أستطع استكمال مقالي الثابت في مجلة "القاهرة" منذ عشرين يومًا، بسبب الإفراط في التفكير في الكيفية التي ستكون عليها عواقب تلك القضية. 

حقيقة امتلاك الأديب شقتين بالعقار

التُهمة التي حُيكت لأديبنا بطلها الحقيقي الإهمال والتقصير ورفع الدعاوى القضائية دون التأكد من صحة المعلومات التي يتم تداولها، أو تُهمة "مطبوخة" كما وصفها جبريل في غير موضع، والدليل الأكبر على ذلك كان ورود معلومة في المحضر الذي تم رفعه للقضاء، أن محمد جبريل يمتلك شقتين في العقار رقم 18 بحي النزهة، والحقيقة أنه لا يمتلك إلا شقة واحدة كما سبق الذكر في الطابق الأول علوي، "قالوا إني مالك شقتين ده لأنه محدش جه وشاف أنا فين وعندي إيه" كعادته في الكثير من أعماله يواجه جبريل لحظات الحزن بالسخرية فنجده يقول :"ياريت دخلوني السجن بس آخذ شقة تانية أضع بها كتبي المتناثرة في كل مكان بالشقة!".

ما يثير الحزن في نفس جبريل ولكنه لا يبدو ظاهرًا في مَعرض حديثه إلينا، أنه لم يجد الإنصاف من اتحاد الكتاب الذي كان عضوًا به ونائبا لرئيسه فترة من الزمن، فلم يجد محمد بجانبه إلا بعض وسائل الإعلام وبعض زملائه وأصدقائه من الأدباء والمثقفين، يضع محمد التبرير لهذا الصمت غير المُبرر بأنه لابد وأنه سيتدخل أحد من اتحاد الكتاب أو وزارة الثقافة خلال الفترة المقبلة لحل الأزمة، خاصة وأن الأخيرة ساندته كثيرًا في فترة مرضه الأخيرة، يقول جبريل:"أنا شخصية غير اجتماعية ولم أقع في مثل هذه المشكلات من قبل، لم يأت في بالي أن أقع بها ربما يأتي في بالي أن أموت أمرض فوق مرضي أكتب رواية جديدة وبالفعل أنا الآن وفي عز تعبي أنهيت ثلاث روايات ويتم طباعتهم في دور نشر مختلفة، ولكن أن يحدث لي هذا لم أتوقع أن أكون، وكذلك اتحاد الكتاب والجهات الثقافية في الدولة، فقط الإعلام وزملائي الكتاب والمثقفين كل من يستطع أن يفعل شيئًا لم يتأخر عن فعله، كان هيبان لو حد من الاتحاد أراد المساعدة، ولكن ربما الأمر مسألة وقت وأنا لا أحمل ضغينة ولم أغضب من أحد" محمد جبريل ليس كاتبًا فحسب لكنه صحفي وقع في أزمة فغاب دور النقابة حتى هذه اللحظة عن إخراجه منها!

أنا مش عارف أشتغل وانتظر المجهول

يبدو التعب عليه تتقلص ملامح وجهه وينخفض صوته قليلًا، يجاهد في معركته وهو جالس على كرسيه، رجل في بداية عقده الثامن يواجه تهمة الحبس سنة مع الشغل، هو نفسه ذاك الرجل الذي حصل هذا العام على جائزة الدولة التشجيعية عن كتابه "مصر في عيون كُتابها المعاصرين"، أديب أثرى المكتبة العربية والمصرية بنحو 85 عملا أدبيا ونقديا بين الرواية والقصة والدراسات النقدية، حينما سألناه عما يدور في ذهنه منذ بداية الأزمة، يقول :"أشعر وكأني بطل رواية المحاكمة لكافكا، أُحاسب على ذنب لم اقترفه، وآن لهذه المهزلة أن تنتهي وأنا لا يعنيني من يقف بجانبي ما يعنيني الآخر وهو الحكم الصادر ضددي بسنة مع الشغل أي شغل هذا؟!" يتساءل ناظرًا إلى عكازه وقدميه المتورمتين بعض الشيء. "ما يُدريني بالظروف والمصادفات التعيسة اللي ممكن تحل بي قبل موعد الاستئناف 11 يناير القادم!".
تقرير بعدم مسؤوليته عن المخالفات ومطالبة بمحاسبة المهندس المختص
يُصر الروائي محمد جبريل على احترامه للقضاء وما ألزمه به، ولكنه لا يفهم طبيعة ما يجري فبالرغم من تقديم كافة الإثباتات على أن المهندس المسئول لم يزر البيت من الأساس أو يعاينه، وأن جبريل لا يمتلك سوى شقة واحدة، والعقار لا يحتوي على 16 شقة كما هو مُدون في القرار، "القاضي نحى هذا كله وأعطاني حكم، لكني لم اعترض على القضاء وحكمه واحترمه وأقدره، وهذه المهزلة يجب أن تنتهي وتُقشط تمامًا لأنه آخر تقرير كتبه رئيس الحي يتكلم فيه عن العلاقة بين الشقة ستة وماتعلوها واسمي مكتوب فقط باعتباري أحد السكان، فبمجرد قراءة ذلك فأنا لا يعنيني شيء أنا مجرد ساكن في العمارة. ولكن هذه الشهادة لا تبرأني ولكن تبرء المنفعة الفعلية".

كما أكد ضرورة محاسبة المهندسة التي كتبت هذا التقرير، وإحالتها من قِبل رئاسة الحي إلى النيابة الإدارية والتحقيق معها، في عدم مراعاتها الدقة والحقيقة في هذا التقرير، حيث أن الاستهتار من جانبها لطبيعة عملها وخطورة هذا العمل أدى لإحالة مواطن للمحكمة، لأنه لم تتم المناظرة بين التقرير والحقيقة ويتابع قائلًا:"يحدث كل هذا لكاتب مثل محمد جبريل شخصية عامة اهتمت به وسائل الإعلام، فما الذي يحدث للبسطاء ممن لا نعلم عنهم شيئًا؟!". 

«أريد أن أُترك لعالمي الذي أعيش فيه منذ سنوات؛ أصدقائي..الورق.. القلم والكتاب. وأقول لهم: أستطيع الوقوف في بيتي أولًا وبعد ذلك أقف في المحكمة!».
الجريدة الرسمية