رئيس التحرير
عصام كامل

البطل عبد الجواد سويلم: وجدت أطرافًا تتطاير ثم اكتشفت أنها أعضائي.. والرئيس عبد الناصر أطلق علَيَّ لقب "الشهيد الحي" (حوار)

البطل عبد الجواد
البطل عبد الجواد سويلم
دمرت مدرعة للعدو بقذائف هاون وراح فيها 23 جنديًا إسرائيليًا وكنت وقتها بنسبة عجز 100 % 

يروي البطل عبد الجواد سويلم الذي لقَّبه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "بالشهيد الحي" فى حوار لـ"فيتو" بمناسبة الذكرى 47 لنصر أكتوبر المجيد بعضًا مما تيسر من بطولاته. 



*بداية .. ماذا كان دورك فى حرب الاستنزاف؟

في عام 1967 كنت جنديًا بإحدى فرق العمليات الخاصة، التي كانت تنفذ عمليات نوعية في حرب الاستنزاف، وكنت فردًا ضمن قوات الصاعقة المصرية، وصدرت لمجموعتي المكونة من 19 بطلًا، أوامر من قائد ملازم "وائل عزت إبراهيم"، بتنفيذ عملية انتحارية، خلف خطوط العدو، ردًا على العمليات التي كان ينفذها الطيران المعتدي الذي كان يعربد خلسة في سماء مصر ضد المدنيين مثل اعتدائه على مدرسة بحر البقر، ومنطقة أبوزعبل وغيرها.

فقمنا بالتحرك تجاه الهدف بعد أن تم إنزالنا فجرًا، وكانت مهمتنا تدمير أحد مواقع العدو، وبالفعل أنجزنا المهمة، وكان دوري فيها زرع عبوات متفجرة بأحد المواقع لتدميرها، حيث قمت بزرع 11 عبوة ناسفة بالتعاون مع زملائي في مخازن تعيينات ووقود وذخيرة، ورغم الصعوبات التي واجهتنا، إلا أننا تمكنا من إنجاز المهمة بنجاح.

*وماذا حدث فى طريق عودتكم؟

في طريق العودة وفي رد فعل للعملية، مع شروق الشمس الذي ساهم في كشفنا تمت مهاجمتنا من قِبل 4 طائرات "مِيراج" فاستهدفتني إحداها وظلت تطاردني 7 دقائق متواصلة ولم يتمكن منِّي قائدها، فأصابني الغرور فأشرت له بيدي التي تم بترها قائلًا له "لو راجل انزل لي" فقام بضربي بأحد صواريخ الطائرة، فسقط الصاروخ على بُعد 4 أمتار منِّي ليفقدني قدمي الاثنتين وذراع وتفتت في شبكة عيني اليمنى، وكنت أتمنى فى تلك اللحظة أن يسقط فوقي الصاروخ لأذوب في تراب سيناء. 

*اروِ لنا حكاية قرارك بضرب نفسك بالسلاح؟

عقب أن أنهت طائرات العدو مهمتها، رأيت ساقين وذراعًا فخيل لي من عدم الوعي جراء العملية أنها أشلاء أحد زملائي، فحاولت أن أقوم فلم أتمكن فقد عجزت عن الحركة كل ذلك وأنا لا أدري أن تلك الأشلاء التي بجانبي هي أطرافي، ظللت أحاول أن أستوعب ماذا حدث.. أنظر حولي، وأنا على وشك فقدان الوعي، أين ذهب زملائي ظننت أنهم استشهدوا، انظر إلى السماء.

أشعر بدوار وغثيان ورغم ذلك أحاول تنظيم نفسي باحثًا عن سلاحي، بعد أن أدركت أنني فقدت قدمي وفي هذا الموقف يجب الشدة والحزم.. فلا وجود للذات.. لكن الوجود هنا وفي هذا الموقف هو لمصر.. فاتخذت قرارًا سريعًا بضرب نفسي بالسلاح، وذلك القرار أشرف لي من عار الأسر.

*وما الذى منعك من الإقدام على هذه الخطوة؟

قبل أن أوشك على قتل نفسي عثر علَيَّ زملائي في هذا الوضع، وأنا مقطع الأطراف فقام على الفور قائد العملية الملازم "عيد زكي إبراهيم" بمحاولة إيقاف النزيف الذي خرج من كل جسمي، لدرجة أنه قطع ملابسه الداخلية ليربط مكان بتر أطرافي بها، وأمر زملائي بحملي وحمل قدمي وذراعي وسلاحي لمسافة 10 كيلو مترات.. حتى وصلنا إلى القناة وتحديدًا لنقطة التينة الطبية.

وهناك تم إسعافي وتنظيف جرحي ولكني كنت في شوق إلى النوم فأنا لم أنم منذ عدة أيام، وكان الطبيب المعالج يعتقد أنني سوف أموت بعد عدة ساعات، ورغم ذلك قاتل زملائي من أجل إيصالي إلى المستشفى ببورسعيد، بعد أن حملوني سيرًا لمسافة أكثر من 23 كيلو مترا، وفوقهم نيران مدافع العدو، ورغم ذلك نجحوا في مهمتهم لإدخالي المستشفى، حيث تلقيت الرعاية الطبية العاجلة، ورغم أن نجاتي كانت مستحيلة إلا أن الله عز وجل قدر لي البقاء. 

*ما قصة لقب الشهيد الحي ومَن الذى أطلقه عليك؟

قام بزيارتي فى المستشفى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهو مَن أطلق علَيَّ "الشهيد الحي"، وطلبت منه أن أعود إلى ساحة القتال، وبالفعل عُدت إلى الجبهة بعد أن تماثلت الشفاء. 

*احكِ لنا عن بطولاتك فى نصر أكتوبر 73 المجيد؟

لم يكن ما تم تحقيقه في حرب 1973 انتصارًا عاديًا بل كان نتيجة القتال بقلب رجل واحد فلا فرق بين مسلم ومسيحي، ولا قائد أو مجند، فكنا جميعا سواء، وقد تمكنت بمعاونة زملائي من استهداف مدرعة للعدو بالبر الشرقي لقناة السويس، وكنت وقتها بنسبة عجز 100 % حتى إنني دمرتها بقذائف هاون، وراح فيها 23 جنديًا إسرائيليًا، وذلك بعد أن ألحيت على قائد الكتيبة أن يتركني أحارب مع زملائي.

*ما هى رسالتك للأجيال الجديدة؟

لم يمن الله تعالى علَيَّّ بالشهادة التي تمنيتها ولم أنالها ولكن أعطاني الله عز وجل أكثر ما كنت أتمنى.. وأنا رجل قد بلغت من العمر 73 عامًا وأتمني من الله تعالى أن يحسن خاتمتي بالقبول، ولكن لو نُودي للحرب مرة أخرى سوف أعود مجددًا للقتال دفاعًا عن أرض مصر الغالية.

ورسالتي لكل الأجيال قاطبةً: "حافظوا على أرض هذا البلد فهى غالية والله تعالى قدسها ولا تقل في قدسيتها شيئًا عن مكة المكرمة فلقد اختارها الله تعالى دون الأراضي ليكلم موسى "عليه السلام" عليها.. وأعينكم على سيناء ولا تنساقوا خلف مخططات الشر ودعوات التخريب فمصر محفوظة من الله عز وجل ووراءها جيش لا يقهر خير أجناد الأرض رجال ونساء".


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو".
الجريدة الرسمية