رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم نافع يكتب: مات الحكيم والقلم في يده

الصحفى ابراهيم نافع
الصحفى ابراهيم نافع

فى يوليو 1987 ولوفاة الأديب توفيق الحكيم كتب الكاتب الصحفى إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام السابق مقالًا قال فيه: التقيت بأستاذنا الكبير توفيق الحكيم فى لقاء رئيس الجمهورية بالكتاب والأدباء خلال زيارته لمعرض القاهرة للكتاب.

 

جلست إلى جواره فى انتظار الرئيس ، وسألته عن صحته فقال لى عبارة لم أنسها أبدا: توقف فى جسمى كل شيء عن أداء وظائفه ما عدا عقلى وقلبى..
قلت له ما دام العقل والقلب ينبضان فهذا عظيم خاصة أن العقل هو عقل توفيق الحكيم ، والقلب هو قلب توفيق الحكيم ..ثم داعبته كعادتى معه وقلت له: كل مقال جديد تكتبه للأهرام ستكون له مكافأة خاصة مميزة ابتداء من اليوم ن فضحك وقال: اتفقنا.


ووفى العملاق الكبير توفيق الحكيم بوعده وظل يكتب حتى اللحظة الاأخيرة التى تمتع فيها بوعيه الكامل ، وتوالت مقالاته فى الأهرام التى كان يصدرها بالحديث الشريف الذى يقول إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها.


وكان يتمثل بهذا الحديث الشريف وهو يصر على أن يحمل قلمه ليعبر عما يؤمن به من فكر ومن آراء حتى الأيام الأخيرة من عمره ليضيف إلى نهر عطاءه للآداب والفكر الإنسانى المزيد والمزيد.


وظل الحكيم يغرس أفكاره فى أرض الفكر المصرى والعربى حتى استسلم العقل والقلب للوهن وانطفأ مشعله منذ ساعات وغاب قلمه لأول مرة عن صفحات الأهرام.


إننى لا أنعى هنا توفيق الحكيم ككاتب فوق قمة كتاب الأهرام ومفكريه فقط.. لكنى أنعى للعربية أديبها الكبير ن وأنعى آخر العمالقة الذين قادوا حركة التنوير الثقافى فى الأمة العربية كلها وارتبطت أسماؤهم بجيل الرواد فى العصر الحديث وهم طه حسين والعقاد والحكيم.


لقد امتد العمر بالحكيم بعد رفيقيه ، فأتاح له أن يكون شاهدا على أكثر من عصر مشاركا فى قضايا أمته لأكثر من جيل ، ومواكبا لأحداث سياسية هامة عاشها بفكره ونبضه وشجاعته الفكرية المشهود له بها ، فقال كلمته فى كل عصر دون تردد ، فكان الكاتب الحر فى كل الأوقات ، وصاحب القلم الجريء فى كل قضية ، فلم يتردد أمام دعاوى خصوم فكره فى التعبير عما يؤمن به فى قضايا الحرية والفكر الدينى المستنير وديمقراطية التعبير وينشر الأهرام كل ما خطه قلمه حتى اللحظة الأخيرة.

 

اخبار ماسبيرو.. صوت العرب تحيي ذكرى توفيق الحكيم ببث نائب في الأرياف
ثم جاءت النهاية ، نهاية عملاق الادب والفكر الذى ترجمت أعماله إلى كل لغات العالم ، وتوقف القلم فى يده ، وأذنت الشمس بالمغيب ، وآن لمقالاته أن تغيب عن صفحات الأهرام ، وآن لصالونه الفكرى فى الدور السادس فى مبنى الأهرام الذى كان يمثل بحق عقل مصر بما يضمه من عمالقة الأدب والفكر كانوا يجتمعون حول الحكيم ليسمعوا آراؤه وافكاره وتأملاته الساخرة.


آن لكل ذلك أن يتوقف ، مات العملاق ، ولأن الفكر لا يموت سيبقى توفيق الحكيم أبد الدهر حيا فى ضمير قراء العربية وفى سجل الأدب العالمى إلى ما شاء الله.


وداعا توفيق الحكيم ، ووداعا شعلة العقل التى لا تنطفئ أبدا.

الجريدة الرسمية