رئيس التحرير
عصام كامل

منتصر عمران يكتب: ابن تيمية المفترى عليه والمفترى به

منتصر عمران
منتصر عمران
18 حجم الخط

حدث جدال واسع في الأيام الأخيرة وبالتحديد أثناء عرض مسلسل "الاختيار" عن شخصية بن تيمية بين مادح وذام.. بين جماعات استخدمت آراءه واجتهاداته في زمن غير زمنه وفي حال غير حاله وطائفة جعلت منه الزعيم الروحي للفكر الإرهابي دون أن يقرأوا له.. فكلا الطرفين من وجهة نظري افترى على الرجل.

نأتي متى بدأ الحديث عن بن تيمية وعلمه نجده ظهر وانتشر منذ تكوين جماعات ما يسمى بالتيار الإسلامي في عام 1٩٢٨ م حيث استدل قادة هذه الجماعات بأقواله ولكن للأسف في معظمها في غير موضعها.. فبعيدا عن فهم الجماعات السياسية لأقوال بن تيمية أقول إن ابن تيمية من العلماء الربانيين الذين ماتوا من مئات السنين وعلومهم ما زالت باقية نافعة وكما يقال عنه إنه كان فارس المنقول.

وهو من القلائل الذين اطلق عليهم مسمى شيخ الإسلام.. والغريب في حق ابن تيمية ان تلاميذه لا  يقتصرون على مَنْ عاصروه  بل إن تلاميذه علماء معاصرون من أمثال ابن عثيمين وابن باز وغيرهما الكثير  الذين تتلمذوا على كتبه. 

فابن تيمية كان عالِمًا كبيرًا، وعلمًا منيرًا ومجاهدًا شهيرًا جاهد في الله بعقله وفكره وعلمه وجسمه وكان قوي الحجة لا يصمد أحد لمحاجَّته ولا تأخذه في الله لومة لائم إذا بان له الحق أن يقول به.

كما أن ابن تيمية عالم دولة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى أو كما يسمى في وقتنا الحالي مفتي الديار.. وكان بمثابة رئيس التوجيه المعنوي في جيش المماليك الذي كان يقاتل جيش التتار الذي كان يزعم أنه مسلم، وهو في الحقيقة من أعدى أعداء الإسلام.. فجنكيز خان قائد التتار ألف كتابا أسماه "الياسق" الذي جمع فيه أقوال من التوراة والإنجيل والقرآن بما يخدم فيه فكره المنحرف.

وجنكيز خان القائد التتري أثخن القتل في شعوب المسلمين أكثر من جيوش اليهود والنصارى، فوقف له ابن تيمية مجاهدا بالكلمة حتى تحقق له ما أراد من النصر للمسلمين.

فهو بحق بحر العلوم العقلية والنقلية تلقَّى العلم حتى بلغ الذروة فيه.. كان رحمه الله عالِمًا كبيرًا وعلمًا مُنيرًا، ومُجاهدًا شهيرًا جاهد في الله بما استطاع من قوله وفعله، وكان قويَّ الحُجَّة حُرَّ التفكير صائب الرأي.

  وقد قيل عنه إنه قد تم التمكين له في الأرض.. وليس التمكين في الأرض  معناه أن الإنسان يحكم الناس ليكون سلطانًا عليهم.. بل قد يكون التمكين للإنسان في الأرض بتمكين قوله حتى يكون له سلطان على المؤمنين.. فقد مكَّن الله له في الأرض أعظم من تمكين الولاة أنفسهم فتمكين الولاة قد انقضى بموتهم، أما ابن تيمية رحمه الله فقد مكَّن الله له بأن جعل قوله مُعتبرًا بين الناس وما زالت أقواله باقية حتى الآن.

والغريب في الأمر أن ابن تيمية رحمه الله لم ينتفع الناس بكتبه إلا بعد أزمنة متطاولةٍ من موته فقد كثر انتفاع الناس به وإلى يومنا هذا إذا رأيت المناقشة بين طلاب العلم تجد القائل منهم يقول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية كذا وكذا فصار قوله رحمه الله قولًا معتبرًا في أوساط المسلمين.

ومع ذلك أقول إنه ليس بمعصوم ولا أدَّعي العصمة لأحد، إلا لرسول الله  صلى الله عليه وسلم، وكانت له رُدُودَهُ على أهل الكلام والفلاسفة فقد سرد عشرين كتابًا أو أكثر في مقام واحدٍ! مما يدل على سعة علمه واطلاعه رحمه الله وعلى قوة استحضاره.

وقد رأينا المنصفين من رجالات الأزهر في الجيل الماضي يعترفون بقدر ابن تيمية، ويرجعون إلى آرائه وفتاويه من أمثال الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمد الخصر حسين والشيخ عبد المجيد سليم  وغيرهم.

ومع ذلك لا بد أن يسلم كل من هو محب لابن تيمية ونهل من معين علمه أن ابن تيمية ليس معصوماً من الخطأ، ولا حرج على من شاء من أهل العلم أن يخالفه في بعض ما ذهب إليه، لكن الواجب أن يكون ذلك في حدود أدب الإسلام وبالطريقة العلمية الصحيحة لا بالتهجم والتطاول.

كما لا بد للذين يهاجمون ألا يجعلوا من أفكار الجماعات الإرهابية الذين أخذوا بأقواله مبررا في الهجوم على الرجل؛ فالحقيقة أن الجماعات الإرهابية هي التي أخطأت في فهم أقوال الرجل وأنزلوا أقوالا في غير محلها وحرفوا مرامي أقواله ومنهجه وفكره على غير مراده وانا اقولها هنا صريحة: لو أن ابن تيمية رأى هذه الجماعات لتبرأ منها وحاربها وبين زيفها وباطل عملها.

فيا من أقمتم له العداء دون أن تقرأوا له أو حتى تفهموا منهجه وعلمه كونوا منصفين، ولا تتركوا للهوى والانتقام إلى عقولكم طريقا.. فقد ظل الرجل طوال عمره القصير الذي لم يتزوج فيه، مدافعا عن الدولة والشعب والوطن، ولم يكن يوما ساعيا إلى سلطة أو حكم حتى توفاه الله عز وجل.

الجريدة الرسمية