رئيس التحرير
عصام كامل

المستشار السابق لـ"الفاو": التوسع في الزراعة العضوية يجلب لمصر 5 أمثال ‏دخل قناة السويس‏.. ونحتاج نشر زراعات الأورجانيك (حوار)

الدكتور محمد فتحي
الدكتور محمد فتحي سالم الخبير الدولي في الزراعة

 مشروع الصوب الزراعية سيوفر 4.7 مليار بذرة كانت تستوردها بلادنا بقيمة 1.5 مليار دولار سنويا

 الزراعة العضوية للفاصوليا والبسلة والفراولة والبرسيم أحدثت طفرة في الإنتاج وفي ربح الفلاحين

لا حل لأي دولة حرة إلا امتلاك طعامها وسلاحها ولهذا يسعى الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوة إلى تمكين مصر من ‏الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية وبأعلى مستوى من الإنتاجية التي تضاهي أفضل المعايير العالمية ولكن كيف ‏يحدث ذلك؟ وهل مصر قادرة بالفعل على تحقيق هذا الحل الذي غاب عنها لما يزيد عن نصف قرن من الزمان؟ وما هي ‏العقبات المنتظرة ومسقبل الفلاح المصري بعد عقود طويلة من التراجع؟

 كل هذه الأسئلة يجيب عليها الدكتور محمد فتحي سالم ، الخبير الدولي ‏في الزراعة ، والأستاذ بجامعة المنوفية ، والمستشار السابق لمنظمة "فاو" أو منظمة الأغذية والزراعة ‏ التابعة للأمم المتحدة.. وإلى نص الحوار:‏

*بداية.. الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه قبل أسابيع بضرورة السعي والعمل من أجل الاكتفاء الذاتي لمصر من المحاصيل ‏الإستراتيجية ، ويتزامن ذلك مع مطالبتك الدائمة بالتوسع في الزراعة العضوية تحديدًا.. ما سر إصرارك عليها؟

‏ لأن التوسع في الزراعة العضوية يضاعف دخل مصر من الصادرات الزراعية لدرجة أنها توفر لمصر نحو 5 أمثال من ‏دخل قناة السويس.‏

*هل تصديق الدولة على قانون الزراعة العضوية يعني إدراكها لحجم المكاسب التي تتحدث عنها ؟

‏ بالطبع ولكن المهم تفعيله ووضع آليات لتنفيذه والتوسع في الزراعة العضوية حتى ندعم الصادرات ونحمي صحة ‏المصريين في الوقت نفسه.‏

*هل مصر أول من سيقتحم هذا المجال في المنطقة أم نظام مجرب وله نتائج واضحة؟

‏ مُجرب بالتأكيد وهناك دول أفريقية تزرع مساحات تصل لعشرات أضعاف مساحة الأراضي المصرية بالزراعة العضوية ، ‏ولهذا مساحة 2% فقط التي سيتم زراعتها بالطريقة العضوية نسبة قليلة بالمقارنة بالعديد من الدول الأخرى خاصة أن ‏هناك تجارِب شخصية لمزارعين من مختلف المحافظات نجحوا في مضاعفة إنتاجيتهم باستخدام الزراعة العضوية.‏

*وأي محاصيل أظهرت إنتاجية مختلفة بهذا النظام؟

‏ الفاصوليا والبسلة والفراولة والبرسيم وجميعها أحدثت طفرة في الإنتاج وفي ربح الفلاحين.‏

*حدثنا عن مشروع الصوب الزراعية التي تهدف للمشاركة في حلم الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية؟

‏ ممتاز والحقيقة الاهتمام بإحداث طفرة زراعية لم يحدث منذ 50 عامًا وهذا المشروع له أهداف أخرى بجانب الاكتفاء ‏الذاتي وهو ضبط آليات السوق وتوفير منتجات زراعية طبيعية بمواصفات دولية للمواطن المصري البسيط في الوقت ‏الذي تنافس هذه المنتجات عالميا وأسعارها في بعض الأحيان تفوق الأسعار في أوروبا. ‏

*لهذه الدرجة؟ ‏

نعم.. هذا المشروع يقدم للمستهلك في مصر وربما لأول مرة الخضراوات وفق أفضل المعايير الأوروبية المعنية بسلامة ‏الغذاء والمعروفة باسم ‏FoodSafety‏ والتي تشميل جميع مراحل التعامل مع المنتج عقب حصاده وتداوله بمحطات تعبئة ‏الخضراوات وحتى تجتاز هذه الاشتراطات يجب أن تكون متبعًا لمعايير صارمة. ‏

*لأي مدى يمكن لهذه الصوّب المساهمة في تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي للبلاد؟

‏ كما هو معروف المشروع سينفذ على أربع مراحل وهذه النسبة تكفي لتوفير الاحتياجات الغذائية من الخضراوات لنحو ‏خمس سكان الشعب المصرى بمعدل ما يقرب من 20 مليون نسمة.‏

*ولكن البعض يتخوف من استخدام المشروع للكثير من المياه في ظل أزمة مصر بمياه النيل مع أثيوبيا؟

لا بالعكس ، الميزة الكبرى لهذه المشروعات توفيرها تقنيات توفر مياه الري بما يتجاوز نحو 20% مقارنة بأي ‏نظام آخر بجانب أن الدراسات الإستراتيجية وآلية التنفيذ تراعي بشدة إحداث كفاءة مائية خلال تنفيذ المشروع العملاق في ‏خمس محافظات.‏

*هل بالفعل المشروع سيوفر أيضا مليارات البذور المستوردة من الخارج بما يحدث طفرة في الإنتاج الذراعي؟

نعم، المشروع سيوفر ما يقرب من 4.7 مليار بذرة كانت تستوردها بلادنا بقيمة 1.5 مليار دولار سنويا ، وهو رقم يساوي ‏نحو 27 مليار جنيه سنويا من الخارج وبالعملة الصعبة ، وهو ما يريح ميزانية مصر فضلًا عن المساهمة الكبرى لكافة ‏المحافظات في خلق وظائف جديدة، في بيئة مختلفة ولهذا تطلق عليها منظمة الأغذية والزرعة "الفاو" الوظائف الخضراء.‏

*كم توفر مثلا هذه المشروعات من الوظائف لأنباء مصر؟

‏ نحو 75 ألف وظيفة في أعمال مباشرة كما توفر أضعاف هذا الرقم بشكل غير مباشر من خلال النقل والتوزيع ‏والتداول في الأسواق المصري وسلاسل البيع. ‏

*أصدرت دراسة هامة للغاية حول فشل مصر على مدار العقود الماضية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.. ما الذي ‏يمكن الإشارة إليه في أهم نقاطها؟

‏ إجمالا يمكن القول إن الأمر يعود إلى غياب وجود إستراتيجية زراعية حقيقة طوال هذه الفترة يمكن تطبيقها بجدية على أرض الواقع.

*كيف؟

يعني كنا نستورد سلعا زراعية بأرقام تصل إلى 160 مليار جنيه ، ومن كل السلع الأساسية المطلوبة مثل القمح والفول ‏والعدس والسكر وفول الصويا والذرة الصفراء والزيوت النباتية بجانب المكونات الأساسية للأعلاف الداجنة والحيوانية ، ‏واستيراد كل هذه السلع يشير بوضوح إلى إهمال الفلاح المصري ودعم الأجنبي. ‏

*وفق مشروعك البحثي.. ما مدى قدرتنا على تحقيق هذا الحلم من وجهة نظرك؟

‏ طبعا نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية على سبيل المثال يمكن لمصر زراعة نحو ‏‏3.5 مليون فدان قمحًا بنظام الزراعة التعاقدية ، ومع رفع سعر التوريد إلى 450 جنيها بدلًا من 420 جنيها للأردب ، سيعني ‏ذلك توفير فرق سعر المبلغ المخصص سنويًا لاستيراد القمح من روسيا وأوكرانيا ورومانيا وفرنسا وأمريكا ، والتي تبلغ ‏قيمتها 21 مليار جنيه سنويًا من الموازنة العامة للدولة ، وهو ما ينعكس مباشرة على دعم الفلاح المصري.‏

*مصر تعاني دائما من سوء الأسمدة وخاصة اليوريا المحرمة دوليا ولما لذلك من انعكاسات على صحة المواطن ‏المصري.. هل بالفعل نجحتم بجامعة المنوفية في إنتاج أسمدة صديقة للبيئة؟ ‏

نعم بالفعل توصل أحد الفرق العلمية في جامعة المنوفية إلى كيفية لإنتاجها وتم تطبيقها على أرض الواقع ، وخاصة خلال ‏السنوات الـ 6 الماضية ، وحققت طفرة في إنتاجية الأعلاف الخضراء بشهادة عدة لجان من وزارة الزراعة ، وهي تقضي ‏على مصادر تلوث الزراعة والتربة والبيئة. ‏

*وكيف يمكن لمصر الخلاص من هذه الأسمدة المحرمة؟

‏ وزارة الزرعة تباشر حملة لوقف انتشار المبيدات المحرمة دوليًّا.

*ولكن نسمع عن ذلك منذ فترات طويلة ولا يتوقف العمل بهذه الأنواع الخطرة من الأسمدة؟

‏ نعم ولهذا يجب أن يتواكب مع الحملة تشديد وتغيظ العقوبات وتنفيذها بكل حسم ضد يمارسون بيع الأسمدة والمبيدات الزراعية ، ‏كما يجب ربطها بضرورة الحصول على ترخيص بمزاولة المهنة وخاصة في المناطق الصناعية. ‏

*وماذا عن الأراض المستصلحة والتي لا تسيطر عليها الدولة وكيف يمكن مراقبتها؟

‏ هي أرض تبلغ نحو 3.30 مليون فدان جرى تخصيصها للاستصلاح وحتى يمكن مراقبتها بشكل جيد يجب تخصيص كود رقمي يتابع ‏إنتاج الأراضي الزراعية من الخضراوات والفواكه وتحليل مدى مطابقة هذه الفواكه للمواصفات الزراعية العالمية التي ‏تراعيها الدولة حاليًا ، وهذا سيساهم أيضا في محاصر مصادر الأسمدة الزراعية غير المعلومة المصدر والمبيدات غير ‏المرخصة. 

*كيف يمكن مواجهة المنتجات الزراعية التي يتم تصديرها ولا  تناسب المواصفات العالمية الأوروبية أحيانا وتُعاد إلى مصر وتطرح في ‏الأسواق للمصرية للمواطن المصري؟ ‏

يجب منع ذلك بالطبع ، وأي شحنات تُصدر ولا تناسب المواصفات العالمية وتعود لمصر ، يجب على الفور إعدامها على نفقة المستورد.

*وهل القانون يبيح ذلك؟

يجب إصدار تشريعات جديدة تنظم هذا العمل. ‏

*ما الذي تحتاجه الدولة في المرحلة المقبلة للاستمرار في تنفيذ سياسة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية؟

‏ نحتاج إلى خطة خمسية لنشر زراعات الأورجانيك في جميع المحافظات وتعريف المزارعين بأفضل طرق ومعاملات ‏الزراعة بالتسميد والمكافحة الحيوية والرى بنظام الأمطار الصناعية التي توفر 40% من المياه باستخدام الطاقة الشمسية‏ ، وهذا سيحقق الاكتفاء الذاتى في العديد من المحاصيل المهمة مثل القمح والذرة والبصل والذرة خاصة أن إصدار قانون ‏للزراعات الحيوية ، ساهم بشكل كبير في نشر أهمية زراعات الأورجانيك الذي يكافح أيضا الآفات والحشرات والفطريات ، ‏وهذا النظام رفع من إنتاجية البصل على سبيل المثال لدينا إلى 34 طنا وهي أعلى إنتاجية للفدان في العالم‎.‎

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...

الجريدة الرسمية