رئيس التحرير
عصام كامل

نجيب محفوظ يكتب: طبق الفول تاج المائدة الرمضانية

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

كان للأديب نجيب محفوظ ـــ رحل عام 2006 ــــ عادة منذ شبابه وهى التوقف عن العمل نهائيا فى رمضان ويرجع ذلك إلى رغبته فى الاستمتاع بأيام رمضان ولياليه وبما يحمل لهذا الشهر من ذكريات .

 

 وكما نشرت مجلة  الإذاعة والتليفزيون عام 1961 فى حوار حول شخصية الأديب الكبير نجيب محفوظ فى رمضان قال فيه :

 

بيت القاضى ،العباسية ، الجمالية والحسين ..كلها أحياء تسكن فى ذاكرتى وشغلت وجدانى لسنوات طويلة ، وانعكس آثارها على الكثير من أعمالى الأدبية والروائية التى قدمتها مثل الثلاثية وخان الخليلى .

 

والغريب أنه رغم مرور السنوات مازلت مرتبطا بهذه الأماكن حتى الآن وكثيرا ماتتحرك ذاكرتى شوقا وحنينا إليها. 

 

كنت أراقب المؤذن من شرفة بيت القاضى حين يصعد مئذنة الحسين ليؤذن لصلاة المغرب ، ولذلك فشهر رمضان من بين الشهور له طابعه الخاص الروحانى ،فقد علق فى ذهنى منذ طفولتى ، فصور الاحتفالات التى تمتلئ بها لياليه وسهراته سواء الدينية أو الترفيهية ..الاثنان لهما أثرهما الشديد جدا فى حياتى إلى جانب الذكر والإنشاد الدينى والمدح النبوى لعلى محمود وقفشات الشيخ البشرى .كلها ذكريات لاتغيب.

 

كان ذلك قبل ظهور الراديو فكان السهر فى القهاوى على الربابة ففى مقهى خان جعفر يحكى عازف الربابة قصة ابو زيد الهلالى وينقسم الجمهور الى فريقين فريق مع ابو زيد والاخر مع دياب تماما مثل جماهير الاهلى والزمالك .

 

وايضا السهر والفوانيس الملونة وغناء الاطفال فى الازقة والحارات ،  كان الاطفال والصبية وانا منهم نمنح فى هذا الشهر الكريم حرية دون باقى الشهور فى السهر مع الاصدقاء فى الشارع .

 

ويكون السهر حول اغنية وحوى ياوحوى واذا قلنا ان الاحتفال بشهر رمضان قد تراجع درجتين مثلا فهذان الدرجتان يظهران فى منطقة مثل الزمالك وكأنهما عشرون درجة .

أما فى حى الحسين فالاحتفال بهذا الشهر لم يختلف كثيرا ،ففى نهار رمضان تجد كل شئ هادئا المقاهى والمحلات مغلقة احتراما للصائمين

.اما فى الليل فالسهر حتى الفجر الكبار والصغار وسط الفوانيس المضاءة والانوار فى كل مكان وكأن هناك مهرجانا فولكلوريا كبيرا ..وتختتم السهرة بطبلة المسحراتى ..والرجوع الى البيت لتناول السحور.

 

 

صمت رمضان وانا فى السابعة وكان للخشاف مكانة خاصة على المائدة كما كان طبق الفول هو تاج المائدة الرمضانية ولأنى نشأت فى بيت القاضى وسكنا حارة الوطاويط أمام مسجد الحسين وبمجئ شهر رمضان تقام الزينات وحلقات الذكر والمديح النبوى ، وكان صوت المنشدين اول صوت منغم اسمعه خارج منزلنا رغم انه كان لدينا فونوغراف .وكنا نعيش كأننا فى مهرجان فنى كبير فنسمع حتى آذان الفجر الشيخ على محمود صاحب الصوت الجميل من اعلى مئذنة الحسين . 

 

اقرا ايضا: 

الأديب نجيب محفوظ: التصوف رفض للحياة

 

وكان رمضان بالنسبة للاطفال هو شهر الحرية لان الاهل كانوا يسمحون لهم بأشياء كانت ممنوعة طول العام مثل اللعب فى الشارع ، وكانت والدتى تقول لى خليك تحت عينى ولا تبعد عن حدود البيت .

 

وكانت هدية الاطفال هى الفانوس الذى يضاء بالشمعة يدورون به فى ميدان بيت القاضى مرددين اغانى رمضان .

 

أما بالنسبة للعيد فكنت اشارك فى عمل كعك العيد حتى انى كنت  أنقشه مع والدتى وكنت أذهب مع الكعك الى الفران وأتباهى بكعك والدتى امام الاصدقاء ، ولما انتقلنا الى حى العباسية وكنت فى التاسعة دعوت اصدقائى لزيارة الاحياء العريقة وكانت والدتى تصطحبنى  على عربة كارو لزيارة اولياء الله ..ما أحلى رمضان ايام الشباب. 

الجريدة الرسمية